أحدث الأخبارشؤون امريكية

أميركا على «صفيح ساخن».. فهل يشتعل فتيل الحرب الأهليّة؟

جميلة قلاوون -اللواء

اعتاد العالم على تصريحات الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب المثيرة للجدل في موضوعات شتّى، إلّا أنّ ردّه الأخير الذي أثار موجة من التساؤلات، بعد أن رفض التعهّد بانتقال سلميّ للسلطة، كان له الوقع الأكبر من الصدمة والحذر، بل والخوف في أميركا، والذي حاول البيت الأبيض تلافيه عبر التأكيد أنّ ترامب سيقبل نتائج الانتخابات الرئاسيّة التي ستجرى في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وذلك في ظلّ التشنّج الأمنيّ الذي تعيشه البلاد في الأصل، وسط احتجاجات عنيفة متنقلة بين ولاياتها، وضعت على طاولة الأحداث العالميّة توجسًا جديدًا يتمثّل بالآتي: هل تندلع الحرب الأهليّة في الولايات المتّحدة؟

فقد أظهرت نتائج استطلاع رأي أجرته جامعة جورج تاون في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أنّ 67% من الأميركيّين لا يستبعدون حربًا أهليّة، بل إنّ الرئيس دونالد ترامب نفسه، نبّه في إحدى تغريداته، في 30 أيلول/ سبتمبر 2019، من أنّ فوز الديمقراطيين قد يفتح الباب أمام حرب أهليّة.

فإن كان هذا حال ما قبل “كورونا” والاضطرابات الحاليّة، كيف هي الحال اليوم؟

على وقع الاشتباكات، تعيش الولايات الأميركيّة توترًا متزايدًا، منذ مقتل الرجل ذو الأصول الأفريقيّة جورج فلويد على يد الشرطة، وما تبعه من حوادث مماثلة أثارت غضب ذوي البشرة السوداء، وأشعلت نار العنف والشغب الذي أدّى بدوره إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين والشرطة على حدّ سواء.

مظاهرات في لندن وبرلين احتجاجا على مقتل الأمريكي جورج فلويد | أخبار DW عربية | أخبار عاجلة ووجهات نظر من جميع أنحاء العالم | DW | 31.05.2020

هذا المشهد الميدانيّ، إضافة إلى الاحتقان المتزايد في الجسد السياسيّ والاقتصاديّ الأميركيّ، فاقمت من وقعه أزمة “كورونا” الصحيّة، تزامنًا مع اقتراب ساعة الصفر الانتخابيّة للاختيار بين التجديد للرئيس الجمهوريّ دونالد ترامب، أو إعطاء فرصة لمنافسه الديموقراطيّ جو بايدن.

فقد أرخى “كورونا” بتداعياته على الاقتصاد الأميركيّ، حيث ارتفعت نسبة البطالة بحوالي 40 مليون عامل، مع تزايد حالات الإفلاس بين الشركات وقطاعات الإنتاج حتى وصلت إلى 25 ألف منشأة اقتصاديّة، بحلول حزيران/ يونيو.

ما هي العوامل التي قد تعزّز اندلاع حرب أهليّة؟

إضافة إلى الواقع الاقتصاديّ الصعب الذي تعيشه البلاد بعد “كورونا”، تحتلّ الولايات المتّحدة المرتبة الأعلى بين الدول الصناعيّة في حجم الهوّة الطبقيّة أو في سوء توزيع الثروة، وفقًا للبنك الدوليّ.

كما نجد أنّ أميركا حاليًا تسجّل المعدّل الأعلى بين الدول الصناعيّة في الجريمة (47 نقطة) وفي مستويات السلامة الفرديّة (52 نقطة)، وهو ما يجعلها ضمن نفس معدلات الجريمة في دول العالم الثالث.

أضف إلى ذلك، أنّها تحتلّ المرتبة الأولى بين الدول الصناعيّة في معدل العنف العنصريّ، حيث تشير إحصاءات الـ FBI الأميركيّة إلى أنّه منذ 2015 إلى بداية 2020، ارتفع العنف العنصريّ، بخاصة ضدّ السود، بمعدل 300%.

فيما يشكّل ذلك امتدادًا لإرث تاريخيّ للبلاد منذ الحرب الأهلية (1861_1865 والتي قتل فيها حوالي 620 ألف شخص)، وتكرّر العنف في مناسبات عدّة أشهرها في الأعوام 1967 (قتل فيها حوالي 100) وفي 1968 بعد مقتل مارتن لوثر كنج، وفي 1992 وفي 2014، وصولًا إلى أحداث العنف التي تعيشها اليوم بسبب التمييز العنصريّ.

هذه أبرز المواقف الدولية من احتجاجات أميركا

بالتالي، يبرز هنا السؤال الآتي: إذا كانت هذه العوامل مجتمعة قد تؤدي إلى إشعال فتيل الحرب الأهليّة، فمن هي إذًا أطراف هذه الحرب المحتملة؟

يبدو أنّ انقسام المجتمع الأميركيّ معقّد إلى حدّ ما، ففي مواجهة ما يُعرف بـ”المؤسسات الخشنة الرسميّة” (الجيش والأجهزة الأمنيّة)، هناك 165 مليشيا مسلّحة تنتشر في أغلب الولايات، معظمها مليشيات يمينيّة متطرفة.

إضافة إلى 3 مليون محارب متقاعد، ونسبة مهمّة منهم، من المتعاونين مع المليشيات المسلحة، بل ويشرفون على تدريبها وإجراء مناورات على العنف الحضري.

كذلك تشير إحصاءات الـ FBI الأميركيّة إلى أنّ 41% من العائلات الأميركيّة تمتلك أسلحة، ويصل إجمالي السلاح الذي بين أيدي الشعب إلى حوالي 300 مليون قطعة سلاح.

أمّا الانقسام الجيوسياسي فيُبرز أنّ الوضع الحاليّ يشير إلى انقسام من ناحيتين، شرقي ضدّ غربي من ناحية، وريف يمينيّ (أغلبهم من أنصار ترامب) ضدّ مدن (حيث تتواجد التنظيمات ذات الميول اليساريّة بالتصنيف الأميركيّ) من ناحية ثانية.

فيما يتمركز الاحتقان في بعض المدن أو الولايات أكثر من غيرها، ويمكن أن تشكّل نقطة التفجّر مثل فلوريدا، بنسلفانيا، ميشيغان، ويسوكنسن، حيث تشهد هذه المناطق انقسامًا سياسيًا أكثر عمقًا من غيرها.

والملاحظ أنّه بين 1964 الى 2016، تمّ انتخاب 4 رؤساء ديمقراطيّين كلّهم من الجنوب، بينما بايدن، المرشّح المنافس لترامب حاليًا، من الشمال.

مع الإشارة هنا، إلى أنّ عدد المدن التي فُرض فيها منع للتجول، وصل إلى حوالي 40 مدينة منتشرة في 13 ولاية (أي حوالي 25% من ولايات الدولة)، إلى جانب تهديدات ترامب المتكرّرة باستخدام “القوة” لقمع المتظاهرين.

مسؤولون: ترمب اختبأ بقبو مُحصَّن بعد تجمع المتظاهرين خارج البيت الأبيض | الشرق الأوسط

في ظلّ هذه المشهديّة المقلقة إلى حدّ كبير، يتخوّف البعض من فوز ترامب، فيما يسود رعب من سيناريو هزيمته!

ففي ضوء كلّ ما سبق، يشكّك بعض المراقبين في احتمالات فوز ترامب بالانتخابات الرئاسيّة، فهناك أزمات اقتصاديّة وبطالة وفشل في إدارة أزمة “كورونا” أودى بحياة الآلاف، على أنّ الأخطر من كلّ ذلك هو مجتمع يشهد انقسامًا كبيرًا، ويبدو وكأنّه على شفا حرب أهليّة.

على الجانب الآخر، لا تبدو خسارة ترامب أيضًا بالأمر المبشّر بالخير، فهناك أصوات متصاعدة في الداخل الأميركيّ تحذّر من رفض ترامب الاعتراف بهزيمته في الانتخابات، والإدعاء بأنّه تمّ تزويرها، حيث استبق الأحداث مرات عدّة، رافضًا اعتماد أسلوب التصويت عبر البريد.

فبحسب مقال للكاتب برايان كلاس، في صحيفة “واشنطن بوست”، من الصعب تصوّر قبول ترامب للهزيمة وتهنئته للفائز بمنصب الرئيس، وفي الغالب فإنّه سيعتمد استراتيجيّة التشكيك في شرعيّة الخصوم السياسيّين، ما قد يهدّد الانتقال السلميّ للسلطة، وهو السيناريو الذي عزّزه تصريح ترامب الأخير حول إمكانيّة هزيمته، واكتفائه بالقول “يجب أن نرى ما سيحصل”.

هذه المخاوف التي أثارها ترامب في حال رفضه للهزيمة، يرى مراقبون أنّها قد تدفع جماعات اليمين المتطرف المساند له، والذي يتشكّل جانب منه في صورة ميليشيات مسلّحة منتشرة في الولايات، للنزول إلى الشوارع، بما قد يتطور إلى اشتباكات مسلّحة مع المعارضين، وهنا يشتعل فتيل التوتّر الأميركيّ المتأرجح أساسًا على حافّة الهاوية، لينذر باندلاع حرب أهليّة جديدة، يصعب تخيّل تبعاتها المدمّرة، ما لم يتمّ اتخاذ إجراءات مستعجلة للتهدئة. فهل تستدرك الولايات المتّحدة “زلّة التقاتل الداخليّ”، أم تنضمّ إلى قائمة البلدان المشتعلة على نار الكراهية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى