أحدث الأخبارالإماراتالخليج الفارسيةالسعوديةشؤون امريكية

الإمارات والسعودية.. دولتان عربيتان أم قاعدتان أمريكيتان؟!

مجلة تحليلات العصر الدولية

تعرف الدولة بأنها مجموعة من البشر يعيشون في بقعة أرض معينة، يحكمهم نظام سياسي ذو قرار سيادي مستقل، ومتى فقدت أحد عناصرها فهي تفقد صفتها كدولة وتتحول إلى مسميات عدة، وقد تصبح قاعدة عسكرية يستخدمها المحتل لتحقيق أهدافه التوسعية.

#الثورة / #عبدالقادرعثمان

مع كل عملية إعصار يمانية يشعر الأمريكي والإسرائيلي بالوجع مرتين؛ مرة لأنه لم يكن يتوقع الرد اليماني، وأخرى لأن فخر دفاعاته الجوية تكرر فشلها في التصدي للصواريخ والطائرات اليمنية لتحيل الإمارات دويلة غير آمنة. صفعات مدوية تلقتها أمريكا في المنطقة العربية بيد القوات المسلحة اليمنية في كل من الإمارات والسعودية خلال سبع سنوات من العدوان على اليمن.

وجع وصراخ

يبرز الوجع الأمريكي والإسرائيلي للواجهة في كل مرة تتعرض فيه الإمارات لقصف من قبل القوة الصاروخية وسلاح الجو اليمني المسير، فتنطلق على ضوئها البيت الأبيض منذرة بالوعيد، كما كانت عليه الحالة عقب كل قصف تتعرض له المملكة السعودية، لكأن الرد اليمني يمطر واشنطن أو نيويورك بالصواريخ والمسيَّرات وليس دولتين عربيتين أعلنتا الحرب على بلد عربي.
هذا الصراخ الأمريكي يدفعنا للعودة إلى مارس من العام 2015، حينما أعلن السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمريكية عادل الجبير العدوان على اليمن في ما أسميت حينها بـ “عاصفة الحزم”، بضوء أخضر من البيت الأبيض. ذلك أعقب انتصار ثورة 21 سبتمبر، وما نتج عنها من هزيمة مدوية لأمريكا وعملائها في اليمن، وصل الأمر حد سحب الأمريكي سفارته وكافة جنوده من كافة مناطق الثورة، وكان الهدف الخفي للعملية العسكرية هو إعادة أمريكا إلى صنعاء.
لكن ما الذي جعل السعودية والإمارات تتزعمان قيادة الهجمة العدوانية على اليمن على الرغم من وجود 17 دولة عضو في التحالف العدواني بما فيها أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وحتى مصر والسودان، وما علاقة ذلك بالوجع الأمريكي من الرد اليمني على المنشآت الحيوية في السعودية والإمارات؟!

من الخاسر؟

في كلمته الأخيرة بمناسبة ذكرى جمعة رجب، يجيب قائد الثورة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي عن جزء من التساؤل من خلال تأكيده أن “الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني دفعوا بالإماراتي للعودة إلى التصعيد وورطوه”، وفي كل مرة يطل فيها قائد الثورة خلال سبع سنوات يجدد تأكيده المطلق أن العدوان على اليمن أمريكي وأن الإدارة الأمريكية صاحبة دور أساسي في العدوان وهي المتحكم بقرار استمراره أو إيقافه، وفي نفس الوقت يجدد القائد وصفه للإمارات والسعودية بالجنود المطيعين لأوامر الأمريكي والإسرائيلي؛ طمعًا في التقرب أو نيل الرضا.
وللإجابة على الجزء الآخر من التساؤل علينا استرجاع التاريخ السري لنشأة السعودية والإمارات والنفوذ الأمريكي في المنطقة العربية، فبالعودة إلى منتصف القرن الثامن عشر نجد أن لبريطانيا (الداعم الأول للصهيونية الدولية) دور رئيسي في نشأة ما تعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية في بلاد نجد والحجاز وجزء من اليمن.

مملكة همفر

يقول الجاسوس البريطاني الذي عرف باسم “محمد عبد الله همفر”، في كتاب “مذكرات مستر همفر.. رجل المخابرات البريطاني في البلاد الإسلامية”: “إنه وبعد عودته من العراق إلى لندن في منتصف ذلك القرن، التقى بسكرتير وزارة المستعمرات البريطانية وبعض أعضاء الوزارة وأطلعهم على معلومات وجدها عن زعيم ديني يدعى “محمد بن عبد الوهاب النجدي” يمكن أن يكون الضالة التي تبحث عنها الوزارة في مشروعها التدميري للدين الإسلامي الذي سيمكّن المملكة المتحدة من السيطرة على البلدان العربية وبلدان غرب آسيا”.
وفي عام 1744م تمكنت وزارة المستعمرات البريطانية من جلب محمد بن سعود إلى جانب عبد الوهاب وهمفر وفرضت التعاون بينهم ليستولوا على قلوب الناس وعقولهم، وكانت الوزارة تزود الدولة التي كونتها في نجد، واتخذت من الدرعية عاصمة لها بالمال وتضع لها الخطط فيسير ابن سعود وابن عبد الوهاب وفقها، بحسب ما ورد في الكتاب.
نشأت المملكة السعودية بدعم بريطاني فكان لأراضيها دور في الحرب العالمية الأولى والثانية ودور في إنشاء الكيان الصهيوني، وفي ستينيات القرن الماضي قررت المملكة المتحدة مغادرة البلدان العربية بعد هزيمتها ورحيلها من جنوب اليمن وعدد من البلدان، ليبقى في ساحل عمان جزء منها أنشأ ما تعرف اليوم بالإمارات، فيما سلمت بقية البلدان كالسعودية والكويت وقطر للولايات المتحدة الأمريكية.
وفي تسعينيات القرن الماضي فرضت أمريكا تواجداً عسكرياً في السعودية وبعض بلدان المنطقة بذريعة استعادة الكويت في ما عرفت آنذاك بحرب الخليج، فأسست قواعدها العسكرية واستباحت الأرض العربية دون أي ردة فعل من القيادة السعودية.
بعد ذلك أسست أمريكا قواعد عسكرية بأسماء أمراء المملكة كقاعدة خالد وقاعدة الملك فيصل وغيرهما لتصبح المملكة السعودية أكبر دولة عربية تضم قواعد عسكرية أمريكية وأكبر بلد مستورد للأسلحة في العالم.

إمارات صهيونية

وفي المقابل، وبعد مغادرة بريطانيا أهم مركز لها في المنطقة العربية المتمثل بباب المندب، وما يشكله هذا الممر الدولي الكبير من ثقل اقتصادي كان عليها أن تبحث عن بديل وإن كان لا يرقى إلى مستوى باب المندب في اليمن، فاتخذ جنودها من ساحل عمان مركزا لهم، غير أن سمعتها السيئة المرتبطة بالاحتلال دفعها للمغادرة بعد تأسيس ما تعرف بالإمارات العربية المتحدة وتنصيب حكاماً عربا عليها على طريقة تنصيب ابن سعود. كان ذلك في عام 1971، وهو العام الذي اتحدت فيه الإمارات السبع مكونة دويلة الإمارات.
كان الكيان الصهيوني الذي أنشأته بريطانيا في أرض فلسطين لا يزال منبوذا من الشعوب العربية التي تقدم التبرعات ومختلف الدعم للمقاومة الفلسطينية ما جعل الكيان في صراع مستمر مع الرفض العربي والحرب الفلسطينية غير المتكافئة. وهو ما جعل القيادة الصهيونية العليا تلجأ إلى تقديم نماذج عربية في التطور والتقدم على المستويات العلمية والمعرفية والاقتصادية والمعيشية والبنية التحتية، فكانت الإمارات البلد الأنسب ليكون الطعم العربي.
وعند تسليم بريطانيا المنطقة لأمريكا في تسعينيات القرن الماضي، أنشأت الأخيرة قاعدة عسكرية في الإمارات، لتصبح اليوم ثاني بلد بعد السعودية يضم أكبر عدد من القواعد الأمريكية، وفيها نحو 17 ألف جندي أمريكي، كما أنها ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم رغم أن عدد سكانها الأصليون لا يصل إلى مليون مواطن.
كما أصبحت الإمارات – خاصة إمارتي دبي وأبو ظبي – مركزًا إقليميًا ودوليًا لاجتذاب اللاعبين الكبار في مجال الإعلام العالمي مثل رويترز، وسي أن أن، وسوني، وفوكس.. وفي المقابل تفرض سياسة واحدة على تلك الوسائل، تخدم السياسة الأمريكية.

مركزا للجيوش

في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 كانت دول الخليج بما فيها السعودية والإمارات مركزا لتحريك الجيوش الأمريكية باتجاه بغداد، كما كانت مطارات عسكرية للطائرات الحربية الأمريكية. ومثل ذلك كانت بالنسبة للحرب على سوريا، والعمليات العسكرية السرِّيَّة في اليمن بذريعة محاربة القاعدة.
بالنسبة لما أسمِّي بالتحالف العربي على اليمن كان الأمر مختلفا، حيث يأتي في الوقت الذي وصلت فيه أمريكا إلى قناعة مطلقة من عدم جدوى معاركها العسكرية مع الشعوب في كافة أنحاء العالم من تحقيق الأهداف التوسعية، فكانت النتيجة أن تدفع بالسعودي والإماراتي إلى معركة تؤمن بحتمية خسارتها أمام الشعب اليمني.
لم يكن الأمريكي بمعزل عن العدوان على اليمن بل كان المخطط والأمر الناهي في كل تحركات على الأرض أو هجمات جوية أو بحرية، بينما كانت القيادة السعودية والإماراتية الجنود الطائعين لأوامره. لقد طالت الحرب على اليمن عن ما كان مخطط لها من قبل واشنطن وتل أبيب؛ ما جعل نتائجها تأتي عكسية، وخشية من الهزيمة التي قد تلحق بنماذج إسرائيل المثلى في المنطقة حاول الإسرائيلي تشتيت الأنظار عن المعركة بتصعيد وإبراز ملامح التطبيع بينه وبين الإمارات والسعودية سواء من خلال المناورات العسكرية أو الاستثمار المتبادل أو الاستضافات في إكسبو والبطولات الرياضية وحفلات الزواج والسياحة.
في أولى سنوات العدوان كان الإسرائيلي لا يزال حريصا على الإمارات كنموذج للتطور، ما دفع الإمارات بإيعاز منه إلى إعلان الانسحاب من العدوان عقب أول عملية قصف تعرت له أراضيها، وإن كانت قد ظلت بصفة غير رسمية، لكنها عادت للتصعيد مجددًا مع إدراك الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية أن سياستها فاشلة وتلوح لها خسارة الرهان على اليمن، لتعود مع ذلك الهجمات اليمنية المضادة.

أعاصير يمانية

ومع كل عملية إعصار يمنية يدرك الإسرائيلي والأمريكي أن المشروع الذي يعمل على بنائه منذ سنوات قارب على الزوال، الأمر الذي يثير حفيظته فيخرج على إثر ذلك منذرا بالوعيد ومطمئنا عملائه في السعودية والإمارات بوقوفه إلى جانبهم ودعمه المستمر من خلال صفقات الأسلحة وتعزيز سبل الحماية وإرسال مزيد من الجنود وبناء القواعد الجديدة في أراضيهما.
عقب عملية إعصار اليمن الثانية التي استهدفت قاعدة الظفرة الأمريكية في دويلة الإمارات أجرى رئيس الكيان الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ زيارة إلى أبو ظبي؛ لطمأنة محمد بن زايد بوقوفه إلى جانبه، غير أن العملية اليمنية الثالثة لم تترك له فرصة ليزرع الثقة في نفسه بل دفعته للاختباء في أحد الملاجئ هناك، ثم مغادرة الدويلة خلال ساعات.
وقتذاك رأت أمريكا أن قاعدتها الصغرى في ساحل عمان غير آمنة فبادرت بإرسال ما تعرف بالمدمرة “يو إس إس كول” لفئة المدمرات “أرلي بيرك” التي دخلت الخدمة في تسعينيات القرن الماضي.
التحرك الأمريكي الأخير في الإمارات يعيد في الأذهان ما حدث بعد استهداف القوات المسلحة اليمنية في الـ 14 من سبتمبر 2019 منشآت أرامكو الاستراتيجية في بقيق وخريص السعوديتين، حيث أعيد نشر القوات الأمريكية وإضافة قوات جديدة في منطقة الخليج بذريعة “ردع” أي هجوم إيراني”.

دولتان أم قاعدتين عسكريتين؟

إن الضجيج الأمريكي الذي يعقب العمليات اليمنية في الإمارات أو السعودية يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك على عدد من النقاط، أبرزها أن الأمريكي هو صاحب القرار الأول وهو الطرف الآخر من المعركة في مقابل اليمنيين، كما يؤكد ان ما بني من مجد خلال العقود القليلة الماضية في أرض نجد والحجاز وساحل عمان ليس سوى مشاريع أمريكية تهدف إلى إغراء شعوب المنطقة بالسير على نهج آل سعود وآل زايد إذا ما أرادت تحقيق ذلك.
إضافة إلى ذلك، فإن تاريخ نشأة السعودية – الذي لا يتجاوز المئة عام والإمارات الذي لا يتجاوز الأربعين عام – يجعلنا نفترض أن هاتين الدولتين إنما أنشأتهما بريطانيا ليكونا قاعدتين عسكريتين تتحكم من خلالهما الرأسمالية بالعالم؛ خاصة وهما يمثلان مساحة واسعة من الجزيرة العربية التي هي قلب الكون، وما يدعم تلك الفرضية أن نشأة السعودية أعقبت الحرب العلمية الأولى ونشأة الإمارات أعقبت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي.
ومن خلال مراجعة الدور الذي لعبته السعودية والإمارات وغيرهما من دويلات الخليج في خدمة القرار الأمريكي وتحقيق أهداف الإمبريالية سواء في ما عرفت بحرب الخليج أو غزو أفغانستان أو الحرب العراقية الإيرانية أو غزو العراق، أو من خلال العدوان على اليمن، فإن ذلك يقطع الشك باليقين ويؤكد الفرضية القائلة بأن مملكة آل سعود وإمارات أبناء زايد ليستا دولتين ذات سيادة، ليكون لهما حرية اتخاذ القرار الصائب، بل هما قاعدتان أمريكيتان أُسستا لاستهداف المنطقة العربية والبلدان الإسلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى