أحدث الأخبارشؤون آسيوية

افغانستان .. تحذيرات ومخاوف

مجلة تحليلات العصر الدولية - محمد صالح صدقيان

الاخبار الواردة من افغانستان مقلقة من جانب ومهمة من جانب اخر لارتباطها بالجانب الامريكي الذي يحاول تسوية العديد من الملفات في منطقة الشرق الاوسط التي تسبح في مستنقعات أمنية ورمال متحركة منذ سنوات .

ما اقدمت عليه الولايات المتحدة من الدخول في مباحثات مع حركة الطالبان التي كانت في يوم مصنفة على قائمتها الارهابية توصلت معها الى اتفاق في الدوحة تنسحب على اثره القوات الامريكية من افغانستان مقابل مشاركة الحركة في العملية السياسية الافغانية . الحكومة الامريكية قالت انها تريد سحب 50 بالمئة من قواتها على ان تستكمل عملية الانسحاب عشية ذكرى حادثة 11 سبتمبر . لكن السؤال هل الاتفاق حصل في ان تقوم عناصر حركة الطالبان بالاستيلاء على المدن وطرد القوات الافغانية من هذه المدن ؟ ام انها تدخل لاعبا سياسيا في العملية السياسية وفق الخيارات السلمية ؟ المصادر الامريكية تتوقع انهيار الوضع السياسي وسقوط الحكومة بفترة لا تزيد عن ستة اشهر . امر لا يمكن ان يلقى رضا المشاركين في العملية السياسية مما دعا الرئيس الافغاني اشرف غني ونائبه عبد الله عبد الله شد الرحال للعاصمة الامريكية لمعرفة حقيقة ما يجري ؟ وماذا تريد الولايات المتحدة من انسحابها من افغانستان .

عديد السياسيين الافغان يعتقدون ان الانسحاب الامريكي من افغانستان هو انسحاب « غير مسؤول » ولا يهدف سوى دعم حركة الطالبان وتضعيف الحكومة التي وصلت عبر صناديق الاقتراع ومسارات العملية السياسية ؛ في حين يشكك آخرون بصدقية الانسحاب ويعتقدون ان القوات الامريكية لا تريد الانسحاب بقدر ما تريد « اعادة انتشار » واعادة تموضع لادارة التطورات انسجاما مع اهداف تتعلق بتواجدها في المحيط الصيني والمهمة الجديدة لهذه القوات بعدما فسحت المجال لقوات حلف الناتو بأخذ دور اكثر اهمية على غرار ما هو مناط من مهمة للقوات التركية في تامين امن مطار العاصمة كابل .

مساران مهمان في التطورات الافغانية التي لا تغيب نتائجها على مجمل التطورات الاقليمية . المسار الداخلي الذي يرتبط بالامن والاستقرار وما تحمله من مخاطر عودة الحرب الاهلية في بلد لم يشهد الاستقرار منذ اربعة عقود من الازمات والحروب والقتال والتدخل الاجنبي . والمسار الاخر هو المسار الخارجي الذي يتعلق بدول المنطقة والدروس المستوحاة من هذه التطورات لان التواجد الامريكي في المنطقة لا يقتصر على افغانستان وانما هو في عديد الدول .

الدول المجاورة لافغانستان مهتمة بما يحدث لجارتهم حيث تسعى الهند وباكستان وروسيا والصين وايران للعمل على عدم وقوع حرب في افغانستان وظهور كوارث جديدة لان التطورات السابقة كانت مكلفة لهذه الدول إن على صعيد الازمات الانسانية او تداعياتها الامنية والسياسية وبالتالي فان هذه الدول تحاول العمل مع جميع الجهات الافغانية لاستخدام الخيارات السياسية من اجل تعزيز الامن والاستقرار السياسي والامني بدلا من الاتجاه نحو كوارث انسانية جديدة لا تخدم مصالح الشعب الافغاني .

إقحام حلف شمال الاطلسي في الازمة الافغانية بدفع من الولايات المتحدة لا يمكن له ان يحل المشكلة لان الافغان وعلى اختلاف مشاربهم يملكون حساسية كبيرة أزاء تدخل القوات الاجنبية ايا كان شكلها اللهم الا اذا كانت صديقة لهم . وهم لا يعتقدون ان الدول الغربية دول صديقة كما قال النائب الافغاني محمد داود ناصري .

وعلى الرغم من ندرة المعلومات بشان اسباب سحب الولايات المتحدة منظومة صواريخ الباتريوت من منطقة الشرق الاوسط وفيما اذا كانت لها ارتباط بالانسحاب من افغانستان او اعادة انتشار القوات الامريكية ؛ لكنها تلقي بظلالها على مجمل التطورات في منطقة الشرق الاوسط حيث تترقب المنطقة نتائج مباحثات فيينا النووية والجهود الرامية لانهاء حرب اليمن ومآلات السياسة التي تريد الولايات المتحدة انتهاجها في هذه المنطقة في عهد الرئيس الامريكي جو بايدن .

لا اعتقد ان دول المنطقة تقف بشكل واضح وشفاف على السياسة الامريكية الجديدة في المنطقة على الرغم من زيارة عدة وفود تمثل وزارتي الدفاع والخارجية ومستشارية الامن القومي الامريكي لهذه الدول .
ان المنطقة عانت كثيرا من السياسات الامريكية المتناقضة خصوصا خلال العقدين الاخيرين والتي تسببت في الكثير من الكوارث الانسانية والامنية . ولازالت دول المنطقة وشعوبها تدفع ضريبة هذه السياسات التي قال عنها المسؤولون في ادارة الرئيس جو بايدن بانها اثرت على المصداقية الامريكية وهي تعمل على « عودة الولايات المتحدة للمجتمع الدولي » على حد تعبير الرئيس بايدن .

ان حركة الطالبان هي المستفيد الاكبر من الانسحاب الامريكي « غير المسؤول » من افغانستان . والخشية ان تتم صفقات اخرى مع حركات مصنفة ارهابيا على القائمة الامريكية وان تتجه المنطقة للمزيد من عدم الاستقرار دون اخذ مصالح شعوب المنطقة بنظر الاعتبار .

ان تغييب دول المنطقة عن مشروع التوصل الى نظام امني سياسي ينسجم مع تطلعات هذه المنطقة يشكل عبئا اضافيا لهذه الدول ويرسم صورة غير واضحة لمستقبل الامن والاستقرار في المنطقة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى