أحدث الأخبارالعراق

استقالة النواب الصدريين فرصة وتحديات

د. حميد الطرفي
يكاد يُجمِع المحللون والمراقبون بأن قرار الاستقالة قرار من خارج الصندوق أي لم يكن متوقعاً بل كان مفاجئاً فلا غرابة إذن أن ترتبك بشأنه التحليلات وتختلف التوقعات بشأن القابل من الأيام . القرار كما يبدو في البيان هو غاية في التضحية والزهد في المناصب والمواقع من أجل هدف أكبر وأنبل وهو استقرار العراق ومصلحة العراقيين ، ودعوة لعضوي التحالف الثلاثي (انقاذ وطن) الديمقراطي الكردستاني والسيادة بأن يتصرفا بأريحية مع شركاء الوطن الآخرين لتجاوز حالة الانسداد السياسي وتشكيل الحكومة ، وكل هذا طبعاً بالقراءة الظاهرية لبيان الاستقالة والتي لا يبدو منها الا الترفع عن السلطة والزهد فيها . ومادام الأمر وفق هذه القراءة فإن هناك فرصة تاريخية لقادة البلاد أن يتشاوروا ويتحاوروا لتشكيل الحكومة ، ولكن ماذا عن التحديات ؟
أولاً : إن انسحاب التيار الصدري من البرلمان لا يعني انسحابه من العمل السياسي بل إنه سيكون المتصدي رقم واحد في الشارع للحكومة المشكلة ( المعارضة الشعبية) ، فهل سيعطي التيار الفرصة الكاملة للحكومة الجديدة أم إنه سيشهر عليها سلاح المظاهرات بعد أشهر بحجة أنها أخفقت في تقديم الخدمات كما حصل لحكومة السيد عادل عبد المهدي ؟
ثانياً : إن الكثير من المشاكل التي يواجهها الشعب مشاكل متوارثة من حكومات سابقة لا يمكن حلها بسرعة وسهولة ما لم تكن هناك صلاحيات واسعة للحكومة فمشكلة الكهرباء ومشكلة السكن ومشكلة الاكتفاء الذاتي من الخضر والحبوب وغيرها الكثير تحتاج الى حكومة أكاد اقول حكومة طوارئ وإلا فهي باقية وهذا تحد آخر للحكومة القادمة . فهل سيكون رئيس الوزراء وحكومته بهذه القوة وتلك الصلاحية لتغير الحال ؟
ثالثاً : تظاهرات تشرين 2019 دعت اليها منظمات مجتمع مدني مدعومة من دول معلومة ثم انضم اليها التيار الصدري ليوجهها ويديم زخمها ولكنه لم يعلن ذلك صراحةً وظلت جماهيره متخللة بين التظاهرات حتى نهايتها . اليوم لو عادت التظاهرات فمنشؤها التيار الصدري وقائدها التيار الصدري مما يعني أن أي خطأ في الحسابات أو استخدام للعنف قد يجر البلاد الى منزلق خطير وهذا تحد آخر ينبغي على الحكومة القادمة ان تراعيه وتتوقاه ما أمكن .


رابعاً : المطلوب هو رأب الصدع بين جماهير الإطار والتيار الصدري عبر مبادرات تعبر عن حسن النية من قيادات الاطار وأفعال وتصريحات تبعث برسائل أخوة وأسف لما حصل ( الاستقالة) ودعوات مستمرة بالعودة وعدم الايحاء اطلاقاً بأن المغانم التي حصل عليها الإطار انما كانت من جراء مواقف الاطار وعدم قدرة التيار على اغتنام رصيده من النواب لذلك قرر الاستقالة من البرلمان ، لأن ذلك يشحن الصدور بالبغضاء ، وحتى المنجزات التي حققها التيار على مستوى المواقع الحكومية ينبغي عدم التحرش بها ، وابقائها على حالها فذلك ليس منة أولاً وهو أقرب للحفاظ على اللحمة الوطنية وهو تعبير عن المساحة التي يشغلها التيار في المجتمع وباختصار فإن تفويت الفرصة على المتصيدين بالماء العكر للايقاع بين التيار والاطار تحدٍّ آخر من تحديات الحكومة المقبلة .
خامساً : ستكون لعبة الثلث المعطل أو الضامن هذه المرة هي سكّينة الخاصرة لقوى الاطار والمتحالفين معهم لتمرير جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وسيطالب الديمقراطي الكردستاني والسيادة بمطالب ربما أكثر مما طلباه من التيار الصدري نفسه ابان تشكيل التحالف الثلاثي ، فكيف ستتصرف قوى الاطار ، نعم انها قادرة على تحقيق الاغلبية ولكنها ليست قادرة على نصاب الثلثين مالم ترضيهما ، فهل ستنبطح امام طلباتهما لتمرير الجلسة بحجة المصلحة الوطنية العليا أم انها ستتمسك بالثوابت الوطنية وتصر عليها حتى لو أدى الأمر الى اعادة الانتخابات ، وذلك تحدي آخر .
وفي كل الأحوال فإن قرار الاستقالة كما لو انه انتخابات جديدة غيرت توازنات القوى السياسية ولكن آثار هذا القرار تظل مجهولة تبعاً لنيات صاحب القرار واهدافه البعيدة والقريبة . حفظ الله العراق واهله من كل سوء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى