أحدث الأخباراليمنشؤون امريكيةمحور المقاومة

أمريكا بايدن.. بعيون يمنية

مجلة تحليلات العصر الدولية - حُميد القطواني / مجلة يمن ثبات

إن الزلزال -الجيوسياسي – الذي ضرب الولايات المتحدة والغرب منذ 2017م إلى نهاية 2020م لم يكن وليد صدفة تمثلت في صعود ترامب كحالة عرضية في ظل تنافس مشاريع على السلطة، بل ذلك الصعود هو نتيجة لصدمة عنيفة رسمت خط النهاية أمام أحادية النخب التقليدية في أمريكا والغرب، وأخرجت الأزمات المتراكمة عن السيطرة، وأفقدت النظام السياسي الأمريكي توازناته، وخلقت تصدعات فتحت المجال لصعود الظاهرة الترامبية، وتحول الصراع من تنافس على السلطة إلى صراع حول تقرير مصير النخب وهوية أمريكا ووضعها في العالم.

هذه الصدمة كانت مقدمة موجات ارتدادية خلقت هذا الانقسام السياسي الحاد الذي تطور لصراع دون قواعد بسقف حرب باردة تجلت في الخضَّات المرعبة، والأزمات العميقة، والتصدع الخطير إلى أن وصلت تفاعلاته ذروة حافة الهاوية في الداخل الأمريكي، وعلى الصعيد الخارجي انحسرت وتفككت هيمنة الأحادية الأمريكية والغربية.

وعلى الرغم من أن ذلك المخاض أفرز في جولته الأولى فتح مسار إعادة هيكلة النخب والتوازنات الداخلية، وتَشَكّل هوية سياسية جديدة لأمريكا والغرب تتناسب مع المتغيرات في الخارطة الدولية، إلا أن الوضع السياسي والاجتماعي والأمني في أمريكا وبريطانيا خاصة متداعٍ، ويزداد احتقاناً وتفاقماً، و لا أحد يجزم بالسيطرة عليه، وما حدث لم يكن حسماً لذلك الصراع، بل تسوية تهدئة لترحيل الانفجار.

مركز الارتدادات الزلزالية:

إن تداعيات الفشل والانكسار، وتهاوي استراتيجيات التآمر والأطماع الصهيوأمريكية في الوطن العربي شكّل البؤرة للارتدادات الزلزالية التي ضربت أمريكا والغرب.

وكان المركز فيها هو العدوان على اليمن عام 2015م الذي شكل محطة غرق تحالف العدوان السعوأمريكي، وفيها تصدعت وتفككت منظومة السيطرة والنفوذ الغربي برمته في المنطقة، وبالتالي قاد لتفجر الأزمات واختلال التوازنات في الغرب، وأحدث انتكاسات في كل الملفات لصالح شعوبنا المظلومة، وبدوره دفع بمسار التغيير البنيوي في النظام السياسي الغربي، وحرّك قطار التحولات في توازنات النظام الدولي.

والمراقبون لمسار الاحداث منذ 2011 _2020م في المنطقة العربية، والنظر مقابلها لمسار الأحداث في أمريكا والغرب يدركون واقعية ما تقدم ذكره.

أجندة تحالف أمريكي ضد اليمن:

في سياق العدوان على اليمن تجلى لليمنيين أن مشروع الحلف الأمريكي في المناطق المحتلة جنوب اليمن يسعى لفرض واقع التمزيق والفوضى والأزمات والمعاناة والإذلال والامتهان والاستبداد؛ لخلق ظروف تمكنه من مصادرة قرار وإرادة ومصير اليمنيين، ونهب ثرواتهم، واحتلال بلادهم ومواقعها الحيوية، و تنصيب حكومات فاشلة من شخصيات فاسدة و ضعيفة، وقوى متناحرة ومتطرفة غارقة في مصالحها الأنانية الخادمة لأجندة من نصَّبهم حكاماً على اليمن، وهذا نهج دول الحلف الأمريكي الذي يمارس الوصاية على القرار اليمني لعقود.

في سبيل ذلك وطيلة ستة أعوام ارتكب تحالف العدوان بإدارة أمريكية مباشرة لعمليات التحالف أبشع جرائم التوحش والإرهاب والحصار والتدمير والفتك، وخلّف أكبر كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر ؛ كل ذلك لتركيع اليمنيين.

وقرار تكليف مبعوث أمريكي خاص باليمن مجرد عنوان لمرحلة جديدة، مهمته فيها السيطرة على أداء حلف أمريكا، والإمساك بخيوط اللاعبين فيها من أعلى مستوى إقليمي فيه إلى أدنى الأدوات التابعة؛ من أجل ترميم الخيارات والاستراتيجيات المتهالكة ومنظومة السيطرة برمتها، وإعادة هيكلة النفوذ والأدوات، وإعادة توزيع الأدوار في مسار جولة جديدة للعدوان على اليمن.

لماذا الحرب على اليمن؟

فيما تقدم سردت ملامح أجندة حلف أمريكا الذي يشن الحرب على اليمن، ودللت على ذلك بشواهد من الواقع، والتي لم تعد محل جدل ولبس، في مناطق جنوب اليمن الواقعة تحت سيطرة ذلك الحلف طيلة ستة أعوام.

وأمام هذه الحرب المدمرة والظالمة والمصير المرعب لليمن واليمنيين الذي يراد فرضه على الشعب اليمني، وسلب مستقبل أجياله منه، تحرك اليمنيون ثواراً ومجتمعاً ونخباً يمنية للدفاع عن أنفسهم وردع العدوان بإرادة واعية للخطر، و إيمان بالحق يتحدى فارق الموازين المادية، والاستعداد العالي للصمود والتضحية في سبيل الانتصار للمظلومية اليمنية، وقضيته المحقة اليمن، ومشروعه العادل جسّد صورة هذا الصمود الأسطوري.

وفي سبيل ذلك سخّر اليمنيون قدراتهم وطاقاتهم و كل الظروف والخيارات المتاحة محليا وخارجيا بما فيها التلاقي والتحالف بشجاعة مع كل الدول والقوى الحرة؛ لمواجهة مصير وعدو مشتركين.

فلا خيار أمام اليمنيين سوى الانتصار في معركة المصير، وانتزاع الحق في الحرية والكرامة والاستقرار والسيادة والاستقلال على كامل جغرافيا الوطن؛ لحماية الحياة في اليمن، و بناء المشروع اليمني الذي حاربته دول هذا الحلف لعقود منذ اغتيال الرئيس الشهيد الحمدي عام 1979م في واقعة باتت وثائقها في متناول الجميع.

واليوم طيلة ستة أعوام تشن دول الحلف الأمريكي حربها الظالمة؛ لإجهاض الثورة اليمنية التي يصادف هذا الشهر ذكرى انطلاقتها، وتكللت بالنجاح في 21 سبتمبر 2014م.

ما مشروع الثورة اليمنية؟:

سعى ويسعى اليمنيون لبناء مؤسسات الدولة اليمنية التي تعبر عن الهوية والقرار اليمني، ونظام سياسي يمني يمكّن إرادة الشعب الحرة في اختيار حكوماته وقيادته التي يثق في أنها سوف تلتزم بمبادئه وثوابته وقيمه ومصالحه الحيوية وأمنه القومي ومسؤولياته المصيرية تجاه قضايا أمته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فهذا هو الضامن الوحيد لتحقيق الإنصاف والكرامة والحرية، وصون الحياة العامة والخاصة للفرد والأسرة والمجتمع، وحماية التنوع الأصيل و الموروث الإيماني والإنساني، وخدمة مصالح الإنسان اليمني ومشروع تنميته و نهضته الحضارية، وتفعيل الموقع والدور الدولي لليمن في بناء علاقة تكافئية إيجابية تنفتح على الجميع عدا العدو الاستراتيجي المتمثل في الكيان الصهيوني، و منظومة نفوذه في الغرب الخادمة لأجندته الخبيثة، وفي المقابل نهج عام يسلك مسار دعم للإنصاف و السلام والاستقرار والنهوض في المنطقة والعالم، والإسهام في بناء الحضارة وخدمة الإنسانية بفاعلية وتنافس.

خطأ الحسابات الأمريكية:

دائما تخطئ القوى الكبرى تحت تأثير هوس القوة والأطماع في حساباتها لاستضعاف الشعوب، وإلَّا فكيف انهزم تحالف أقوى دولة في العالم شن عدواناً كونيًّا على أفقر شعب؟!.

هذا الشعب اليمني الذي يأتي في موقع الصفر ضمن معادلة المادة أمام تحالف أمريكا إمبراطورية الثروة، وذروة تطور المادة والعلم للأسف في الفتك والدمار والتآمر استطاع أن يهزم إمبراطوريات الشر على الرغم من فارق العدة والعتاد.

ببساطة إن استعلاء واستكبار أمريكا وحلفها هو السبب الرئيس لهزيمتهم أمام الشعب اليمني الذي أغرى غطرستهم وضعه الصفري في الميزان المادي، فراهنوا على المادية والمكر في سرعة الحسم، وتجاهلوا حقيقة أن الطرف اليمني هو الأقوى بإيمانه وموقفه المحق، وأغنى بإرثه القيمي والحضاري وعنفوان الحياة، وأصلب في إرادته وتماسكه وتمسكه بهويته وروابطه ودينه، وهو الأقدر من موقعه على رسم النهاية لمصير أطماع وحضور الدول الكبرى.

وبكل واقعية لم يعد أمام أمريكا والغرب من خيارات جديدة أو رهانات مجدية أو ظروف متماسكة تجاه اليمن والمنطقة سوى خيارين لا ثالث لهما :

الأول: الالتزام بكامل استحقاقات السلام الحقيقي والعادل، ووقف العدوان، والتخلي الكامل عن نهج الهيمنة والاستكبار والتآمر تجاه اليمن وثورته، وتجاه شعوب المنطقة.

وهذا سوف يقود لنتيجة جيدة وفرصة ممكنة أمام المصالح المشروعة لأمريكا والغرب مع اليمن والمنطقة.

الثاني: المناورة لمواصلة نهج العداء والتآمر والإجرام والحصار تجاه اليمن، سواء بالطريقة الحالية أو عبر محاولات تموضع الاستراتيجيات، وترميم منظومة السيطرة والنفوذ، وإعادة تدوير الخيارات، وتبديل الأدوار بين دول حلف أمريكا المتناحرة فيما بينها على في مسار عدواني جديد تجاه اليمن أو سوريا أو كليهما.

وهذا الاتجاه بغض النظر عن الخطوة الأولى لحلف أمريكا في هذر المسار العدواني، فإنه بطريقة أو بأخرى سوف يفرض وضعاً في المنطقة يخرج عن السيطرة، والحصيلة كلفة إنسانية بحق شعوبنا مقابل نهاية لوجود أمريكا في المنطقة، و فقدانها وزنها في خريطة التوازنات الدولية، هذا إن لم تتورط أمريكا والناتو مباشرة، عندها لا أحد يمكن أن يستبعد ألّا يمتد الأمر إلى فوضى تعصف بولاياتها ووضعها الداخلي، وربما تتطور التفاعلات فتقود الغرب والجميع نحو انفجار عالمي ثالث يهدد الحضارة والحياة البشرية.

خاتمة:

نتمنى الخير والسلام لشعبنا وأمتنا، ونكره أي سوء يمسها، وأيضا نتمنى الخير والسلام كذلك للشعب الأمريكي والشعوب الغربية وشعوب العالم، ونكره أي سوء يمسها، ويسعدنا التحول الجديد بكسر احتكار العنصرية للحكم في أمريكا لصالح شراكة المكونات المقصاة فيها.

والحفاظ على هذا المكتسب يوجب تفعيل منظومة القيم الحكيمة والرشيدة بجدٍّ وشجاعة.

هذه قناعة منبثقة من قيم يمانية إيمانية ثابتة منبعها أنوار المحبة والسلام والحرية المهداة دائما للإنسانية السوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى