رسائل “مدافعون عن سماء الولاية 99” الايرانية: أبعد من مناورة
مجلة تحليلات العصر - شارل ابي نادر
“مدافعون عن سماء الولاية 99″، ليست المناورات الأولى التي تطلقها الجمهورية الاسلامية في ايران، كما أنها ليست ألأولى التي تُظهر فيها طهران قدراتها العسكرية المتميزة، بالاضافة لما تصنّعه من أسلحة نوعية، تماثل أو تقارب في مستواها الكثير من الأسلحة العالمية الأكثر تطورًا وفعالية. وربما لهذا السبب (قدرات ايران العسكرية المتطورة) تتعرض طهران لهذا المسار المتواصل من الضغوط الاقتصادية والسياسية والاعلامية والعسكرية، بالاضافة طبعا لموقفها وموقعها الثابت ضد الهيمنة الاميركية وضد الكيان الاسرائيلي الغاصب. ولكن يبقى لهذه المناورات الأخيرة بُعد مختلف عن جميع ما سبقها من مناورات، فما هو هذا البعد؟ وما هي الرسائل التي أرادت القيادة الايرانية توجيهها في هذا التوقيت الحساس الذي تشهده المنطقة والعالم؟
طبعًا، لا يمكن تجاوز أهداف المناورات العسكرية بشكل عام، حيث يتم فيها التدريب على أسلحة جديدة وتجربتها، أو ادخال تكتيكات جديدة تتواءم مع القدرات العسكرية لتلك الأسلحة الجديدة، أو تغيير وتجربة بعض المناورات المستحدثة، لتكون متواكبة ومناسبة مع تغييرات استجدت في وضعية أو موقف أو قدرات العدو المفترض.
أيضًا، لا يمكن استبعاد الرسائل السياسية من مناروات “المدافعون عن سماء الولاية 99″، حيث ترتفع حمى السباق الانتخابي الرئاسي في واشنطن، والعلاقة مع ايران أو مصير الاتفاق النووي معها تشكل مادة أساسية من المنافسة الانتخابية بين ممثل الديمقراطيين جون بايدن وممثل الجمهوريين الرئيس الحالي ترامب، لتكون هذه المناورات فرصة لتذكير جميع المتنافسين في واشنطن بأن موقف ايران الملتزم بثوابتها المعروفة، لا يتأثر بمن يكون رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، وبان هذا الثبات على الموقف المعروف مصان ومحمي بقدرات عسكرية نوعية متطورة (دفاعية بدرجة اولى، وهجومية عند الحاجة أو عند التهديد).
عدة نقاط تميز هذه المناورات الايرانية اليوم، هي: عسكرية، تقنية واقتصادية، ولكنها تحمل الكثير من الأبعاد الاستراتيجية، ويمكن تحديدها بالتالي:
* عسكرية:
– إظهار القدرة الايرانية على تغطية مساحة بقعة المناورات الواسعة، والتي تقارب تقريًبا كامل جغرافية ايران، بقدرات دفاعية وهجومية كافية للتعامل مع أي عدوان خارجي، مهما كان حجم البقعة المستهدفة، أو مهما كانت نوعية وقدرات الاسلحة المعادية الهجومية.
– توزعت القدرات المتطورة، الدفاعية أو الهجومية، وخاصة أسلحة الدفاع الجوي والرادرات المتطورة والطائرات المسيرة، والتي تعتبر جميعها اليوم، (دفاع جوي – رادارات – مسيرات) عماد المعركة الحديثة في العالم، توزعت بين الجيش الايراني وبين حرس الثورة الاسلامية، تقريبًا بشكل متواز ومتماثل ، وذلك في رسالة حساسة للعالم، بأن الجيش الايراني يتكامل مع حرس الثورة، ويتقاسم معه مهمة معركة الدفاع عن موقف وحدود وسيادة الجمهورية الاسلامية، خاصة أن انتشار وحدات هذا الجيش يمتد على كامل محافظات وحدود ايران، وبقدرات مناسبة لحماية هذه الحدود.
– رسالة عسكرية أخرى تؤكد أن قدرات ايران الدفاعية المتطورة، والتي يمكن وضعها في خانة قدرات الردع، لا ينحصر دورها فقط في نقاط المواجهة الساخنة على الخليج الفارسي أو في مضيق هرمز أو على واجهة ايران الاستراتيجية البحرية في بحر العرب وخليج عمان، بل تمتد هذه القدرات وامكانياتها الى كامل الحدود الايرانية وبنفس الفعالية والجهوزية.
* تقنية:
في متابعة لنوعية الأسلحة والقدرات النوعية التي تم اشراكها في مناورات “مدافعون عن سماء الولاية”، نجد التطور والفعالية في منظومات الدفاع الجوي، والتي تماثل أو ربما تضاهي الكثير من مثيلاتها من المنظومات العالمية، فمنظومة الدفاع الجوي باور 373 الصاروخية والتي تضاهي مثيلتها الروسية اس 300 تكاملت مهمتها خلال المناورة في تحديد واسقاط الأهداف الجوية مع منظومة “مرصاد” التابعة للدفاع الجوي في الجيش الإيراني ومنظومة “طبس” التابعة لقوات الجو فضاء في حرس الثورة الاسلامية، باستهداف وتدمير أهداف معادية في منطقة المناورة، وجميعها استفادت مما قدمته لها من معطيات عن الأهداف العدوة، أنظمةُ رادارات “قدير” و”مراقب” و”بشير”.
وكان لافتًا خلال المناورات الأخيرة، الدور الذي لعبته منظومة خرداد 15، والتي كانت قد دخلت الخدمة في الجيش الإيراني في يونيو الماضي، مع ما تملكه هذه المنظومة، والتي كانت قد أسقطت في العام الماضي، الطائرة الأميركية غلوبال هوك الأكثر تطورًا، من مميزات متقدمة في عالم الدفاع الجوي حيث “تستخدم صواريخ من نوع “صياد 3” قادرة على رصد وتعقب 6 أهداف واستهدافها وتدميرها بشكل متزامن، مع القدرة على التعامل مع أهداف جوية تحظى بقدرات هجومية عالية مثل المقاتلات والقاذفات الشبح والطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، على بعد 150 كيلومتراً، ومتابعتها على بعد 120 كيلومتراً ومتابعة أهداف متخفية على بعد 85 كيلومتراً والاشتباك معها وتدميرها على بعد 45 كيلومترا.
* اقتصادية:
كان لتوقيت المناورات مباشرة بعد فشل واشنطن في معركة اعادة حظر الأسلحة على ايران (توريد أو استيراد) وقعًا مهمًا في مضمون ومعنى نشر أو عرض هذه القدرات الايرانية التسليحية المتطورة، حيث أظهرت الكثير من الدول اهتمامها بالحصول على الممكن من هذه الأسلحة، لفعاليتها أو لثمنها المناسب والتنافسي مع أسلحة الدول الغربية أو الروسية المتطورة. فمن الناحية القومية لايران، لا يمنع أن تكون المناورات فيها رسالة تنافسية لسوق الأسلحة، حيث بالنهاية، يبقى الاقتصاد هو عصب المواجهة وهو أصلًا النقطة العملية التي يضغط بها الأميركيون على ايران، وحيث أيضًا يقوم الأمن القومي على الاقتصاد القوي وعلى خلق المصادر المالية الكافية لتمويل حاجات الدول.