أحدث الأخبارشؤون آسيويةشؤون امريكية

أمريكا والصين.. صراع على القمة من يسقط أولًا؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - سند الصيادي / مجلة يمن ثبات

لم يعد خفيًّا اشتداد وتيرة الخلافات الصينية الأمريكية وتعدد أوجهها، وهو ما يمكن لنا أن نسميه بالمفهوم اللفظي الشامل صراعا وجوديا محتدما تتوسع جبهاته لتشمل مختلف مفاعيل القوة ومفاصلها لدى الطرفين، وبالمفهوم الديني والغرائزي تدافعا نحو القمة لن تتوقف وتيرة منافساته وجولاته قبل اعتلاء أحدهما وسقوط الآخر، فما هي الدوافع التي تجعله صراعا قطبيا قد يغير وجه المستقبل السياسي للعالم أو قد يجمد هذا التغيير المتوقع لحقبة زمنية قادمة؟، ومن سيفلح في ذلك؟، ولمصلحة من تتجه الرياح القادمة من كل تفاصيل المشهد العالمي؟، وما هي الفرص والتحديات التي تحكم توقعاتنا كمراقبين في تبيان ملامح النتيجة النهائية؟.

من يتعمق في قراءة ما يحدث في جبهات الصراع الصيني الامريكي التي باتت تتصاعد مجرياتها عمليا في الخارطة الدولية، و تتعالى أنباؤها لتشغل مساحات البث الإعلامي، وتتصدر عناوين التقارير الإخبارية والتحليلات الاستراتيجية ، قد يتجه إلى أن يحكمها بالمخاوف ويستبق بتوقعاته على عواقبها غير المحمودة على العالم، تبعا لما لدى القوتين من أدوات ضخمة في هذه المعركة، غير أنها قد تمثل انفراجة لكثير من الملفات والقضايا الشعبوية في العالم ذات البعد والتأثير الدولي.

خروج من القوقعة

معروف أن السياسة الخارجية الصينية خلال العقود الماضية كانت يشوبها الجمود والحياد وعدم الفاعلية في الكثير من الأزمات على الرغم من أن هذه الدولة تمتلك مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي و تمتلك حق الفيتو ، لكن لطالما حرص التنين الصيني على تصاعد قوته الاقتصادية خلال تلك العقود بمنأى عن التجاذبات المباشرة مع قوى الهيمنة العالمية ومشاريعها العابثة في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وهذا كان سلوكا استراتيجيا صينيا شديد الذكاء والدهاء أوصل هذه الحضارة الإنسانية الضخمة إلى مصاف المواجهة مع هذه القوى بعد عقود، وبعد أن تغلبت على الكثير من عوامل الضعف التي كانت ستواجهها في حال أعلنت عن نفسها مبكرا.

استنفار أمريكي لكبح المارد

ومن يتابع المشهد لا يجد أن بكين هي من بدأت في إشعال وقيد المواجهة مع واشنطن بقدر ما بدأت بتحقيق طموحاتها وتطلعاتها المشروعة، ومواجهة كل التدخلات الخارجية بشؤونها الداخلية، ورسم علاقاتها الاقتصادية الخارجية، بل إن الأخيرة هي التي لم تستوعب المتغيرات الحادثة في موازين القوى، واعتبرت السياسة الدفاعية الصينية انتقاصا من حجم هيمنتها وتقويضا لأذرعها قد ينذر بانتهاء الهيمنة والسمعة، ويدشن العد التنازلي لنهاية القطب الواحد الذي يحكم العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وكما هي عادة السياسات الأمريكية المتعاقبة والجريئة في تدخلاتها يمكن القول إن الإدارة الأمريكية الحالية هي من دشنت بدء الحرب العلنية مع الصين، ودفعت قيادة ومسؤولي هذا البلد إلى الخروج من حالة الانزواء السياسي والإعلامي الدولي إلى الرد على واشنطن وسياساتها عبر وسائل الإعلام بشكل غير مسبوق، وخصوصا بعد موجة تبادل الاتهامات التي أشعلتها جائحة كورونا، غير أن ملفات أخرى أكبر كانت هي ميدان المواجهة الفعلي بين بكين وواشنطن.

ملفات اللعب على المكشوف

هونغ كونغ أحد هذه الميادين التي تغيرت فيها المعادلة لمصلحة بكين، حيث كانت سطوة المشروع الغربي في المراحل السابقة حاضرة بقوة في هذا الإقليم، مما دفع الصين للقبول بأن تتمتع «هونغ كونغ «بدرجة عالية من الحكم الذاتي» بعد أن استعادت المدينة من بريطانيا عام 1997م، وهو ما هيأ لهونغ كونغ علاقات واستثمارات اقتصادية ضخمة بسبب وضعها الأقرب إلى سيطرة الرأسمالية العالمية ودعم واشنطن الكبير لها، كل ذلك ساعد هونج كونج على الازدهار كمركز مالي عالمي، غير أن القانون الصارم للأمن القومي على المدينة الذي فرضته الحكومة الصينية أزعج الإدارة الأمريكية ودفع بترامب إلى إعلان إلغاء الوضع الخاص.

يصنف المراقبون هذا الملف بالخطير إلى جانب ملف تايوان، وبيع واشنطن السلاح لها لمواجهة المشروع الصيني الرافض لانفصالها واستقلالها، هذه النماذج من الملفات الهامة والعديدة تأتي في سياق الصراع الذي يشتعل بالتزامن مع حرب التقنيات، وتنامي التقنية الصينية على حساب الأمريكية، كما حدث لشركة «هواوي» التي حوربت علانية من قبل أمريكا، وكسبت الشركة الجولة؛ مما زاد في استنفار الولايات المتحدة ودفعها إلى توزيع الاتهامات للصين كتهمة التجسس وسرقة الأبحاث، وهو ما نفته بكين، كما اندفعت واشنطن إلى التلويح بتحركات عسكرية ضدها، وسعت بكل قوة إلى توظيف كل الملفات للضغط عليها، ومن ضمنها اللعب على وتر التحريض الإسلامي من خلال قضية مسلمي الأيغور في إقليم شينجيانغ، وتوجيه الوهابية السعودية إلى ذلك على شاكلة ما حدث من تشنيع على الشيوعية، وتجنيد لمحاربتها في زمن الحرب الباردة.

فوبيا التفوق الاقتصادي

ويبقى التصاعد الاقتصادي للصين هو العنوان العريض للمخاوف الأمريكية، والتي تسعى بشكل حثيث إلى كبح جماحه بتوزيع الاتهامات المتكررة للصين بممارسات تجارية غير عادلة بما في ذلك دعم الشركات المحلية، والاستيلاء على الملكية الفكرية، في الوقت الذي تؤكد الصين أنها تتبع قواعد التجارة العالمية، وتنفي كل الاتهامات الأمريكية جملة وتفصيلا، بل إن البرود الحادث في الرد الصيني على تلك الاتهامات الأمريكية المتكررة يجعل المراقب يستقرئ ملامح المستقبل المتوقع لهذا الصراع ومن سيفوز فيه، إن لم يكن بالضربة القاضية، فبفوارق النقاط التي لن تكون في صالح واشنطن.

أبعاد دولية تحكم المستقبل

وإذا ما ابتعدنا قليلا؛ لنتعمق في أبعاد الصراع الحادث بين الصين والولايات المتحدة دوليا ،خصوصا فيما يتعلق بالشرق الأوسط وأفريقيا، سنكتشف الأسباب التي دفعت الإدارة الأمريكية إلى هذا النزق والسلوكيات المتخبطة قولا وفعلا، فاتجاه الصين نحو فتح أسواق جديدة وتوسيع العلاقات الاقتصادية نحو العالم العربي كما تفعل نحو العالم كله، عبر مبادرة «الحزام والطريق» التي تعيد الاعتبار لطريق الحرير التاريخي المزعج جدا للولايات المتحدة، ولطالما برز طريقا الحرير البري والبحري اللذان ربطا الصين الجنوبية مع العالم العربي والحضارة الإسلامية برباط وثيق.

تعمل الصين في هذا البعد بشكل كبيرمن خلال اتفاقات تنموية كثيرة يجري تنفيذها على قدم وساق، بالتزامن مع تشكل وتوسع العلاقات العربية – الصينية سواء على المستوى الاقتصادي أو الثقافي أو الدبلوماسي، وعلى الرغم من أن القرار العربي لا يزال مرتهنا للغرب، إلا أن دولا عربية كثيرة أبرمت مع الصين اتفاقات تجارية وتنموية وإعمارية كثيرة، بعضها لا يزال قيد التنفيذ.

الضربة القاضية بيد العرب!

قد يستغرب البعض من ذلك، لكن بتأمل لما يمثله الموقف العربي من أثر على القرار الدولي بمعطيات الجغرافيا الواسعة والثروات الهائلة و الموقع الاستراتيجي الهام الذي تتبوؤه المنطقة العربية في معادلة الصراع الدولي، سيكتشف مدى تأثير هذا القرار على الصراع الصيني الأمريكي الحادث، وبناء على هذه الحقيقة يمكن أن نستقرئ المستقبل في ظل الأوضاع العربية الراهنة.

استنفذت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سمعتها، من خلال التبني العلني للمشروع الإسرائيلي في المنطقة على حساب الشعوب الأصلية وحقها التاريخي، وهو ما باتت فيه المصالح الأمريكية على رمال متحركة وصفيح ملتهب، وبقاؤها بات محكوما بمبدأ القوة فعليا لا المصالح المشتركة، وعبر وكلاء محليين يعانون من ثورات وسخط شعبي داخلي، غير أن تنامي المحور المناوئ لواشنطن في المنطقة وتحديدا في إيران وسوريا والعراق واليمن ولبنان قد يقزم جغرافيا ومصالح الوجود الأمريكي لمصلحة الصين تحديدا كلاعب بديل ومناسب في الوقت ذاته، فالسياسة غير العدائية الصينية القائمة على «مبدأ التفاعل في العلاقات الدولية» لا تزعج محور المقاومة العربية والإسلامية، بل باتت حاجة ملحة لشعوب المنطقة التي عانت صنوف القهر والإذلال والنهب لمقدراتها والتمزيق لنسيجها الداخلي الذي اضطلع به المعسكر الغربي، وخصوصا الولايات المتحدة، ومع يقيننا بتوسع جغرافيا المحور المقاوم الرافض للمشروع الغربي؛ بما توحي به المعطيات الراهنة، يمكننا القول: إن اتجاه الصين شرقا وتوسع علاقاتها الاقتصادية في المنطقة ثم إلى شرق أفريقيا، وعودة طريق الحرير بات قرارا تحكمه المتغيرات العربية الداخلية، وتفرضه الصحوة المتنامية التي يمر بها الوعي الجمعي لشعوب المنطقة .

وعودة إلى ذي بدء يمكننا التنبؤ – كرأي شخصي – بكسب الصين معركتها في مواجهة الولايات المتحدة على المدى البعيد، يقينا بأن سنن الله في الأرض تقتضي التغيير والتداول كمفهوم عززته الشواهد والحقائق التاريخية، وإن ما يحدث من تبجح وفرعونية في السياسة الأمريكية في تعاملها مع العالم من حولها ينذر بالمتغيرات، وإننا على أعتاب المخاض لحقبة جديدة تتوارد شواهدها بتصاعد لا يمكن التغافل عنها أو إهمالها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى