أحدث الأخبارايرانمحور المقاومة

إيران واستراتيجيــة مابعــد حظــر التسليح

مجلة تحليلات العصر الدولية - فيصل عبد الستار /مجلة يمن ثبات

لا شك أن الموضوع المطروح للنقاش موضوع شائك وكبير ومهم جدًّا، ومن الضروري أن يكون القارئ العربي والقارئ في كل مكان على دراية بما يحصل في إيران من بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979م، ومع توقف حرب (الثمان سنوات) التي شُنَّت على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث كان الشعب الإيراني والمسؤولون في إيران عاكفين على الكثير من القضايا المهمة ولاسّيما الجانب العلمي، وهذا الأمر يُشهد لهم به، ولهم باع طويل على المستوى الحضاري.

السؤال المطروح: أين وصلت إمكانيات إيران على المستويات العلمية والتفوق العلمي والتكنولوجي على الرغم من كل هذا الحصار وعلى الرغم من العقوبات التي فرضت على إيران منذ سنوات طويلة؟.

طبعاً ربما لا يعرف القارئ أن المواجهة المفتوحة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً ليست وليدة اللحظة، وليست وليدة الشهور القليلة الماضية، وليست وليدة المخاض الطويل الذي بدأ مع بدايات المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني، بل تعود إلى ما قبل ذلك بكثير، إن هذه العقوبات التي استهلكت إيران، ومضى عليها أربعون عاماً بالكمال والتمام، كانت تشتد وتيرتها إلى أن وصلت إلى ذروتها مع الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية «دونالد ترامب» الذي ذهب بعيداً في ممارسة سياسة الإرهاب الاقتصادي والإرهاب المالي والإرهاب الاجتماعي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ووضع مؤسسات وكيانات ومصارف وشخصيات على قائمة العقوبات، بل شمل ذلك أيضاً الشركات التي تتعامل مع إيران حتى من دول الاتحاد الأوروبي الشريكة في توقيع الاتفاق النووي مع المجموعة الدولية الـ (5 + 1) وإيران.

على كل حال ربما هذا الأمر قد أسهم بشكل أو بآخر في الاعتماد على الذات من قبل الإيرانيين، وتقول الدراسات والمتابع للوضع الإيراني: إن هناك طفرة نوعية على مستوى التقنيات العلمية والتقنيات في مختلف المجالات ولاسيما في مجال الاتصالات وفي مجال التسليح بشكل أساس، وتصنيع الأسلحة والصواريخ الباليستية والقطع الحربية على اختلافها من طائرات مسيرة إلى القطع الحربية البحرية التي ربما ستضاهي كبريات الدول في العالم. هذا الأمر قدمت إيران فيه الكثير من النماذج في هذا الإطار، وطبعاً المتابع يستطيع أن يحصل على مثل هذه المعلومات بمجرد الدخول إلى بعض المواقع التي تتحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع.

لكن ما أريد أن أشير إليه وأن يكون مدار البحث في هذه العجالة: أن الاقتصاد وأن التكنولوجيا والتفوق العلمي ربما كان أحد منافع الحصار والعقوبات على إيران.

إن إيران تقدمت بشكل هائل، طبعاً هذا لا يعني أن إيران لم تكن تعمل على مثل هذا الأمر، لكن قلت: إن هذه العقوبات وهذا الحصار أسهم في خلق الحوافز لدى الشعب الإيراني ولدى المسؤولين الإيرانيين والقيادة الإيرانية التي شجعت بشكل كبير مثل هذا الأمر.

لا ننسى أيضاً أن الأمية التي كانت تنتشر في إيران بأرقام هائلة جداً قد استطاعت الثورة في برنامج محدد في هذا الإطار أن تقضي على نسبة الأمية المرتفعة جدًّا لتلامس الأمية العلمية في إيران حدودًا دنيا قياساً بكل دول العالم، لا أدري ما هي النسبة الحالية؟ لكن أعتقد أنه ما فوق الـ (90%) من نسبة الأميين قد استطاعت إيران أن تقضي على هذه النسبة من الـ(90%)؛ لتصبح أدنى من (5%) بحسب آخر الإحصائيات أو (3%) لا أعرف.

على كل حال مع كل هذه الأرقام طبعاً لا ننسى تقنيات النانو التي تقدمت فيها إيران بشكل هائل، وتعدّ إيران على مستوى إنتاج البرامج المعلوماتية في العالم ربما خامس أو سادس دولة في العالم بحسب بعض الإحصائيات.

إذن هذا الأمر قُلت: إنه قدَّم لإيران الكثير من الحوافز، وشجع الإيرانيين على الذهاب إلى مثل هذا النوع من الاعتماد على الذات، وهذا ما يسمى في إيران ربما الاقتصاد المقاوم، العلم المقاوم، التفوق المقاوم، طبعاً في إيران هناك شعار لكل شيء، هناك قواعد، وكل هذا يأتي في سياق المواجهة والحرب المفتوحة ما بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

يكفي أن نشير إلى أن القرارات الدولية التي استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرضها على إيران بموجب الخشية من برنامج الاتفاق النووي والذي تمظهر في قرار دولي بمنع إيران من الاستيراد والتصدير للأسلحة، استطاعت إيران أن تتجاوز هذا الموضوع الآن، وهي في حلٍّ من أمرها، على الرغم من كل المحاولات الأمريكية في استعمال آلية الزناد في مجلس الأمن الدولي، والتي خسرت التصويت أكثر من مرتين على استرجاع مثل هذه الآلية؛ ليبقى القرار قائماً على إيران.

إذن اليوم الإدارة الأمريكية الأكثر إجراماً بحق إيران والأكثر إرهاباً بحق إيران، إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» هي الآن في طريقها إلى الخروج من البيت الأبيض، ولم تستطع هذه الإدارة أن ترغم الإيرانيين أو تكسر إرادة الإيرانيين في كل السنوات التي مضت، ومع السنتين القاسيتين منذ 2018 إلى 2020م أن تحرز أي شيء فيما يخص الشروط الموضوعة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للبحث من جديد في هذا الاتفاق وضم برنامج الصواريخ الباليستية إليه، وأيضاً ما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية «البحث في النفوذ الإيراني في المنطقة».

إذن اليوم الإيرانيون هم في موقع متقدم على المستوى العلمي، على المستوى التسليحي، على مستوى تصنيع الأسلحة، على مستوى التصنيع، على مستوى المعلوماتية، على مستوى ثورة الاتصالات، والحرب السيبرانية التي أيضاً أبدعت فيها إيران بشكل كبير.

طبعاً لا أريد أن أخفي على أحد أن إيران تعاني ما تعانيه على المستوى المالي والاقتصادي، هذه العقوبات طبعاً كانت قاسية وظالمة جدًّا، وتحمل فيها الشعب الإيراني ما لم يتحمله أي أحد في هذا العالم، طبعاً ربما الشعب اليمني المستثنى في هذا الإطار، لكن نتحدث هنا عن دولة لديها المقدرات ولديها الثروات الهائلة كإيران أن يصبح الوضع فيها على هذا المستوى، هذا ليس بالأمر البسيط أبداً، وقدرة التحمل لدى هذا الشعب ولدى هذه القيادة، والإرادة التي يتمتع بها هي مسألة يجب أن نقف عندها تماماً.

ما الذي يمكن أن تخلص إليه الأمور بعد الابتكارات الجديدة التي قام بها الإيرانيون في مجال الأقمار الاصطناعية؟ ربما سيكون هذا من أهم الإنجازات التي ستضع إيران في مصاف الدول الكبرى في العالم، طبعاً لا شك أنها الدولة الأهم على المستوى الإقليمي، وهي دولة عظمى على المستوى الإقليمي، وهي دولة كبيرة في نادي الدول الكبار في العالم على كل المستويات، خصوصاً أنها بدأت تمتلك كل التقنيات اللازمة في الموضوع النووي، في موضوع الأسلحة، كل هذا جعل من إيران قوة لا يستهان بها على الإطلاق، وهذا ما يقلق العدو الإسرائيلي الذي يحاول دائماً أن ينتقم من إيران لكن عبر فتح الخطوط مع الأمريكيين، بمعنى أن الإسرائيلي كان يريد أن تتواجه أمريكا مع إيران في صدام عسكري مباشر أو غير مباشر في الوقت الذي كانت إسرائيل تتجنب هذا الأمر على امتداد السنوات الماضية.

هل تنتقل حالة المواجهة الآن إلى شكل آخر من أشكال المواجهة؟

هل سيدخل العامل الإسرائيلي على خط المواجهة مع إيران؟

في تقديري أن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات ولاسيما أن هذه الحرب قد اتخذت أشكالاً متعددة، وبعد اغتيال الفريق سليماني على الأرض العراقية، وبعد ذلك اغتيال محسن فخري زادة في الأراضي الإيرانية ربما دخلنا في حربين معاً، في الحرب العسكرية والحرب الأمنية، إيران ردت بالمعنى العسكري داخل العراق بما أن اغتيال سليماني كان في الأرض العراقية، وتقول المعلومات: إن الأمريكيين لا زالوا في حالة تأهب قصوى في قواعدهم داخل العراق، ويخشون أن يكون هناك ردٌّ من قبل الإيرانيين يكون أكبر بكثير من القصف الذي حل بقاعدة الأسد ولاسيما أن الأمور لا تزال في إطار التوتر الشديد القائم ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، أما فيما يخص اغتيال محسن فخري زادة، فإن الأمر يمكن أن يسلك السلوك الأمني؛ حيث إن إيران سوف تحدد لنفسها المكان والزمان المناسبين والهدف المناسب باعتبار أن هذا الاغتيال هو اغتيال أمني وليست مواجهة عسكرية، وممكن أن يكون الإسرائيلي يدرك تماماً أن إيران وضعت هدفاً أو أهدافاً إسرائيلية لتكون في مرمى النار الإيرانية.

على كل حال هذا ما أردت أن أتحدث عنه بعجالة أمام التطور الكبير الذي حققته إيران، وهذا ما يقوي بنيان الدولة العميقة، طبعاً نحن نتحدث عن دولة إمبراطورية في التاريخ، لديها تجربة رائدة في بناء القرار السياسي، وبناء القرار القيادي، وبناء القرار المؤسساتي مع الثورة الإسلامية التي قدمت نموذجاً متقدماً في إطار الحفاظ على دولة المؤسسات، والحفاظ أيضاً على ما نسميه اليوم بتداول السلطة والديمقراطية التي تستند إلى منطق الشورى الإسلامي، وبالتالي إيران قدمت نموذجاً مزيجاً ما بين الإرادة الإلهية أو الإرادة الشرعية والإرادة الشعبية، هذا ما يعطي إيران هذه القوة وهذه المتانة وهذا البنيان الصلب فيما نسميه الآن بناء الدولة الحديثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى