أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

الممرات المائية اليمنية: مفاتيح اقتصادية في مرمى التهديدات الدولية

مجلة تحليلات العصر الدولية - فؤاد الجنيد / مجلة يمن ثبات

 

واهمٌ ومخدوعٌ من يظن أن العدوان على اليمن كان وليد اللحظة، وأنه جاء لتلك المبررات التي تنبثق باللون الأحمر أسفل قنوات التلفزة تحت مسمّى الأخبار العاجلة، وفاقد البصيرة من انطلت عليه مسرحية أن القواعد العسكرية في تخوم «باب المندب» شمالاً وجزيرة النعيم السقطرية جنوباً جاءت لاقتلاع الحوثيين الذين يقبعون في أقصى الشمال وغير الموجودين أصلاً في تلك الجغرافيا أو محيطها، حتى أبناء الجنوب أنفسهم انقسموا كبيادق على صفيح تناصفه ابن سلمان وابن زايد، يهبون أرواحهم وقوداً لصراع النفوذ دون يمننة أو وطنية، ويقذفون بأنفسهم في أخاديد المحارق نكاية بجيش ولجان يذودون عن حياض الوطن بالغالي والنفيس، ويرفعون راية الكرامة والاستقلال عالياً تحفها أرواح الشهداء من الجهات الأربع.

الممرات المائية اليمنية هي كلمة السر في هذا الصراع الدموي وإن تدثر بعباءة الحزم وإعادة الأمل، ومن ينفذون تلك الأجندة ليسوا سوى دمى تحركها اليد الأمريكية والصهيونية كيفما تشاء وحيث تشاء، فمضيق باب المندب، بموقعه الجغرافي الاستراتيجي صنع أهمية تجارية واقتصادية قصوى، جلبت معها حساسية عسكرية لهذا الممرّ المائي العالمي، الذي يعد أحد أهم الممرات المائية في العالم بعد إنشاء «قناة السويس» عام 1869م، وأصبح يربط بينها وبين «مضيق هرمز» كنقطة وصل لطريق التجارة العالمي، الممتدّ من البحر الأبيض المتوسط مروراً بالبحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي، والخليج العربي. وأكثر ممرّ تسير فيه السفن التجارية وناقلات النفط؛ حيث يستحوذ على 7% من الملاحة العالمية، و13% من إنتاج النفط العالمي، بحوالي 3.8 ملايين برميل نفط في اليوم، و 21 ألف سفينة وناقلة تمرّ في الاتجاهين، بواقع 57 سفينة يومياً، وتعبر منه نحو 12 مليون حاوية سنوياً.
وتبدو أفضلية اليمن الاستراتيجية للسيطرة على المضيق؛ بفعل امتلاكه «جزيرة ميون» «بريم»، التي تبلغ مساحتها 13 كم، وفيها ميناء طبيعي بطرفها الجنوبي الغربي، ويبرز السؤال: هل استفاد اليمن من «باب المندب» اقتصادياً وتجارياً بحكم أهميته الكبيرة للعالم، أم أنه تحوّل من نعمة إلى نقمة؛ حيث حوّل اليمن إلى ساحة صراع إقليمي ودولي بسبب موقعه على المضيق؟، وبحسب تقارير اقتصادية، لم ترِد إلى الخزانة العامة للدولة اليمنية أي عائدات من هذا المضيق، وطوال فترات حكم النظام السابق لم تنشأ أي مشاريع تنموية تهيّئ لمشاريع استثمارية كبرى على طول الساحل الغربي المحاذي لـ «باب المندب»، أو على الجزر القريبة منه؛ كجزيرة ميون الاستراتيجية، التي استخدمها البريطانيون محطة خدمة ترانزيت للسفن طوال فترة احتلالهم جنوب اليمن. وظلت مناطق «باب المندب» والسواحل والجزر القريبة منه منطقة مهملة عمداً من قِبل النظام السابق، وجعلها محطة للتهريب وتجارة السلاح والممنوعات من الدول الأفريقية وإليها.
سيوفر باب المندب فرصاً استثمارية اقتصادية كبرى سترفد الاقتصاد اليمني بمليارات الدولارات، وستوفر عشرات الآلاف من فرص العمل لليمنيين، إذا ما أحسنت الدولة اليمنية إدارة موقعه، وأحدثت بنْية تحتية وإنمائية جذابة لإقامة مشاريع استثمارية تستقطب رؤوس الأموال. وفرّط اليمن -لأسباب غامضة- في مشروع «جسر النور» الذي أُقرّ إنشاؤه عام 2008م مع جيبوتي، والذي تُبنى في طرفيه مدينة النور كمدينة صناعية وسياحية وتجارية ومنطقة حرة، وبتكلفة تُقدّر بنحو 20 مليار دولار بالنسبة إلى الجسر، أما تكلفة المدينتين فتصل إلى 50 مليار دولار. وتكمن الأهمية الاستراتيجية للمشروع في موقع البلدين على خريطة التفاعلات الإقليمية والدولية بمنطقة البحر الأحمر؛ حيث كان من المتوقّع توفير 500 ألف فرصة عمل لكلتا الدولتين.
وسعت القوى الكبرى لضمان السيطرة على المضيق من خلال الأمم المتحدة في عام 1982م، لتنظيم موضوع الممرات المائية الدولية، ودخلت اتفاقيتها، المعروفة بـ»اتفاقية جامايكا»، حيّز التنفيذ في شهر نوفمبر عام 1994م، لكنها في ظل متغيّرات القرصنة والإرهاب، وحرب الصومال، وأخيراً العدوان على اليمن، اتجهت لإقامة هذه القواعد لأغراض اقتصادية وعسكرية. حالياً استغلت الإمارات مشاركتها في العدوان وسجّلت حضوراً لافتاً بمنطقة «باب المندب»، وبطرق متنوّعة، من خلال بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية بعد احتلالها، في أكتوبر 2015م. وكانت الخطوة الإماراتية تمضي سراً قبل أن يكشفها، في يوليو الماضي، موقع «جاينز» البريطاني المتخصص في الشؤون العسكرية. سبق ذلك بناء وجود عسكري في «إريتريا» بالتزامن مع استخدام ميناء «عصب» الإرتيري لدعم عملياتها العسكرية في اليمن.

كل هذا الاهتمام من قِبل القوى الكبرى والإقليمية للسيطرة على مضيق «باب المندب» يجعله مرشَّحاً بقوة لأن يتحوّل في الفترة المقبلة إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، خاصة في ظل التقاطعات والتجاذبات الدولية والإقليمية، فللمضيق أهمية بالغة لمصر؛ خاصة أن نحو 98% من البضائع والسفن الداخلة عبر «قناة السويس» تمرّ من المضيق، وعائدات القناة تتجاوز 5 مليارات دولار سنوياً.

كما يمثّل محوراً مهماً للتحركات العسكرية الأمريكية، خاصة في استراتيجية إدارة ترامب، ولا يستبعد مراقبون أن يكون المضيق بوابة لتدويل الأزمة اليمنية. وبحسب مراقبين، فإن اليمن لن يستفيد من هذا المضيق إلا باستقرار سياسي وأمني وانفتاح واستراتيجية اقتصادية واستثمارية، وخلاف هذا فإنه سيستمر في الاكتواء بنار الصراع عليه، وبذلك فهو بين خيارين لا ثالث لهما.

جزيرة سقطرى هي الأخرى تقع على مفترق طرق من الممرات المائية البحرية الاستراتيجية للبحر الأحمر وخليج عدن، ولها أهمية جوهرية للجيش الأمريكي. ومن بين الأهداف الاستراتيجية لـ«واشنطن»، هو عسكرة الطرق البحرية الرئيسة، ويصل هذا الممر المائي الاستراتيجي بين البحر المتوسط وجنوب آسيا والشرق الأقصى، عبر «قناة السويس» و«البحر الأحمر» و«خليج عدن».

وهو طريق عبور رئيس لناقلات النفط؛ حيث تمر حصة كبيرة من صادرات الصين الصناعية إلى أوروبا الغربية عبر هذا الممر المائي الاستراتيجي. كما تمر التجارة البحرية من شرق وجنوب أفريقيا إلى أوروبا الغربية على مقربة من «جزيرة سقطرى»، عبر «خليج عدن» و«البحر الأحمر»، وهناك قاعدة عسكرية في «جزيرة سقطرى» تستخدم لمراقبة حركة السفن بما في ذلك السفن الحربية في خارج خليج عدن.

المحيط الهندي هو ممر بحري رئيس يربط بين الشرق الأوسط وشرق آسيا وأفريقيا مع أوروبا والأمريكتين، ويوجد به أربعة ممرات مائية أساسية، تعمل على تسهيل التجارة البحرية الدولية، وهي «قناة السويس» في مصر، و«باب المندب» على الحدود مع جيبوتي واليمن، و«مضيق هرمز» على الحدود مع إيران وسلطنة عمان، و«مضيق ملقا» على الحدود مع إندونيسيا وماليزيا. وجميعها نقاط تفتيش حيوية لتجارة النفط العالمية، حيث تعبر كميات هائلة من النفط عبر هذه المنافذ.

ومن وجهة نظر عسكرية، تقع «جزر أرخبيل» سقطرى على مفترق طرق بحري استراتيجي، وعلاوة على ذلك، فإن الأرخبيل يمتد على مساحة بحرية كبيرة نسبيًا في المنفذ الشرقي من خليج عدن، من جزيرة عبد الكوري، إلى الجزيرة الرئيسة سقطرى، وتقع هذه المنطقة البحرية في العبور الدولي في المياه الإقليمية اليمنية، وهدف الولايات المتحدة حراسة خليج عدن البحري بأكمله من الساحل اليمني إلى الساحل الصومالي، حيث تقع جزيرة سقطرى على بُعد حوالي 3000 كم من القاعدة البحرية الأمريكية «دييغو غارسيا»، وهي من بين أكبر المنشآت العسكرية الأمريكية في الخارج.

إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرة سقطرى هو جزء من عملية أوسع نطاقًا من عسكرة المحيط الهندي. وتتكون العسكرة من دمج وربط جزيرة سقطرى بالبنية القائمة، وكذلك تعزيز الدور المهم الذي لعبته القاعدة العسكرية «دييغو غارسيا» في جزر تشاغوس.

وقبل الحرب العالمية الأولى، أشار «الأدميرال ألفريد ثاير ماهان» الخبير الجيوستراتيجي في البحرية الأمريكية، إلى أن: «كل من يحقق السيادة البحرية في المحيط الهندي سيكون لاعبًا بارزًا على الساحة الدولية». والأمر المثير في كتابات «الأدميرال ماهان» هو السيطرة الاستراتيجية من الولايات المتحدة على الطرق الرئيسة في البحار والمحيطات وخاصة المحيط الهندي: «إن هذا المحيط هو المفتاح للبحار السبعة في القرن الحادي والعشرين؛ سيتم تحديد مصير العالم في هذه المياه».

إن التحول اليمني الفارق، الذي بدت معالمه واضحة وجلية في برامج التعافي والإنعاش الاقتصادي، تحول مشهود ينشده كل اليمنيين، وحري به أن يلتفت إلى هذا الرافد الاقتصادي الهام الذي سينقل اليمن إلى مصاف الدول الكبرى دون قيود، من خلال استغلال واستثمار هذه الممرات المائية، والتنبه لمخططات العدوان في السطو عليها والانفراد بمواردها، وتبيين ذلك لكل الشعب الجسور، الذي بدون أدنى شك لن يتوانى برهة لتحريرها واستعادتها وتوظيفها فيما جبلت عليه من الإرادة والسيادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى