أحدث الأخباراليمنشؤون امريكيةمحور المقاومة

أمريكا دون حلفاء في اليمن… الآن ومستقبلا …

مجلة تحليلات العصر الدولية - طالب الحسني / مرصد طه الإخباري

خلال 6 عقود بالتمام والكمال كان للولايات المتحدة الأمريكية حلفاء أقوياء في اليمن ، فالضباط الذين أسقطوا الدولة الملكية في العام 1962 أي قبل 60 عاما انخرطوا في تحالفات اقليمية ودولية ، وهو أحد الأخطاء الجسيمة وان كان البعض يعتبر ذلك ايجابي ، هو خطا من زاوية أن القوى الكبرى ولا تزال لا تقيم تحالفات مع الدول الصغيرة والنامية بقدر ما تقوم بتوظيف تلك الدول لخدمة مصالحها مقابل منع سقوط سلطات وأنظمة تلك البلدان .

صحيح أن الضباط والسياسيين الذين وصلوا إلى الحكم في العاصمة صنعاء كانوا حلفاء لمصر جمال عبد الناصر وبالتالي محسوبين على المعسكر السوفيتي حينها ، ولكنهم في نفس الوقت كانوا ينسجون علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي الأخرى فتحت الأبواب أمام الكثير منهم وأيضا دفعت الصهيوسعودية لفعل ذلك ، وتوسع هذا المسار  عقب التسوية التي أنهت صراعا سعوديا مصريا ونزاعا أهليا قبل وفاة جمال عبد الناصر بسنوات محدودة ، وسرعان ما دخل التيار الناصري في اليمن في صدام مباشر مع التيار السعودي الأمريكي ، وتغلب هذا الأخير عندما اغتال الرئيس اليمني الشهيد ابراهيم الحمدي في اكتوبر 1977 وبالتالي دخل النظام اليمني رسميا مع صعود الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح ضمن الدائرة الأمريكية

التحالف اليمني مع أمريكا  منع قيام الدولة المستقلة القوية

كان بإمكان واشنطن ان تقيم علاقة قوية مباشرة مع صالح ، رئيس الشطر الشمالي من اليمن حينها ، ولكنها في الحقيقية لم تفعل ذلك بل دفعت بالوصاية السعودية وربما حصل ذلك لأسباب ، منها قرب السعودية من اليمن وأيضا تغلغل المخابرات السعودية في صلب الدولة اليمنية .

أما البوابة الأخطر فهو تمكين السعودية من نشر الوهابية لمواجهة تداعيات وتأثيرات الثورة الإيرانية ذات الصبغة الدينية الجاذبة وخصوصا أن المذهب الزيدي عدو لدود للوهابية ومعظم الشمال زيدي وان لم يكن زيدي وشافعي صوفي يرفض الوهابية وكل ما فيها جملة وتفصيلا .

لن أغرق في البحر العميق بتفصيلاته وتفرعاته واحداثه ، فهو يحتاج إلى بحث تفصيلي مستقل ، ولكن يكفي الإشارة إلى أن السعودية والوهابية كانت إحدى ركائز الخطط الامريكية لإبقاء اليمن تحت نفوذها بعيدا عن روسيا وايران حينها ولن يحصل ذلك إلا بفتح وتوسيع دور السعودية في اليمن ،طه وهذا واحد من السلبيات المدمرة لليمن فكريا و نهضويا إذ ان الوصاية السعودية كادت تحل محل الإستقلال والحرية وبالتالي بناء الدولة

الأمر الأخر ضمن السلبيات : منع قيام الجيش اليمني ، فحتى خلال الوحدة التي حصلت في العام 1990 كانت الولايات المتحدة الأمريكي حريصا في تعطيل الأسلحة التي حصلت عليها اليمن من الشطر الجنوبي ، وهي أسلحة سوفيتية من بينها صواريخ اسكود ومنظومات مدفعية وأسلحة متوسطة وخفيفة .

ثم جعلت التدريب العسكري مقتصر عليها ، ويقتصر على بعض البلدان الحليفة لها في المنطقة ، على سبيل المثال الأردن ، وحتى نكون دقيقين فإن الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح كانت في حالات معينة يتمكن من إرسال بعثات عسكرية للتدرب في روسيا ، ولكن كان ذلك قليل جدا مقارنة بالبعثات العسكرية إلى امريكا ـ أو التدريب الأمريكي في اليمن ، وفي كل الحالات كان محدودا لأنه لم يكن هناك رغبة أمريكية بطلب سعودي أن يكون لليمن جيش قوي ، أضف إلى ذلك أن الانفاق العسكري للنظام بقيادة صالح كان محدود ومحدود جدا .

على قاعدة رب ضارة نافعة ، القبائل من التهميش إلى الثورة

من الملاحظ انه ضمن الاستراتيجية السعودية والامريكية في اليمن ، تجميد الدور القبلي وتعويضهم مقابل ذلك ببعض الأموال التي تعطى من الخزينة السعودية ، وبدلا من ذلك تشجيع ” التجربة ” الديمقراطية ، وهي تجربة شكلية ، ومن يطلع على الممارسات الديمقراطية والتعددية السياسية ، سيكتشف أنها خدعة كبرى إذ أن حزب الاصلاح الإخواني ، كان حليفا استراتيجيا لحزب صالح ، المؤتمر الشعبي العام ضد الحزب الإشتراكي اليمني الذي خرج مهزوما عسكريا في حرب اشترك فيها الأصلاح وصالح في صيف 94 وبقي هذا التحالف اكثر من 10 سنوات ، على أن الحزب الاشتراكي  لم يكن قويا  بعد الحرب فمعظم قياداته في المنفى ومحكوم عليهم بالإعدام .

واعود إلى الخطأ الكبير في الاستراتيجية المبنية على إبعاد القبائل عن الحياة السياسية وتهميشها ، وهي التي كانت شريكة للدولة المتوكلية وحتى ما قبلها و شريكة أساسية في الدولة الزيدية طوال مئات السنين ، اذ أن اليمن حكمت بجناحين الهاشميين والقبائل ، الجزء الأكبر من القبائل اليمنية زيدية في الأصل .

هذا البعد على الرغم من أن البعض قد لا ينظر إليه باهتمام لكنه أساسي اليوم ، فالتحالف مع القبائل وإعادة تنشيط دورهم الذي أحياه انصار الله الحوثيين هو من أعطى اليمن هذه القوة والصلابة وهذا الصمود ، وبالتالي اليوم القبائل اليمنية التي أهملت لستة عقود جزء رئيسي من نظام العاصمة صنعاء والسلطة الفعلية لليمن ، بينما التحالفات السياسية التي رعتها واشنطن والرياض طول العقود الماضية سقطت أو تغيرت تحالفاتها منذ العام 2011

لقد كان توقيع المبادرة الخليجية بضغط امريكي واوروبي وسعودي  وتقاسم السلطة مع صالح ، من زاوية عميقة هو إنهاء عملي ورسمي وإسقاط دور الحليف الرئيسي والقوي للولايات المتحدة الأمريكية ، أقصد هنا علي عبد الله صالح .

صحيح ان سقوطه كان حتمي  منذ الحروب التي شنها على صعدة وأظهرته تلك الحروب التي خسرها عاجز ويذهب إلى السقوط ولكن كان سيبقي في صفوفه حليف مستقبلي للولايات المتحدة الأمريكية وللسعودية ، لهذا شعر صالح وهو يوقع المبادرة الخليجية أن حلفاؤه تخلوا عنه ، مع ذلك كانت هذه البداية لانتهاء الهيمنة الأمريكية ، لأن الضربة القاصمة أتت من الثورة  التي قادها أنصار الله والقبائل وجزء من القوى السياسية  والمدنية في العام 2014 ، وهي ثورة خليط بين الثورة السلمية على طريقة الربيع العربي وثورة مسلحة على الطريقة اليمنية ، الهدف الرئيس من الثورة كان إسقاط الهيمنة الأمريكي والوصاية السعودية ، فالذين ثاروا لم يكونوا يهتمون إن كان مجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي سيقف معهم ام ضدهم ، فهم بالاساس ثاروا ضد هذه العناوين ، وهذا أحد الفروق الجوهرية بين ثورة الحوثيين والربيع العربي ..

ثورة أنصار الله ترفض التدخل الخارجي  وتهتف بطردها ، بينما الربيع العربي كانت يستدعي كل أشكال التدخلات الخارجية بما في ذلك التسليح مثلما حصل في مصر وليبيا ، لقد استعان ثوار الربيع العربي بالناتو لأسقاط القذافي واستعان ثوار الربيع العربي في سوريا بكل العالم لإسقاط الأسد .

الحرب الصهيوسعودية الأمريكية

أحد الأهداف الأساسية في الحرب العدوانية الأخيرة على اليمن ـ إعادته للمربع السعودي والدائرة الأمريكية ، وهذا ما يقوله كل الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا خلال  السبع السنوات الماضية ، من أوباما مرورا بترامب ووصولا إلى الرئيس الحالي جوزيف بايدن ، بالمقاربة الأمريكية منع اليمن من التموضع ضمن التحالف مع إيران ، وبالتالي الخروج عن بيت الطاعة الامريكي ، وهذه المقاربة هي التي جعلت الولايات المتحدة الامريكية تفتح مخازن الأسلحة وتمول هذه الحرب التي قتلت عشرات الآلاف من المدنيين حتى الآن ، وهي أيضا التي جعلتها شريك مهم في الحصار ، وهذا الهدف معلن امريكيا ، وينسحب أيضا الأمر على السعودية التي تكرر الحديث عن أنها ستمنع قيام حزب الله آخر على حدودها ، وبالتالي فإن التذرع بإعادة الشرعية المزعومة ليست سوى تفصيل ثانوي ، وما أقوله هنا هو بديهي ومن المسلمات عند جميع المتابعين .

ولكن إذا كانت هذه الحرب أخفقت وهو ما بات شبه مؤكد الآن ، فإن ذلك يعني بالضرورة أنه لن يكون للولايات المتحدة الأمريكية وللسعودية إي حلفاء للمستقبل ، وذا أردنا الدقة أكثر فإن جزء من فشل الحرب أن التحالف الصهيوسعودي الأمريكي لا يمتلك حليف قوي حاليا ، ذا أن تركيب حليف بديل لصالح كانت عملية فاشلة وفي ظروف غير مساعدة وواقع طارد لقيام تحالفات وثيقة وقوية ، وهو ما شهدته البلدان العربية خلال الـ10 السنوات الماضية ، وبالتالي ومع نتائج الحرب فإن أمريكا دون حلفاء في اليمن الآن ومستقبلا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى