العراق

أسباب الأزمة العراقية والحلول الاستراتيجية

مجلة تحليلات العصر

بقلم: د. السيد محمد الغريفي

العراق بلد عريق بحضارته، وغني بثرواته، وكبير بشماله وجنوبه، وشامخ بقومياته ومذاهبه، وكريم بعاداته وتقاليده.

فمن العجيب أن يتعرض هذا البلد الى هذه الأزمات وهذه المحن التي تعرضه لأخطار الإرهاب والتقسيم وسرقة أمواله ورهن آباره النفطية الى عشرات السنين واحتياجه الى البنا التحتية و أبسط مقومات الحياة…

والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو الشيء الذي ينقص هذا البلد يجعله يتعرض لهذه المحن؟ هل المشكلة في الحكومة أو في الشعب أو في أمور أخرى؟ .

سوف نتكلم في هذه المقالة عن أمور مهمة نفقدها في العراق الحديث، موقعها فوق الطبقة الحاكمة والشعب وباعتقادي هي الأساس في خلق هذه الأزمات التي نواجهها اليوم، وأهمها ما يلي:

١- انعدام الفكر الموجه: في عراق اليوم لا توجد شخصيات فكرية تقوم بمهمة توجيه المجتمع، وتوحيده في أطر فكرية (عقائدية، ثقافية، منطقية وسياسية)، وما يلقيه المشايخ على المنابر مجرد نصائح متناثرة لا تفي بالمطلوب ولا تغني عن جوع. ولتلافي هذا النقص يلزم أن يجتمع علماء من الحوزة والجامعة في مؤسسة فكرية-إعلامية للقيام بهذه المهمة.

٢- انعدام القيادة الكاريزمية: لم يتوحد الشعب العراقي في تاريخه على قيادة واحدة تتمتع بكاريزمية في الانقياد الطوعي من قبل الجميع، نعم مرجعية النجف الدينية محترمة عند جميع طوائف الشعب العراقي، ولكن لا تطاع دائما من قبل الجميع لأسباب عديدة، أهمها الاتجاه العام في الحوزة الابتعاد عن السياسية ولا تتدخل إلا في الأمور الضرورية.

٣- انعدام الهوية الوطنية: من وظائف الحكومة توحيد الشعب على الهوية الوطنية، التي تكون محل افتخار واعتزاز الجميع، ولكن الشعب العراقي اليوم ينقسم الى عدة هويات قومية وطائفية مثل: الشيعية والسنية والوطنية …والخ. وهذا أكبر خطر يعرض وحدة العراق وأمنه.

٤- انعدام الرؤية المستقبلية: لا يوجد في عراق اليوم رؤية مستقبلية بعيدة المدى لعشرين سنة أو أكثر، ومعناه فقدان البوصلة في التحرك ومصيره المتاهة والضياع، ولذلك فمن اللازم ان تتعاون الحكومة والنخب العلمية في الحوزات والجامعات لكتابة رؤية مستقبلية وطنية تحقق طموحات الشعب في كل مجالات الدولة، وتلزم الحكومات المتعاقبة على تحقيقها.

5- انعدام التخطيط الاستراتيجي: في عراق اليوم لا يوجد تخطيط استراتيجي لحل المشكلات التي تعصف بالبلاد على وفق الرؤية المستقبلية المقرة للبلاد، بل المشكلات اليومية تحل بصورة آنية ومقطعية وليس حلول جذرية واستراتيجية، ندعوا الحكومة بالاهتمام بمراكز الدراسات الاستراتيجية، وأن يكون في كل وزارة بل وفي كل دائرة حكومية قسم خاص بالتخطيط الاستراتيجي.

الحلول الستراتيجية المقترحة:

يحتاج العراق الى وعي كبير من قبل الشعب والمسؤولين وخطوات جبارة لتجاوز هذه المحنة العصيبة، ومن أهم الأمور التي يحتاجها العراق في هذه المرحلة مايلي:

١- أطلاق الحملة الفكرية: من خلال تأسيس مراكز دراسات استراتيجية وغرف فكر ومشاورة من قبل العلماء والمفكرين الواعين والمخلصين في كل المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني من أجل تشخيص المشكلات التي يعاني منها البلد وطرق علاجها. وعرض النتائج على المدراء أصحاب القرار وعلى المرجعية الدينية العليا.

٢- أطلاق حملة القضاء على الفساد: على الشعب والحكومة التعاون معا في القضاء على ظاهرة الفساد الإداري، لأنه مع وجود الفساد لا يمكن تحقيق أي مشروع أصلاحي في البلد، ولابد أن تكون دائرة النزاهة تحت أشراف رئيس الوزراء مباشرة وكل فساد إداري في البلد يتحمل مسؤليته مباشرتا.

٣- أطلاق حملة إعادة كتابة الدستور: من أجل الاستقرار السياسي والأستفادة من تجارب الماضي والتخلص من نظام المحاصصة وحكومة الأحزاب الفاسدين، يجب أعادة النظر في الدستور وجعل النظام رئاسي ذو حكومة الخبراء التكنوقراط، وفصل السلطات بشكل كامل، ليمارس البرلمان التشريع والرقابة على الحكومة بشكل نزيه، ويمارس القضاء دوره القضائي بشكل حقيقي.

٤- أطلاق حملة كتابة رؤية مستقبلية: يلزم ان تتعاون الحكومة والنخب في كتابة رؤية مستقبلية وطنية، لعشرين سنة القادمة، تحقق طموحات الشعب في كل مجالات الدولة، وتلزم الحكومات المتعاقبة في تحقيقها.

٥- أطلاق حملة الوحدة الوطنية: يلزم الأهتمام بالهوية الوطنية، التي تعلو فوق الثقافات القومية والطائفية والمذهبية، وتكون مثل الخيمة الكبيرة التي تحتضن كل الشعب، وتسخير جميع أمكانات الدولة الأعلامية والتعليمية والتربوية في هذا المجال.

٦- أطلاق حملة التنمية البشرية: يلزم الأهتمام بالثقافة العامة للشعب طبقا للرؤية المستقبلية، ووضع خطط تثقيفية لتجاوز ظاهرة العصبية العشائرية المخالفة للإسلام وللقانون. وتثقيف الشعب على الديمقراطية وكيفية أنتخاب الأصلح. ورفع ثقافة الحرص على الوطن والمال العام، وكشف المفسدين. والاهتمام بوزارة التربية والتعليم وبوزارة التعليم العالي من خلال زيادة كميتها الاستيعابية وكيفيته العلمية.

٧– أطلاق حملة التنمية الشاملة والمستدامة: يلزم العمل بالرؤية المستقبلية ووضع التخطيطات الاستراتيجية لتحقيقها، في شتى المجالات وخصوصا البنى التحتية للدولة والى جنبها المجالات الاقتصادية من الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة. ويلزم ان تكون مستدامة ولا تتوقف او تتغير بتغير الحكومات.

٨- أطلاق حملة النهضة الزراعية: من خلال وضع استراتيجية لتصدير المونتجات الزراعية لكل العالم وتوفير فرص عمل لأكثر من ربع الشعب العراقي في مجال الزراعة، بالاضافة الى وارد كبير للخزينة الى جانب النفط، والأهتمام بدعم الفلاح بكل ما يحتاجه من مستلزمات الزراعة والتشجيع الحكومي للهجرة المعاكس نحو الريف وتوزيع اراضي زراعية للمتطوعين ومنع استيراد المنتجات الزراعية واصلاح المشاريع الاروائية.

٩- اطلاق حملة النهضة الصناعية: لأن الصناعة والتكنلوجية تعتبر الشرط الاساسي للالتحاق بالدول المتطورة وكذلك توفر وارد مالي كبير للبلد من خلال التصدير للخارج والقضاء على البطالة، وعلى الحكومة فرض الضرائب على المنتوجات الاجنبية وتشجيع الصناعة الوطنية باعطاء السلف لبناء المعامل وشراء المعدات وتقديم الخبرة الحديثة في الصناعة .

 

  • الآراء المطروحة تمثل رأي كاتبها ولا تمثل رأي المجلة بالضرورة.

 

  • تستطيعون أيضاً المشاركة بأرائكم وتحليلاتكم السياسية :

خطأ: نموذج الاتصال غير موجود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى