أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

أزمة شيعة العراق

مجلة تحليلات العصر الدولية - إياد الإمارة

يشكل شيعة العراق أغلبية سكانية واضحة تتوزع على أهم مدن هذا البلد وأكبرها ثروة، وكان شيعة العراق الأكثر تأثيراً في مسار أحداثه عبر الأدوار التاريخية المختلفة التي عاشها، وكانوا الأكثر عرضة للتنكيل والتهميش والإجحاف من بقية المكونات السكانية العراقية، وقد أتت سياسات النظام البعثي الدموية على مختلف ثرواتهم الطبيعية لتحرمهم بعضها وتمنعهم من الإستفادة من بعضها الآخر.

عاش شيعة العراق حقبة مظلمة تحت قيادة البعث الإرهابي الكافر سامتهم أنواع العذاب وشهدت هذه الحقبة مواجهة شرسة بين الشيعة في العراق ونظام الحكم التعسفي البعثي راح ضحيتها عشرات آلاف الشيعة شهداء ومسجونين ومنكل بهم ومشردين في أصقاع المعمورة..
صحيح إن العراقيين جميعاً لم يسلموا من آلة القمع الصدامية لكن نصيب الشيعة كان الأكبر من بين العراقيين.

وبعد حدوث التغيير عام (٢٠٠٣) لم يتنفس شيعة العراق الصعداء فقد:
١. استمر الإرهاب البعثي، الوهابي التكفيري بحصد أرواح الشيعة في الشوارع والأسواق والدوائر الحكومية..
٢. ولم يحظوا بالمقدار الكافي من ثرواتهم المتدفقة من تحت أقدامهم..
٣. وأستمرت بعض سياسات التهميش والإقصاء التي كانت تُمارس معهم في السابق على الرغم من مشاركتهم في الحكم!

ما هو السبب في ذلك؟
لماذا تستمر معاناة شيعة العراق بعد أن:
أصبحوا شركاء مهمين في الحكم وبيدهم رئاسة الحكومة ولو بشكل صوري!
ولا تزال الثروة تتدفق من تحت أقدامهم، ونفط البصرة يشكل أكثر من (٩٠٪) من موازنات البلد الإنفجارية!
وهم الأكثرية “الواضحة” على الرغم من أسراب الضحايا الذين أستمروا بتقديمهم حتى بعد العام (٢٠٠٣) وإلى يومنا هذا!

لماذا تستمر هزائم شيعة العراق وهم يصنعون نصره على أعتى زمرة إرهابية تكفيرية لأكثر من مرة وفي أكثر من ميدان؟
لماذا يشكون العوز والفقر والحرمان وقلة الإمكانات والخدمات وهم مصدر الثروة الأهم في العراق؟
لماذا يعانون من الإقصاء والتهميش والعزلة والقسرية على الرغم من إنهم لا يزالوا أكثرية واضحة فاعلة ومؤثرة؟

هل تقاعس الشيعة في العراق عن أداء دورهم الوطني؟
هل امتنعوا أو مُنعوا لأسباب معروفة من المشاركة الحقيقية في الحكم بعد العام (٢٠٠٣) كما فعلوها مجبرين من قبل؟
هل إن شيعة العراق لا يمتلكون مؤهلات إدارة شؤونهم بالطريقة التي تضمن لهم الحصول على كامل حقوقهم؟

أين يكمن الخلل؟
في القواعد الشيعية المطيعة التي سجلت حضوراً فاعلاً في كافة الفعاليات الوطنية العراقية؟
أم في القيادات الشيعية التي تمثل شيعة العراق في أكثر من صعيد؟
ومَن هو الذي يقود شيعة العراق وهم طوع بنانه وينقادون له ويسلمون أرواحهم طواعية للموت بأوامره؟

هل يلتفت شيعة العراق إلى واقعهم المتردي في هذا البلد؟
هل توقفوا قليلاً ليقيموا مستوى وطريقة معيشتهم وأوضاعهم المأساوية التي لا تزال تتفاقم كل يوم؟
وما هو مصيرهم في بلد يستهدف وجودهم بوحشية؟
مَن هو الذي ينبغي عليه من بينهم أن يدفع بهم إلى أن يغيروا واقعهم المأساوي؟

القواعد الشيعية “المتفرقة” مطيعة جداً..
مطيعة حد التضحيةبأرواحها..
والصور التي توثق هذه الطاعة كثيرة جداً!
وبعد العام (٢٠٠٣) أمروهم فأطاعوا..
انتخبوا فأنتخبوا، وصوتوا للدستور فصوتوا، اذهبوا إلى الموت وهنا “تسابقوا”!
إذاً؟
أزمة الشيعة في العراق ليست أزمة قواعد أثبتت التجربة حضورهم الفاعل في كل الميادين حيث يؤمَرون من قياداتهم..
إذاً؟
الأزمة لدى شيعة العراق أزمة قيادة، ونعود لنسأل مرة أخرى مَن هي القيادة الشيعية الحقيقية التي تتحمل أسباب أزمة شيعة العراق؟
هل نمتلك نحن الشيعة في هذا البلد الشجاعة -بكل ما نملك من شجاعة تكاد تكون أسطورية- لنحدد مَن هي تلك القيادة التي تتحمل مسؤولية ما نحن فيه؟
وهل نستطيع بعد ذلك:
معاتبتها.
مسائلتها.
المطالبة أو السعي لتغييرها؟

ما لم نقف عند هذه النقطة المهمة والحساسة بوعي وموضوعية وشجاعة سوف لن يتغير واقع حالنا نحن الشيعة إلى ما هو أفضل..
ما لم نقف عند هذه النقطة المهمة والحساسة ونطالب بالتغيير الذي يُنهي معاناتنا ويمنحنا القدر المناسب من خيراتنا ويجعلنا في دائرة القرار المؤثر في العراق سوف لن يتغير واقع حالنا نحن الشيعة إلى ما هو أفضل.

ولأقولها بصراحة: لن تصل بنا هذه الإقطاعيات الشيعية المتسلطة إلى ما هو أفضل..
سوف نبقى في ظلالها على ضلالة..
سوف نبقى في ظلال هذه الإقطاعيات قطعان تُقاد من أجل مصالحهم هم وليس من أجل مصالحنا.

لقد نشأ الإقطاع في العهد العثماني بطريقة أن يهبوا الأرض ومَن عليها “من الجاري إلى الذاري” إلى أشخاص معدودين لإعتبارات غير موضوعية فيتحول هؤلاء إلى ملاك “ملوك” ويتحول ساكنوا هذه الأرض إلى فلاحين “عبيد” يعملون بلا مقابل أو بلا ما لا يسد رمقهم ولا يغطي عوراتهم وكل ذلك من أجل أن ينعم آل الإقطاع وهم قلة قليلة بكل الخير دوناً عن الناس.
الطريقة نفسها تلك التي يُغبن فيها الشيعة الآن “فلح الإقطاعيات”..
الطريقة العثمانية نفسها لا فرق فيها..
فلا بد من أن يؤمم الشيعة أنفسهم ويثوروا بوجه هذه الإقطاعيات لكي يعيشوا بحرية وكرامة.
وعلينا أن نكون حذرين للغاية لكي لا نقع مرة أخرى بما وقع فيه الفلاح بعد التأميم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى