أحدث الأخبارالبحرين

اتفاق آل خليفة ـ كيان العدو: سياق سعودي ـ استراتيجي

جهاد حيدر
تكرّ سبحة الهرولة نحو ما يسمى التطبيع مع كيان العدو الغاصب لفلسطين، وآخر حباتها ـ حتى الساعة ـ كانت إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن “تطبيع” البحرين مع الكيان الصهيوني، وهنا ينبغي التمييز بين مسألتين، الاولى، بالرغم من أن اتفاق “السلام” من الناحية الرسمية، هو بين البحرين وبين كيان العدو الصهيوني. إلا أن الواقع هو أن الاتفاق مع نظام آل خليفة ومن والاهم. فالشعب البحريني أسمى وأرفع وأشرف من أن يسكت على وصمة العار هذه التي لا تخص إلا من ارتكبها، فضلا عن أن يقبل بها. ويمكن القول أنه يكمن في هذا الاتفاق فرصة لفرز الموقف من هذا النظام، ايضا على أساس الموقف من قضية فلسطين، فضلا عن عدالة قضية الشعب البحريني التي تشكل حجة دامغة قائمة بذاتها.
لا ينطوي هذا الحدث على أي خصوصية استراتيجية، في البعد البحريني ـ الإسرائيلي. فما هو قائم بينهما سراً، كما مع العديد من الأنظمة العربية، أهم وأعمق من الاتفاق المعلن. فلا البحرين دولة مواجهة، ولا كان لها دور حاسم في حروب خاضها “العرب” ضد “إسرائيل” ـ ولا يتعارض ذلك مع مشاركة متطوعين بحرينيين شرفاء في محطات تاريخية سابقة ـ  ولا تملك جيشاً يؤدي تحييده إلى تغيير في معادلة القوة في الصراع العربي الإسرائيلي. وليس لنظام المنامة، نفوذ اقليمي يستطيع توظيفه في هذا الاتجاه.

في البعد الإسرائيلي، ينبغي التمييز بين مسألتين، الاولى نتائج الاتفاق بالنسبة لشخص بنيامين نتنياهو. والثانية بالنسبة لـ”إسرائيل”، ككيان دولتي. المستفيد الاول والمباشر والفوري من هذا المستجد على مسار التسوية، هو نتنياهو في ضوء ما يواجهه من تحديات داخلية غير مسبوقة. فهو يحتاج في هذه المرحلة إلى انجازات سياسية تغطي على تعثره في المسألتين الاقتصادية والصحية ـ كورونا. فضلا عما ينتظره في المحاكمة المرتقب أن تبدأ في كانون الثاني/ يناير المقبل. ويحوم فوق رأسه ايضاً، امكانية سقوط دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الامر الذي سينعكس على مكانته في الداخل الإسرائيلي ايضاً.
فيما يتعلق بمصالح كيان العدو. بعيدا عن المكانة التي يحتلها نظام البحرين، لكن انطلاقا من كون الاتفاق محطة في سياق متواصل له ما قبله وما بعده، يشكل الاتفاق خطوة اضافية في اتجاه المزيد من محاولة نيل شرعية عربية لوجوده وسياساته القمعية في مواجهة الشعب الفلسطيني.
ومما يميز أنظمة الخليج بشكل عام، ثرواتها المالية، وهو ما تطمع به  “إسرائيل” ايضاً، واشار اليه نتنياهو ايضا بأن هذا الاتفاق والذي سبقه مع بعض حكام الإمارات، سيؤدي إلى استثمارات ضخمة في الداخل الإسرائيلي، في الوقت الذي تواجه فيها تل أبيب أزمات اقتصادية ومالية غير مسبوقة منذ عقود.
مع ذلك، تجدر الاشارة إلى أن خطورة هذا النوع من الاتفاقات مع كيان العدو، أنه يشكل جزء من عملية التفاف على الشعب الفلسطيني في محاولة لتطويقه تمهيدا لاخضاعه. وايضا، يهدف إلى الدفع بعملية التطبيع مع كيان العدو بهدف تحويله إلى جزء طبيعي من المنطقة. اضافة إلى أنه يشكل تمهيدا للاتفاق مع النظام السعودي الذي يشكل الهدف الرئيسي للثنائي ترامب ـ نتنياهو.
بالمجمل تأتي هذه الاتفاقات كجزء من مسار يهدف إلى الارتقاء في العلاقات إلى مستوى التحالف بين القوى التي ترى أن مصيرها مشترك في مواجهة شعوب المنطقة ومحور المقاومة، وبات هذا التحالف أكثر من ضرورة بعد الانتصارات التي حققها منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 مرورا بتبلور حزب الله كقوة اقليمية ورأس حربة محور المقاومة في مواجهة كيان العدو، وهزيمة الاحتلال الاميركي في العراق وفشل مخطط اسقاط سوريا.
في الخلاصة، ينبغي أن لا يكون تقييمنا لاتفاق “السلام” بين البحرين و”إسرائيل”، من زاوية موقع البحرين كدولة فقط، وانما انطلاقاً من كونه تابع بالمطلق للنظام السعودي. وبهذا المعنى هو تعبير عن موقف سعودي مباشر يمهد لخطوات لاحقة. وجزء من مسار اقليمي تتشكَّل معالمه، وتؤشر إلى أبعاد اضافية سيتخذها الصراع في المنطقة، بحيث سنشهد تموضعاً عربياً اسلامياً اقليمياً، في مواجهة محور إسرائيلي ـ عربي ـ غربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى