أحدث الأخبارالثقافة

أدوات الغزو الثقافي

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. علي المؤمن

▪️ تنقسم الأدوات والعوامل المحركة (الوسائل والأساليب) للغزو الثقافي للمجتمع المسلم، والذي يهدف الى حرفه وغربنته، إلى مجموعتين:

الأولى: خارجية، وتتمثل بالدعاية والإعلام والنشر، كدور النشر والمؤسسات الثقافية، والصحافة والإذاعات والفضائيات ومواقع الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، والسينما والفنون، إضافة الى الرموز الإنسانية، السياسية والثقافية والفنية.

الثانية: داخلية، وتتمثل بالوسائل المذكورة في المجموعة الأولى نفسها، لكنها أدوات وعوامل ووسائل داخلية، أي من داخل مناخات المسلمين، ويضاف اليها الرموز والنخب والجماعات الداخلية المنحرفة أو العميلة ثقافياً وفكرياً وعقدياً. والأدوات الداخلية؛ إما تكون مستقلة وتعمل بدوافع داخلية، وتمثل ردود أفعال، أو تكون مرتبطة بأهداف وبرامج خارجية تتكامل مع أدوات المحموعة الاولى، أو تمثل امتداداً لها.

▪️ولعل وسائل الإعلام والدعاية والتواصل الداخلية والخارجية هي من أخطر هذه الوسائل والأدوات، وأشدها تأثيراً؛ إذ تبقى البلدان الاستكبارية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا و(إسرائيل) و ودوائرها المتخصصة وامتدادتها المحلية، في حالة استنفار وهجوم وغزو منظم ودائم وواسعة ومركّز، ضد الدوائر الإسلامية التي مرّ ذكرها، وتعمد إلى تسخير أحدث التقنيات العلمية باتجاه تحقيق أهدافها، وصولاً إلى الهدف الثقافي المركزي، المتمثل بفرض هيمنته الثقافية عالمياً أو عولمة ثقافته، تحت شعار «الثقافة العالمية» أو «الثقافة المشتركة»، وهو الشعار الأخطر الذي ترفعه مؤسسات الاستعمار الثقافي، اعتماداً على ما يسمّى بانعدام المسافات الجغرافية بين الدول والشعوب، في أعقاب التطور التكنولوجي الهائل الذي جعل العالم كقرية واحدة في الحال الحاضر، أو بيتاً واحداً في المستقبل.

▪️وهكذا؛ فإن «الثقافة المضادة» هي أخطر أنواع التآمر ضد المجتمع الإسلامي؛ إذ أن تفشي ثقافة الغازي والمستكبر، وتحولها الى أفكار ومعارف سائدة، وأنماط حياتية وسلوك وظواهر اجتماعية، يؤدي إلى تآكل بناء المجتمع من الداخل وضرب هويته العقدية والاجتماعية الدينية ومقومات تميزه الايديولوجي، ومن ثم إلحاق هزيمة شاملة بالأمة، تفوق آثارها وتبعاتها الهزائم العسكرية والسياسية والاقتصادية.

▪️ ولعل بعض المنفعلين والمتغربين في الداخل الإسلامي؛ يعترض على مفاهيم وحقائق راسخة في حضورها في حياة الفرد المسلم ومجتمعه، كالغزو الثقافي والثقافة المضادة للإسلام والثقافة الإسلامية، ويسخر من النداءات التي تقرع أجراس الإنذار وتنبّه المسلمين إلى ما يحيق بهم من مخاطر ثقافية، ويعد ما نصفه بالغزو الثقافي والثقافة المضادة؛ نوعاً من التفاعل والاحتكاك بالثقافي والتلاقح الفكري والانفتاح الاجتماعي. وهذا الزعم – بحد ذاته – تسويغ للغزو الثقافي وجزء من ممارسته، ومحاولة لإيهام المسلمين والاستخفاف بعقولهم، بهدف إحباط أي استعداد للمواجهة. في حين أن الواقع وتفاصيله لا يتركان مجالاً للشك حول وجود التآمر الثقافي على الإسلام والمسلمين وأمنهم الثقافي والحضاري. وربما لايفرق بعض هؤلاء المنفعلين والمتغربين بين مفاهيم مرفوضة كالغزو الثقافي والفكري والسلوكي، تؤدي الى سلب هوية المسلمين العقدية والثقافية لمصلجة ثقافة الغازي المتسلط، المتفوق في أدواته، والمستكبر في أهدافه، وبين مفاهيم مقبولة مثل التفاعل الثقافي والتلاقح الفكري بين المتكافئين في امتلاك أدوات التأثير وحجمها ونوعيتها، وفي المساحات الحيادية والقضايا الإنسانية العامة، كالمشتركات الحضارية والتطور المدني والعلوم والتكنولوجيا وغيرها.

▪️وبالتالي؛ فإن الغزو الثقافي وزرع الثقافة المضادة للمسلمين، هما حقيقتان محسوسان، وليسا مجرد إثارات إعلامية تهدف إلى اتخاذ إجراءات احترازية مسبقة من قبل المسلمين. بل أن البلدان الغربية الرائدة في مجال الغزو الثقافي، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لاتخفي إطلاقاً برامجها ومشاريعها في هذا المجال، وتعد ذلك جزءاً من مهماتها الإنسانية لانتشال المسلمين (المتخلفين) من دينهم ومنظوماتهم العقدية والفكرية والفقهية، وتعطي لنفسها الحق في احتلال اراضي المسلمين ومصادرة استقلالهم السياسي وسلب ثرواتهم والتحكم بمقدراتهم؛ بمختلف الذرائع. وهذه الحقائق ليست جزءاً من التاريخ أو الماضي، وليست بروباغاندا معادية للغرب، بل هو المناخ المحسوس الذي يتنفس المسلمون هواءه يومياً، منذ ثلاثة قرون وحتى الآن.
(للموضوع تتمة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى