أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

الإرادة اليـمنيـة تكسر الهيمنة الأميركية

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. أحمد لقمان الزين

اليمن أصل العرب وأصل الوطن العربي، جباله وإنسانه كلاهما منيع عصيّ لا يرضخ ولا يُذلّ.. أمّا حضارته فباهرة تحكي «مأرب» و«سبأ» و«بلقيس» و«سليمان النبي» و«سيل العرم» وسطوع نور الأديان..

ولطالما قدّم هذا البلد النّموذج الصّادق للصّمود، فالعدوّ في نظر اليمنيين معروف لا يبخلون بالأرواح تصدّيًا له، والصّديق معروف كذلك، ولا يبخلون بالأرواح صونا وحفظا له.. حقًّا لا يمكننا إلاّ أن نشعر بقيمة أن نكون بشرا في هذا العالم كلّما استذكرنا مواقف اليمن وأهله..

لكنّ لهذا الزّمن الّذي نحن فيه قوانينه العشوائية، فكلّ هذا الغنى الثقافي والحضاري لم يشفع لليمن وأهله، ولم يمنع طائرات العدوان من دكّ البشر والحجر على مدى خمس سنوات وبضعة أشهر تحت شعارات وعناوين بعضها اقتصادي، وبعضها الآخر جيوسياسي، وكلّها لا يمكن أن تشكّل مبرّرا مقنعا لهذه الحرب المستمرّة على الأرض والإنسان اليمنيين، والتي ترخي بظلالها الدامية على عالم انقلبت فيه القيم، فوقف متفرّجا على المجزرة المستمرّة دون أن يحرّك ساكنا، ولماذا يفعل طالما أنّ تحالف القوّة والمال العالميين هو من يشنّ هذه الحرب الشّعواء؟!..

في محاولة قديمة جديدة من قبل الولايات المتّحدة الأميركية لإخضاع شعوب الأرض تحت شعار حماية الديمقراطيّة الّذي لم يعد يصدّقه حتى أولئك الذين يروّجون له بدأت الحرب على اليمن، ومن أجل استمراريّتها استُخدمت كلّ أنواع الأسلحة القاتلة بدءا من القصف المباشر مرورا بالحصار؛ وصولا إلى الدولار السياسي، ولعلّه سلاح الولايات المتّحدة الأمضى مدعوما بالمؤسسات المالية المشتركة التي تتكون من صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، ولعلّنا لا ننسى أنّ هذا السّلاح الاقتصادي الفعّال هو الّذي منح أميركا الغلبة الاقتصاديّة على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأفول شمس الإمبراطورية البريطانية، حين حلت «الورقة الخضراء» محل الجنيه الإسترليني، وباتت العملة الأميركية هي المهيمنة على النظام المالي والنقدي العالميين. هيمنة الدولار هذه جعلت الولايات المتحدة دولة لا تبالي بالعجز التجاري أو حجم الديون السيادية التي ارتفعت إلى أكثر من 26 ترليون دولار في عهد ترامب، وسبب هذه اللامبالاة أنّ واشنطن قادرة على طباعة ما تحتاج إليه من دولارات، فالكل يحتاج إلى الدولار، سواء لتسوية فواتير الواردات أو لشراء المحروقات، أو حتى للاستثمار في سندات الخزانة الأميركية التي باتت خزينة العالم حيث تضع الدول والشركات فوائضها وادخاراتها.

انطلاقًا من ذلك رفعت إدارة الرئيس الأميركي ترامب من وتيرة الضغوط الاقتصادية ضد الدول التي تختلف معها في السياسة الخارجية، لكنّ هذه الحروب الاقتصادية لم تأت بالنتائج المرجوة منها، ولعلّنا لا نغالي إذا قلنا: إنّ نسبة نجاح هذه العقوبات لا تتعدّى العشرة بالمئة بالنّظر إلى تاريخ هذه العقوبات وإلى الإحصائيّات المرتبطة بها.

وهنالك القوّة العسكريّة التي تفرض الولايات المتّحدة من خلالها مشيئتها على الدول التي تحاول التفلّت من سيطرتها، وثمن استعمال هذه القوّة باهظ على المستويين الإنساني والاقتصادي، وكان نصيب اليمن من هذه القوّة كبيرا، وبحجم الخسارة كان الصّبر وكان الصّمود.

ولتسهيل فرض الضغوط الاقتصادية والعسكرية، تستعمل الولايات المتحدة الأميركية كذبة لائحة الإرهاب التي تسطر عليها اسم كلّ من يعارض سياساتها التوسعية، أما حلفاؤها فلا مشكلة لديها إذا افتعلوا، لا، بل هي تغطي انتهاكاتهم. هذا ما يحصل على مدار اليوم في اليمن، وهذا ما حصل في جنوب لبنان في قانا وسواها من القرى إبّان الاجتياحات الإسرائيليّة المتكرّرة. هكذا يصبح من يدافع عن حقّه إرهابيا، ومن يقتل الناس بالطائرات والصواريخ عاملا في سبيل مصلحة الإنسانية، ومن يدري فقد يتمّ ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام؟!

وفقا لهذه المعايير غير العادلة كان تصنيف وزارة الخارجية الأميركية- وقبل مغادرة الرئيس الأميركي السابق ترامب البيت الأبيض- جماعة «أنصار الله»(الحوثيين) منظمة إرهابية..

وفي سياق الرد على هذا التصنيف الجائر، قالت جماعة «أنصار الله» اليمنية: إنّ لها حقّ الردّ على أي تصنيف أمريكي للجماعة، وإنها تدين أي تصنيف من جانب واشنطن. وعدّ عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين» محمد علي الحوثي» عبر حسابه في موقع تويتر، أن «أمريكا هي مصدر الإرهاب، وسياسة إدارة ‎ترامب إرهابية، وتصرفاتها إرهابية، وما تقدم عليه من سياسات تعبر عن أزمة في التفكير».

وأضاف أنّ الإعلان الأمريكي هذا «هو تصرف مدان، ونحتفظ بحق الرد أمام أي تصنيف ينطلق من إدارة ترامب أو أية إدارة». وأنّ هذا التّصنيف «لا يهم الشعب اليمني؛ كونها (أي الولايات المتحدة) شريكا فعليا في قتله وتجويعه»، وفق تعبيره.

‏وفي تعليقه على هذه التطورات، صرّح رئيس المركز القانوني للحقوق والتنمية في اليمن طه أبو طالب قائلا: «بالنسبة للقانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة لا تملك الولايات المتحدة الأمريكية الحق في أن تطلق أي توصيف بشكل عام على أيّة دولة، فما بالك بتوصيف «الإرهاب»؟! هذا التوصيف الذي لم يتوصل العالم إلى الآن إلى تعريف قاطع بشأنه.»

وأضاف لـ»سبوتنيك» أنّ: «هذا القرار الأمريكي كما تمّ التصريح به يهدف للضغوط على إيران وغيرها من دول محور المقاومة، وفي الحقيقة واشنطن لا تريد استقرار اليمن أو أن تنتهي الحرب، ويعم الصلح والسلام؛ نظرا لأن القرار يأتي في الوقت الذي تسعى فيه المنظمة الدولية لإعادة عجلة السلام عن طريق المشاورات بين جميع الأطراف.»

وحول تأثير التوصيف الأمريكي على فرص التفاوض والسلام قال رئيس المركز القانوني للحقوق والتنمية: إن «الخارجية الأمريكية تذكر أن هدف القرار ضد أنصار الله هو الضغط عليهم للجلوس إلى طاولة التفاوض من أجل السلام، ووقف الحرب، لاشك أنّ هذا القرار فيه نوع من الحماقة والغباء، فكيف تقوم بتصنيف أنصار الله منظمة إرهابية ثم تقول لهم اجلسوا للتفاوض؟! بكل تأكيد هي إحدى حماقات إدارة ترامب التي تقوم بها في الوقت الضائع من نهاية ولايتها، هم يريدون من وراء هذا القرار إرضاء الدول الخارجية التي دفعت كثيرا، ومولت ودفعت لتلك الإدارة.»

أما ردود الفعل العالمية فكانت في معظمها مندّدة بهذا التصنيف؛ لأنه بعيد كل البعد عن المنطق الإنساني؛ فأنصار الله منظّمة تدافع عن شعبها، وتحمي استقلاله، وتسعى إلى الحدّ من المجازر شبه اليومية التي تفتعل بحقّه.

الرئاسة الروسية استنكرت هذا التصنيف، ووضعته في خانة الظلم، كذلك رفضت الحكومة العراقية التصنيف، وطالبت بوقف الحرب في اليمن. أما حزب الله اللبناني فناشد الدول المقاومة في جميع أصقاع العالم العمل على وقف الحرب على الشعب اليمني. الأمم المتحدة رفضت القرار الأميركي. وهذه هي المرة الأولى التي تبادر فيها الأمم المتحدة إلى اتخاذ موقف بهذا الوضوح من الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها.

كذلك دعا ديفيد بيزلي المدير التنفيدي لبرنامج الأغذية العالمي الولايات المتحدة إلى التراجع عن قرارها، كما دعا دول الخليج إلى تحمل المسؤولية المالية من أجل توفير احتياجات اليمن. وقال بيزلي لمجلس الأمن الدولي: «نحن نعاني الآن بدون إدراج الجماعة (في القائمة السوداء) وبإدراجها ستكون كارثة. سيكون حكم إعدام حرفيًّا على مئات الآلاف إن لم يكن ملايين الأبرياء في اليمن».

من جهته، انتقد الاتحاد الأوروبي ومنظمات غير حكومية القرار، في حين طالب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك بعد أيام من القرار الولايات المتحدة إلى أن «تلغي» قرارها بتصنيف الحوثيين جماعة «إرهابية».

وقال لوكوك أمام مجلس الأمن: إنه من الضروري أن تتراجع واشنطن عن القرار لمنع وقوع مجاعة،لافتاً إلى أن الاستثناءات التي وعدت بها واشنطن للسماح للمنظمات غير الحكومية بإيصال المساعدة الإنسانية لن تحدّ من خطر وقوع مجاعة واسعة النطاق.

كان هذا قبل رحيل ترامب وتسلم بايدن رأس السّلطة في الولايات المتّحدة، وعندما وصل بايدن بدأت إدارته بمراجعة كثير من القرارات التي اتّخذها ترامب، ومن ضمنها تصنيف الحوثيين جماعة إرهابيّة؛ نظرا للمخاوف من تأثير التصنيف على الوضع الإنساني في البلد حسبما صرّح به متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية. وفي السياق عينه قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين: إنّ واشنطن ستراجع التصنيف الذي يخشى مسؤولو الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة من أن يؤثر على حركة التجارة في اليمن الذي يشهد مجاعة واسعة النطاق.

أمام هذا التخبط الأميركي الذي يشهده العالم منذ العقد الأخير من القرن الحالي، فإن جميع الخبراء يؤكدون أنّ الأحادية الأميركية إلى أفول. فهل تكون حرب اليمن واحدة من مؤشرات هذا الأفول؟ وهل يكون الصّمود اليمني أحد أسبابه؟

علينا التّمهّل قليلا لنرى، لكنّ ما تقوله الدّراسات الرّصينة المبنيّة على معطيات علميّة توحي بذلك، فقد أكد الكاتب بيتر هاريس على سبيل المثال- في مقال له نشره في مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية- أن ثمة إجماعاً ربما لدى معظم خبراء السياسة الدولية على أن «القرن الأمريكي إلى أفول».

وقد أضاف وهو أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة كولورادو ستيت، أنه سواء كان الخبراء يعزون ذلك الاضمحلال إلى خلل تعاني منه الولايات المتحدة في داخلها، أو إلى بروز الصين والقوى الصاعدة الأخرى، فإنّ المراقبين يميلون إلى الاعتقاد بأن «لحظة القطب الواحد» ستفسح المجال لنظام عالمي تسود فيه أكثر من قوة كبرى واحدة، بحسب ما نقلت «الجزيرة نت».

ويشير الكاتب- في استهلال مقاله الذي جاء تحت عنوان «متى ينقطع دابر عالم القطب الواحد؟»- إلى أنه ما من أحد يعرف على وجه اليقين متى سيأفل عالم القطب الواحد؟ وما الذي ستستغرقه قوة عالمية أخرى من زمن؛ لتضاهي الولايات المتحدة أو تتجاوزها من حيث القوة والمَنَعة؟

واستدرك قائلاً: إن «العالم الأحادي القطب ليس أحد إفرازات الإنفاق العسكري فحسب، بل يحدده كذلك توزيع جغرافي للسلطة والنفوذ، وإن كلا التعريفين متلازم على أي حال».

في النهاية، وأيًّا كانت التّحليلات في هذا الشّأن تبقى الولايات المتّحدة مجرّد إمبراطوريّة، وقد تعاقبت على هذه الأرض إمبراطوريات فاقتها عظمة، سادت ثمّ ما لبثت أن بادت، وبقيت الشعوب الحرّة التي نقشت على الحجارة وعلى القماش وبين أوراق الكتب حضاراتها التي لا تبيد؛ لذلك ستضمحل الولايات المتّحدة، وستتراجع عن أرضنا، وسيبقى اليمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى