أحدث الأخبارلبنان

الإمام موسى الصدر: الثائر الشهيدُ الحيُّ !!

مجلة تحليلات العصر الدولية

لندن – د. أحمد الزين – السبت 29-08-2020:

في الذكرى السنوية الثانية والاربعين لرحيل امام الوطن والمقاومة السيد موسى الصدر، أقف حائرا منكسرا مغلوبا مغلولا مفكرا بهول مؤامرة خطفه والغدر تغييبا، والتي غدت قضية وطنية ومأساة إنسانية طال أمدها لغزا وسرابا، كيف أرثيك وفاءً واليد تهتز تعصيبا، والكلمات تتناثر رجوعا وأيابا، والحروف تتبعثر غيظا وغضبا، والعين تبكيك دمعا ودما ونحيبا، والقلب يعصر حزنا وألما رهيبا، تسليما بقضاء خطفك وسجنك ورحيلك عنا مكتوبا، وقد مضيت شهيدا سعيدا (شهيد الولاية برأي المرجعية العليا) في جنات ونعيم و{حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا}، لأنك كنت للظالم مرصادا وللطغاة صلبا.
سيدي.. بذكراك أقف لأشكو الله تعالى حال أمُتنا المقطعة الإرب، المنقسمة مِنْ كلِّ حدب وصَوْب، وبلداننا المتناحرة بالرهب والحرب، وحال إنساننا ومحبيك المحرومين ومظلومية المستضعف المعذّب، كما أشكوك على من ضيّع أرثك سياسة وخطب، والأمانة ما رعوها حق رعايتها فباتت سلطة وجاه ومركز وزعامة وأعجب، ومشروعك الالهي تقزّم الى زعيم ووزير ونائب وأغرب، من لا يعلم أنك وريث الانبياء وسلالة الطهر النبي محمد (ص) أقرب.. والثائر كجّدك الحسين (ع) على الظلم والجور مقدام أواب، وانك “غاندي” لبنان و”مارتن لوثر” الراهب، والناصر كـ “ناصر” مصر والعرب، وقدوة الثاثرين والمقاومين والنخب، ويحكم كيف تجرأتم على إخفاء ملف الحقيقة والمصير والنسب.
سيدي.. الدهر ارهقنا وهرمنا والظهر مال أحدب، 42 عاما مضت ولا زال من بيده الامر والنهي علينا يكذب، بانك حيٌّ بجسدك ولحمك الرّطب، وانك لا تزال مسجونا قابعا بالصحراء مغيّب، الم يعلم بان الموت حقٌ حتى يستهزأ بنا ويلعب، يستجهل وعينا ويستخفف بفكرنا ويسلب منا العقل والفهم واللبّ، أنت الصدر وقطب الاقطاب والبدر في السماء كشُهب، وانت من علمتنا فقه المنطق وعلم الأصول والأداب،عجبا كيف قُسّم إرثك حفلا للموائد وحقلا للنهب، تحت عباءتك الثروة تكدست والقصور بُنيت والنصب.. وطبقة المحرومين ازدادت فقرا ومالهم نضب، والظلم والفساد طغى والرهب، (صدقت القول: “تجار السياسة في لبنان كرسي وشهرة ومجد وتجارة وعلو في الأرض وفساد..”) وأصعب، غبت سيدي وغاب معك الإرث والقدوة والقيم والأدب، ولم يبقَ من حركة المحرومين وافواج الموج الهادر الا البكاء واللطم والندب..
نعم، مضى السيد الصدر شهيدٌا حيّاٌ في نعيم الجنان، وبقي حيّا فينا بإرثه وخطه ونهجه وتفانيه للإنسان، وحيٌّا ساكنا في وجداننا وضمائرنا وعقولنا وقلوبنا والكيان، وحيٌّا في علمه ومواعظه وخطبه الدينية لتوعيته على الإيمان (والقائل: للإيمان بعدين: بعد نحو السماء وبعد نحو الإنسان)، وحيٌّا ماثلا في مواقفه الانسانية لنصرة المحروم والمغلوب آن، ونبذ الظلم والحرمان لأي طائفة او مذهب كان، حيّا في كل بذرة زرعها لإحياء ثقافة المقاومة ضد المحتل الصهيوني لارضنا مما أثمر عزة وكرامة والنصر والعنفوان (والقائل: الوطن يحفظ بالجهاد والكرامات تحفظ بالشهادة)، حيٌّا مع نهضة المؤسسات التربوية والمهنية والجمعيات الشبابية والنسوية لتكون الدرع والامان، وكل مشاريع الانتاج والتنمية والانماء التي أنعشت المجتمع والإنسان، حيٌّا في ندواته ومحاضراته لتقريب المسافات بين المذاهب والطوائف والبلدان، حيّا في أفكاره النيرة التي بثت روح التعايش والوحدة والمحبة والتسامح والغفران، (والقائل: إنّ المسيحيين هم إخوان لنا في الوطن وفي الإيمان)، حيٌّا في تعاليمه لحبّ الوطن ووحدة أبنائه ولبناء الدولة القديرة العادلة كسائر البلدان، (والقائل: لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه سيد حرّ)، حيٌّا في سيرته الوطنية الجامعة التي علمتنا معنى المواطنة والتضحية والشهادة للدفاع عن الوطن والارض والانسان، (والقائل: السلاح زينة الرجال)، حيّاٌ بخطته واستراتيجيته وسعيه الدؤوب لوحدة العرب والمسلمين والمسيحيين سيّان، وإندفاعه الدائم للذود عن القدس الشريف والقضية الفلسطينية رافعا شعاره البيان: (إسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام.. عيشنا دون القدس موتٌ وذلّ وهوان).
سيدي.. رحم الله روحك الطاهرة وغفر لك، واستميحك عذرا اذا قصرنا في نصرتك وتحريرك من سجّانك، أو اجحفنا بقيمة قدرك وكرم عطائك، واذا فرطّنا بالامانة والإرث والقيم، وإجحدنا بحقك ومقامك في مصابك وترحالك ورحيلك..
والسّلام عليك سيدي وإمامي يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّا..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى