أحدث الأخبارشؤون آسيويةفلسطينمحور المقاومة

(الإسرائيليون) والفلسطينيون نحو عصر ما بعد التسوية؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - يوحنان تسوريف

منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة، وأبو مازن زعيماً لها، فقدا مكانتهما في الواقع كممثلين وحيدين للشعب الفلسطيني، منذ أن قرر الأخير إلغاء انتخابات المجلس التشريعي.
السلطة الفلسطينية تعاني من فقدان أهمية وجودها، وأبو مازن شخصياً يشكل مصدر انتقادات لاذعة من قبل الكثيرين في حركة فتح الذين يأملون في التخلص منه، وفي الخلفية هناك ضغط “إسرائيلي” مستمر منذ عام 2009 لإخراج القضية الفلسطينية من جدول الأعمال الإقليمي والدولي.
كما أضرت”صفقة القرن” التي صاغتها إدارة ترامب بالسلطة الفلسطينية وأبو مازن بطريقة تجعل من الصعب عليهم استعادة مكانتهم، بينما تستفيد حماس من هذا الوضع ومكانتها تتعزز في نظر الجمهور كبديل، وبالتالي نشأ وضعاً من الصعب  إذا ما كان أبو مازن أو من يخلفه من التيار الوطني يمكنهم العودة فيه إلى العملية السياسية بالشكل الذي كان معهوداً حتى الآن.
مفتاح التغيير يوجد في يد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي و”إسرائيل الذين لديهم القوة لإحياء العملية التي تحتضر، وإعادة الشرعية المفقودة لأبو مازن أو من يخلفه.
“الأزمة التي تعرضت لها الحركة الوطنية الفلسطينية” في السنوات الأخيرة وصلت إلى أبعاد غير مسبوقة وكانت بوادرها واضحة للغاية في العام الماضي على المستويات الأيديولوجية والقيادية والتنظيمية.
أبو مازن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية منذ 2005  يعاني من فقدان الشرعية والأهمية.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة بين الجمهور الفلسطيني إلى أن أغلبية تزيد عن 75 في المائة تتوق إلى استقالته، والانتقادات الموجهة له تتجاوز الخطوط والمعسكرات وتتغلغل بعمق في حركة فتح التي يترأسها.
والعديد من أصدقائه يلقون عليه باللوم الرئيسي على الانقسامات التي حدثت في الحركة  وضعفها الكبير وتفكك العلاقة التي  بينها وبين جيل الشباب , كما أن مظاهر الفساد العديدة التي تظهر على المحيطين به  تثير غضبًا عامًا واسع النطاق.
المعضلة التي تواجه كل فلسطيني لديه الوعي السياسي اليوم هي ما هو السبيل الصحيح للنهوض بالأهداف الوطنية في ظل فشل عملية أوسلو؟ وهل يمكن الاستناد على المقاومة المسلحة التي تقودها حماس  والجهاد الإسلامي للوصول إلى دولة مستقلة؟ أم أنه من الصواب انتظار دولة واحدة بين الأردن والبحر والتي يعتقد الكثيرون أنها ستأتي لا محالة.
في السنوات الأخيرة سعت حماس إلى المصالحة مع فتح “مدركة” أن فصيلا واحدا لايمكنه قيادة الفلسطينيين إلى الاستقلال السياسي، وأن التقارب بين التنظيمات يستوجب التنازلات التي أوضحت حماس أنها مستعدة لها، لكن هذا لم يكن يكفي ليقنع أبو مازن.
وحتى أبو مازن لم تكن كل سنوات رئاسته الست عشرة فاشلة، فقد أجرى مفاوضات صادقة ومليئة بالثقة مع رئيس وزراء “إسرائيل” آنذاك إيهود أولمرت أثارت آمالاً كبيرة لدى شعبه واستمر في ذلك – ورغم رفضه لاقتراحات أولمرت في التنسيق الأمني ألا أنه حافظ عليه ووطده ومنع أي استخدام للعنف.
وفي الوقت نفسه بنى مع رئيس الوزراء السابق سلام فياض بنية تحتية مؤسسية واقتصادية للدولة المنتظرة مما أدى إلى بناء طبقة وسطى، تمتعت بالأمن الوظيفي والاقتصادي، ولا تزال تسهم في الاستقرار الأمني في الضفة الغربية؛ وبسبب هذه الإجراءات ، حصلت السلطة الفلسطينية في عام 2012 على اعتراف البنك الدولي على قدرتها على إقامة دولة مستقلة وقيادتها.
لكن منذ صعود الحكومات اليمينية في إسرائيل في عام 2009 واجه أبو مازن محاولات تجاهل “إسرائيلية” للقضية الفلسطينية وإخراجها من جدول الأعمال المحلي والدولي، وفُسر عدم رد أبو مازن على مقترحات “رئيس الوزراء أولمرت” على أنه عدم اهتمام فلسطيني بالتوصل إلى تسوية سلمية.
إن محاولة وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري لعقد جولة أخرى من المفاوضات في 2013-2014 كان مصيرها الفشل في ضوء أزمة الثقة بين “إسرائيل” والفلسطينيين، ورفض الفلسطينيين  المقترحات التي طرحها كيرى على الطاولة.
و”خطة القرن” التي صاغتها إدارة ترامب ، تبنت في الواقع مواقف اليمين “الإسرائيلي”، وكانت تنوي أن تفرض على الفلسطينيين مخططًا للتسوية،مع العلم أنهم لن يكونوا قادرين على قبولها، وكانت الإدارة غاضبة من الفلسطينيين بسبب الرفض، واتخذت إجراءات عقابية، وتم قطع معظم المساعدات الأمريكية  وحثت الإدارة الدول العربية على القيام بمثل خطواتها .
هذه الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة والتي لطالما اعتبرها الفلسطينيون وسيطًا عادلًا على الرغم من ميلها المعروف لصالح إسرائيل لم يستطع ابو مازن النهوض منها.
في ظل العزلة التي وجدت السلطة الفلسطينية نفسها فيها اضطر أبو مازن إلى اتخاذ خطوات للتقرب من  حماس، وباقي أحزاب المعارضة، لكنه عندما أدرك أنه قد يخسر انتخابات المجلس التشريعي  التي بادر إليها  بنفسه قرر إلغائها بحجة أن “إسرائيل” لا تسمح بإجراء الانتخابات في القدس.
وأدى إلغاء الانتخابات التي كان من المفترض أن تكون الذروة الأبرز  في مسيرة التقارب بين الفصائل الفلسطينية إلى تفاقم الانقسام في الساحة الفلسطينية وتعميق الانقسام في حركة فتح وألحق ضرراً قاتلاً بمكانة أبو مازن الشخصية.
حماس  التي اعتقدت أن إلغاء الانتخابات قد أفقدها  نصرًا أكيدًا بادرت باستفزازات في وقت مبكر حول المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح في القدس من أجل إحداث مواجهة مع إسرائيل.
هذه المواجهة “حارس الأسوار ” أعطت حماس دعمًا واسعًا، وألقت بظلالها الثقيلة على أبو مازن وفتح، وخسرت منظمة التحرير الفلسطينية المنظمة الفلسطينية الجامعة مكانتها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.
من ناحية أخرى ، أصبحت حماس منذ ذلك الحين أقوى، ودعوة حماس المتكررة منذ عام 2017 للمصالحة الوطنية أثارت ثقة الجمهور فيها وحددت  أبو مازن كعائق وحيد وحصري أمام هذا الهدف.
إزاء كل هذا التراكمات ليس من السهل أن تتمكن حركة فتح العودة مرة أخرى وحدها لتقود منظمة التحرير الفلسطينية، وسيتوجب عليها التعامل مع مطلب حماس وغيرها من المنظمات المعارضة؛ لتكون جزءاً من القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني والتوصل الى “تسوية” معها.
أبو مازن الآن هو الذي يقف سداً  في هذا الطريق،
ويشترط لأي خطوة من هذا القبيل القبول بالالتزامات التي تعهدت بها منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك في إنهاء الكفاح المسلح وإخضاع السلاح لسلطة واحدة ، إلا أنه من المشكوك فيه بشدة ما إذا كان أي من الشخصيات التي ستورثه من حركة فتح ستقوم بإضفاء الشرعية على  مثل هذا المطلب.
وتجدر الإشارة إلى أنه في نظر حماس وغيرها من المنظمات المعارضة ، يتمتع أبو مازن “بمكانة رئيس شرعي انتخب على أساس السياسة التي تبناها وقدمها في الحملة الانتخابية، والتي مازال يتبناها منذ ذلك الحين.
وبحكم هذا الاختيار يمكنه أن يعلن بين الحين والآخر أن التنسيق الأمني مقدس، وأن القرارات الدولية هي أساس كل مفاوضات سياسية.
لكن بعد إلغاء الانتخابات يأمل الجميع في رحيله وبعد ذلك سيطلب الكثيرون إعادة ترتيب للقيادة الفلسطينية التي ستؤكد مطالبها بشكل أساسي على الحاجة إلى تقليص فجوة عدم التكافؤ بين الفلسطينيين و”إسرائيل”.
لذلك، ليس من الواضح إطلاقا ما إذا كان بالإمكان الاستمرار في الحديث حول اتفاق تسوية،  وهل ستكون الدعوات للعودة إلى المفاوضات ، خاصة من المقربين من أبو مازن ومن قبل جهات في المنظومة الإقليمية،  وخاصة الأردن أمرا ذا صلة .
إن الرغبة في تقليص عدم التكافؤ  بين “إسرائيل” والفلسطينيين ستنطوي على مواجهة أكثر قوة مع “إسرائيل” من أجل تغيير شروط البدء بالمفاوضات، هذا بسبب الاعتراف المتزايد بفشل مسار أبو مازن التصالحي، على ما يبدو، ويمكن أن يكون التعبيرعن ذلك هو توسيع مستوى الاحتكاك ومساحاته  بين جنود الجيش “الإسرائيلي” والفلسطينيين في الضفة الغربية ووفقًا للنموذج الغزي يكون احتكاكًا مادياً عن قرب بدون أسلحة نارية تؤدي نتائجه إلى خلق ضغط دولي كبير على “إسرائيل”.
وهل مازال من الممكن صرف النظام الفلسطيني عن الاتجاه الذي يسير فيه أم هي عملية لا رجوع عنها؟ أوضح سلوك إدارة ترامب أن الضغط المفرط على الفلسطينيين هو في نهاية المطاف معركة بين المعسكرين المتنافسين في هذه الساحة.
كما تبين أن التعاطف الأمريكي “الكبير” مع إسرائيل وتعاطفها مع مواقفها يضعف الجانب الفلسطيني لدرجة الإضرار بأداء دوره في التنسيق الأمني ومكانته كشريك محتمل في المفاوضات السياسية.
يذكر أنه في منافستها مع حماس  تعتمد فتح على تحالف كل من روّج لعملية أوسلو وعملوا على الحفاظ عليها، ومن بينهم الولايات المتحدة وكثيرون آخرون في المجتمع الدولي  الذين اعترفوا  بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في المحافل الدولية الهامة والتي تقدم  الكثير من المساعدات  للجانب الفلسطيني.
ويجب أن يضاف إلى القائمة الدول العربية المعتدلة التي استجابت للعملية السياسية منذ البداية.
ومنظمة التحرير الفلسطينية على عكس حماس هي جزء من هذا المعسكر وتلعب المساعدة المقدمة للسلطة دورًا مهمًا في ضمان استقرارها واستقرار الوضع الأمني في الضفة الغربية.
إسرائيل أيضا لها دور في هذا فمجرد الحوار معها وعندما يكون بناءً وصادقًا يعطي السلطة الفلسطينية وقائدها الشرعية ودليلًا على صدق طريقهم ودعمهم في مواجهة الخصوم السياسيين ويبعث الأمل في نفوس الجمهور الفلسطيني.
لذلك ، فإن التحرك المطلوب لمنع فقدان خيار التسوية هو حشد كل الجهات المذكورة أعلاه  للبدء بعملية تحدد أفقًا سياسيًا يوضح أن القضية الفلسطينية ليست خارج جدول الأعمال والتعبيرعن الثقة في أي قيادة وطنية  فلسطينية تلتزم  بالاتفاقات مع إسرائيل  والالتزامات التي قطعتها منظمة التحرير الفلسطينية على نفسها في هذا الصدد.
حتى ذلك الحين من الأفضل “لإسرائيل” ألا تعارض تجديد العلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية والولايات المتحدة، بما في ذلك تجديد المساعدات  للسلطة الفلسطينية وإعادة فتح سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وفتح القنصلية التي أغلقت  في “القدس الشرقية” في مكان يتم التوافق عليه مع “إسرائيل”  بشرط أن يوضح أن مستقبل “القدس الشرقية” سيتحدد في المفاوضات، وعلى ” إسرائيل” من جهتها أن توضح أنها غير معنية بانهيار السلطة الفلسطينية، وأنها تُقدر التعاون معها في المجال الأمني، وأن لها مصلحة في الحوار الذي من شأنه توسيع التعاون إلى مجالات أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى