أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

اضواء على تظاهرات السلميانية

مجلة تحليلات العصر الدولية - محمد صادق الهاشمي

تشهد المدن الكردية ومنذ أسبوع تظاهرات تصاعدية تمتد على السلمانية كلها، وبعد التدقيق نجد ما يلي:

١- إنها تظاهرات شعبية محضة، لا يقف خلفها أيّ حزب، وهي تحمل شعار الرفض بوجه الأحزاب الكردية؛ التي غيَّبت الفقراء والمثقفين، وتبين من خلال متابعاتنا للشعارات، والتغطيات، ونشاط المتظاهرين؛ عبر الفضاء المجازي أنّ جمهور كردستان لم يقتنع بالشعارات القومية، ولا الانفصالية التي تاجرت بها بعض الأحزاب الكردية، وبهذا سقط كثير من الايديولوجيا أمام الخبز.

النخب الكردية المثقفة والكادحة تجاوزت حد الخوف؛ فلم تتوقف حركتهم مع إطلاق الرصاص عليهم، واستعمال القوات الأمنية انواع الأسلحة المختلفة؛ مما يعني أنّ عهدًا كرديًا جديدًا بدأ فيه الجمهور ينتفض على (أحزاب الأُسر الإقطاعية والرأسمالية)، فكردستان بعد تظاهرات عام 2020 ليس كما قبله؛ بسبب تنامي الفساد الذي ضرر الدخل اليومي للفرد، ومع ارتهان مصير الأمن الاقتصادي بيد الطبقة الحاكمة البرزانية التي تتحمل المساحة الكبرى في رفض الجمهور الكردي لهم.

٢- رافق التظاهرات عمليات الحرق لمقرات الديمقراطي الكردستاني وغيره، ورفع لافتات الرفض، وإسقاط هيبة المقرات الرأسمالية الإقطاعية البرزانية.

طبعا تلك ردة فعل شعبية؛ لسياسة التجويع والتركيع، ومن الآن لم يعد خطاب الأحزاب الكردية في تحميل الاتحادية والحكومة المسؤولية في تجويع الشعب الكردي أمرًا نافعًا، فالكردي أدرك بصفته شعبًا أنَّ مشكلته في الفساد الإقطاعي، ولكن بما أنَّ التظاهرات في جغرافيا السليمانية؛ فإنّ ثورة الرفض ستقود إلى تفكّك العلاقة بين أحزاب السليمانية وأربيل، وبالتأكيد أنَّ الأحزاب في السليمانية –غير المتواطئة مع مسعود- لا بد أنْ تبحث عن مخرج؛ لإقناع جمهورها بتحرير اقتصاد السليمانية من أربيل وسلطة البارزاني، وتسلُّطِ اسرتِهِ؛ مما يشي بتفكّك الإقليم سياسيًا، خصوصًا وأنّ التظاهرات سبقتها ثورة من (كوران – التغيير)، (والأحزاب الإسلامية) داخل مجلس النواب حينما رفضوا برنامج مجلس نواب كردستان الذي لم يُضمِّن في برنامجه بتاريخ 2-12-2020 مناقشة ارتهان النفط في قبضة تركيا خمسين عامًا لصالح البرزاني!، ولم يضمنه مناقشة الرواتب كذلك، والأوضاع المعيشية.

٣- السفارات التي كانت تدين الحكومة الاتحادية والأحزاب، كل من: السفارة البريطانية، والأميركية ببيانات متكررة، وهكذا الاتحاد الاوربي، وممثلة الأمم المتحدة (بلاسخارت)؛ تعاملت مع الشعب الكردي بالإهمال أمام المشهد العنيف الذي تمارسه القوات الأمنية، واستعمال الرصاص، علمًا أنه في تطاهرات تشرين لم تُطلق رصاصة واحدة.
وللأسف، لم تظهر طبقة قيادة ثورية تقود تظاهرات الكرد.

٤- هذه التظاهرات تأتي في زمن حرج يهدد مستقبل الأحزاب الكردية؛ كونها سبقت الانتخابات القادمة، مما يعني أنّ الخريطة الانتخابية والسياسية؛ لا بد أنْ تتغير، وفي حال تواصل مسعود ماسكًا بقبضته الحديدية على الحكم، ومصادرة الأسرة الإقطاعية البرزانية المال والقرار؛ فإنّ الإقليم سوف يتفكّك، لأن أحزاب السليمانية لا بد أنْ تبحث عن مخرج لحل أزمة جمهورها قبل وبعد الانتخابات، والحل ينحصر فقط بخروج القرار المالي والسياسي من سلطة مسعود التي همشها وافقدها شعبيتها أمام جمهورها، ولا بد أنْ تتحرر من سلطة مسعود مقدَّمَةً لتحرير جمهورها.

٥- ليس أمام السليمانية وأحزابها بعد اليوم إلا أنَّ تعيد خريطة تحالفاتها؛ بمغادرة سلطة مسعود، واتِّجاهها إلى الاتحادية، فإنّ سلطة مسعود لم تعد معبرة عن طموح الأحزاب الكردية المهمَّشة، ومن هنا سنشهد ولادة قوة حزبية في السليمانية؛ تتحالف مع الاتحادية بعيدًا عن مسعود، وعلى الأحزاب الشيعية الاستثمار في تلك الأحداث لصالح تفكيك سلطة مسعود، ومناصرة الشعب الكردي، كما أنه من الموكد بأنّ الاتحاد والتغيير وبرهم صالح وغيرهم سيتجهون بهذا الاتجاه.

٦- السنة في العراق القوا بثقلهم كلهم، وبيضهم في سلة مسعود، وحتى الشيعة فعلوا ذلك!، وغاب عن شيعة العراق أنْ يكون لهم دور وفهم إستراتيجي؛ بتقوية أحزاب السليمانية لتحجيم دور مسعود، بل على خلاف تسابق القوم (باستثناء العبادي) بعد خطوة الانفصال الفَشِلة؛ لتكريس صلاحيات مسعود الانفصالي، ولكن تجدر الإشارة هنا أنّ التحالفات الشيعية القادمة ستكون مع السليمانية، خصوصًا وأنَّ هذه الأحزاب بينها وبين مسعود خلاف وجودي؛ ليمكنها بهذه الحالة استعادة دورها إلا بتدوير الزوايا في التعامل مع الاتحادية، وهذا مبنٍ على ذكاء الشيعة والكرد، وقدرتهم على ترجيح طرف على طرف، أمّا الموقف السني؛ فإنه يبقي مع مسعود، وهو يراهن عليه ضد الشيعة، وضد أحزاب السليمانية، إلا إذا انتهت تلك التظاهرات بتغيير البُنية السياسية الكردية بصورة كاملة، ولأنّ مسعود رُهِنَ قرارُ السنة لصالحه، ولم يفعل الاتحاد هذا.

٧- الاحتجاجات والتظاهرات الكردية لا تختص فقط بمسعود الإقطاعي؛ وإنْ كان يتحمل القسط الأوفر من الغضب الشعبي الكردي، بل تتعداه إلى كل الإقطاعيات الاحتكارية، والأُسر المتنفذة والأحزاب التي حكمت (17) عامًا في الإقليم كله، مما يعني بأنّ الكرد لا يمكنهم بعد هذه الفترة الطويلة؛ إلا أنْ يعترفوا بفشل تجربتهم في الحكم داخل الإقليم، وعليهم أنْ يترقبوا احتجاجات وتظاهرات أخرى تمتد إلى الإقليم كله، ما لم ينهض المجتمع الكردي السياسي بنتاج طبقة أخرى، أو تتصدي الطبقة الليبرالية، وما لم تنفصل الأحزاب الكردية الحالية والقادمة المفترضة؛ عن مسعود (بؤرة التوتر الكردي).
انتهى                                                                                                                                                        8-كانون الأول-2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى