Uncategorized

الاحتلال الإيراني

مجلة تحليلات العصر الدولية - بقلم علي خيرالله شريف

أَمَّا نَغمَتُكُم عَمَّا تُسَمُّونَهُ “الاحتلالَ الإيراني”، فَهِيَ نَغمةٌ مَمَجُوجَةٌ وَكَاذِبَةٌ وَكُلُّهَا افتِراءٌ وَتَجنٍّ وَسَفسَطَة. لَقَد أضحَى لُبنانُ مَرتَعاً لاحتِلالاتٍ عَديدَةٍ، تَشتَرِكُ فِيهَا دُوَلٌ كَثيرَةٌ، إِلّا إيران. وهذه الاحتلالات تُبَعثِرُ بِهِ وَبِمُحتَوَياتِهِ وَبِأَمنِهِ وَاستِقرارِهِ وَاقتصادِه، وَتعبَثُ بِشَعبِهِ، وَتَتَّخِذُ الكَثيرينَ مِنكُم غِلمَاناً وَإِماءَ وَمَحارِمَ “تواليت”(كَما قالَت صَحيفةُ عُكاظ السعودية). وَهذِهِ الاحتِلالات تُناصِبُ العَداءَ لِكُلِّ مَن لا يَخضَعُ لَها مِنَ الشَعبِ اللُبناني، وفي مُقَدِّمَتِهِم ح. الله وَكُلَّ الشُرَفاءِ مِن كُلِّ الطَوائِفِ والاتِجاهات.

فالاحتِلالُ السَعُودِي مَثَلاً، يا دَولةَ الرئيس، هُوَ الذي خَطَفَ سَلَفَكَ المِسكين سعد الحريري وأهانَهُ وأجبَرَهُ على الاستقالة ويُقالُ أنَّهُ أشبَعَهُ ضَرَبَاً. وهو الذي فَرَضَ على لُبنانَ إِقالةَ وَزيرَين. وَهوَ الذي شَتَمَ رئيسَكَ، ويرفُضُ الكلامَ معك. وهوَ الذي نَصَبَ خَيمَتَهُ البَدَوِيَّةَ في وَسَطِ بَيروتَ لِإِذلالِ الزاحِفِينَ إلَيها، وإنتِهاكِ السيادَةِ الوَطَنِيَّةِ بِها. والاحتلال السَعُودِي، هُو الذي فَعَلَ ما لا تَتَّسِعُ الصفحاتُ لِذِكرِه.

فَهاتِ أَخبِرنا ماذا رَأيتَ مِن إيران مِمَّا يجعلُك تُسَمِّيهِ احتلالاً إيرانياً؟

يا دَولَةَ الرئيس، نَقولُ لَكَ ولِكُلِّ وَسائلِ الإِعلامِ الَـمَشبوهَةِ والـمَأجُورَةِ، إِنَّ ح. اللهِ وبِيئَتَهُ، لَم يأتوا مِن كُردِستان، ولا مِن أرمينيا، ولا من إيران، ولا مِنَ السُعُودِيَّةِ، ولا مِن أي أرضِ شَتاتٍ أُخرى، بَل هُم لُبنانِيُّون مُتَجَذِّرون في الأرضِ مُنذُ مِئاتِ بل آلافِ السنين، وُجِدوا فيها قَبلَ أيِّ لُبنانيٍّ آخَر، ومَعَ ذلكَ هُم لا يُزايِدون على أحد، ولا يَتَّهِمُونَ أحداً بِلُبنانِيَّتِه، وَلَيسوا عُنصُرِيّين، ولا يَتَبَجَّحون بِفينيقِيَّتِهِم ولا بِقِطعَةِ سَمائِهِم، ويَتَواضَعون، مع أَنَّهُم يَبذُلُونَ الدماء أكثر مِن غيرِهِم لِحمايَةِ وَطَنِهِم ومُواطِنيهِم.

أَمَّا الاحتِلالُ الأَمِيركِي الـمَفضوح، والاحتِلال الفَرنسي “الناعِم والحَنون”، والاحتِلال البريطاني الـمُقَنَّع، والاحتِلالُ السَعودِيُّ التَكفيري، والوصاية الإماراتية الوَقِحَة، يا دَولَةَ الرئيس، فَحَدِّث ولا حَرَج. وللدَّلالَةِ عليها نطرَحُ عليكَ الأسئِلة الآتية:
هل إيرانُ هِيَ التي تَتَدَخَّلُ لِتَعيِينِ حاكِمِ مَصرِفِ لُبنان وَنُوَّابِه؟

هل إيرانُ هِيَ التي تَتَدَخَّلُ لإِقالَةِ الوُزَراءِ والـمُوَظَّفين والرؤساء؟

هل إيرانُ هِيَ التي بَنَت في بيروتَ سَفارَةً بِنِصفِ مَساحةِ العاصِمَة، وأقامَت عليها قاعِدَةً عَسكَرِيَّةً ضَخمة؟
هل إيران هي التي جَلَبَت إلى لبنان طَواقِمَ البلاك وُوتِر، وأَسرابَ الطائِراتِ العَمُودِيَّةِ وأَقامَت، الـمَطاراتِ العسكرية؟
هل إِيران هي التي تُهَرِّبُ عُمَلاءَها وجَواسَيسَها بِكُلِّ حرية وبرودَةِ أعصاب دُونَ أن يعتَرِضَها أحد؟

هل سُفراء إيران هُم الذينَ يَتَجَوَّلُونَ دُونَ كَلَلٍ أو مَلَلٍ بمواكِبِهِم وأَسلِحَتِهِم الخَفيفَة والثَقيلَة، وَيَقطَعونَ الطُرُقات، وَيحفُرونُ الآبار الأرتُوازِيَّة الاستِعراضِيَّة، ويَحُطُّون في أَرجاء الوطنِ بطائراتِهِم العمودية العسكرية، ويصطنعون الثورات، ويُملونَ الفَرَماناتِ على الرئيس والوزير والمدير العام وحَاكِمِ المَصرِف؟

هل إيران هي التي تُصدِرُ وِزارَةُ خزانَتِها الفَرَمَانات والقرارات والقيودَ والحِصارات، على مَن لا يروقُ لها؟
هل إيران هي التي تُرسِلُ مَبعُوثيها إلينا، الواحدَ تِلوَ الآخَر، ولَيلَ نهار، وتفرِضُ علينا خُطوطَهَا الجغرافية لاغتصابِ غازِنا ونفطِنا، لمصلحَةِ عَدُوِّنا، فتُمارِسُ ضُغوطَها الوَقِحَة علينا لِنَتَخَلَّى عَن حُقوقِنا البَحرية والبرية والجوية والمائية؟
يا دَولَةَ الرئيس النجيب، حَدِّث أترابَكَ بما تَعرَفهُ أنتَ وتَتَنَكَّرُ له:إيرانُ، قطعاً هي لا تَحتَلُّ لُبنان، بَل تَدعَمهُ لِأَنَّها لا تَرضَى لَهُ الذُل، ولا وُجودَ لها في لُبنان إلّا عِبرَ دَعمِهَا لَهُ لِيَحمِيَ نَفسَه، وَعِبرَ هَيئتِها الدبلوماسية، والزائرينَ مِن مُواطِنيها، الذين يَدخُلُون عبر القنوات القانونية، بِكُلِّ أدبٍ وسُمُوِّ أخلاق، بينما تَدخُلُ أميركا والسعودية والإمارات وحُلفاؤهم بالوسائِلِ غير الشرعية، وبالـمُخَدَّرات، وبانتهاكِ قوانيننا، بِكُلِّ صَلَافَةٍ وَعَنجَهِيَّة، غيرُ عابِئين بِدولتِنا وقوانِينِنَا وكُلِّ مُؤسَّساتِنَا.

الأمرُ واضِحٌ وُضوحَ الشَمسِ لِكُلِّ ذي بَصَرٍ وبصيرة، ولِكُلِّ مَن لَدَيهِ الحَدُّ الأدنى مِنَ الإنصافِ، ويُريدُ أن يرَى الحَقيقَةَ كَما هِي؛ إيرانُ لا تَتَدَخَّل بأيِّ تَفصِيلٍ مِن شُؤونِ لُبنانَ الداخِلِية، بَل هي تَتَعامَلُ معنا وكأنَّنا سادَةُ أنفُسِنا، فتُخاطِبُنا عارِضَةً علينا الدَّعمَ لِحَلِّ أَزَماتِنا دون قيدٍ أو شرط، ودون إِملاءاتٍ ولا عَنجَهِيَّة، فَتَعرِضُ خَدَماتِها وهِبَاتِها بِكُلِّ أَدبٍ واحترامٍ وَمَحَبَّة. وَأَنتُم يا دَولَةَ الرئيس تَرفُضُون، فَقَط لِأَنَّها مِن إيران، وَلِأَنَّكُم في لُبنانَ مَذهَبِيُّونَ حتى العَظم، ومأجُورون حتى العَظم، وحاقِدون حتى العَظم، وتَحتِيُّونَ حتى العَظم؛ تُحِبُّون مَن يتعامَلُ معكم بِفَوقِيَّة.

إيرانُ قَدَّمَت لَنا تَسلِيحَ الجيشِ بِلا مُقابِل، والكهرباءَ بِلا مُقابِل، ومُعالَجَةَ النِفَاياتِ والتَلَوُّثَ بِلا مُقابِل. إِلا أَنَّكُم رَفَضتُم كُلَّ ذلكَ وَفَضَّلتُمُ العَتمَةَ والوَباءَ والضَعفَ والسِلاحَ الأَمِيركيَّ الصَدِئَ الـمَهجُور، ورَصَاصَاتِهِم الرَطِبَة الـمَعدُودَة، وآليَاتِهِم الـمُستَعمَلَة فاقِدَةَ الصَلاحِيَّة، وَرِينجِراتِهِم البالِيَة، وأَغطِيَتَهِم العَفِنَة.

أيُّهَا الـمُنَظِّرونَ والـمُتَفَلسِفُونَ على وَسائِلِ التَوَاصُلِ وَعَلَى الشاشاتِ الـمَشبُوهَة.
أيُّها الشَتَّامُونَ لِإِيران بِكُلِّ صَفَاقَةٍ وانحطاطٍ وقِلَّةِ أدَب.

إِن لَم يَكُن عِندَكُم وَطَنِيَّة، فقليلاً مِنَ الحَيَاء. تَوَقَّفُوا عَلَى الأَقَلِّ عَن بَثِّ السُّمُومِ وَدَسِّ الفِتَنِ وَإشاعَةِ الكَذِبِ والبُهْتانِ بِحَقِّ الدَولَةِ الـمُستَقِلَّةِ الحُرَّةِ الوَحِيدَةِ في هَذا الشَرقِ التي تَقِفُ إِلى جانِبِكُم بِلا مُقابِل، والتي تُريدُكُم أَن تَكُونُوا مِثلَهَا أَحراراً، وَلا تَرضَى لَكُم الذُل، بَل العِزَّةَ والكَرامَةَ والكِبرِياء.. وَلكِنَّكُم للأَسَف تُصِرُّونَ عَلى الرُكُوعِ والخُنُوعِ والتَذَلُّلِ تَحتَ أَحذِيَةِ مَن يَستَخِفُّ بِكُم ويُذِلُّكُم ويَنهَبُكُم ويَسخَرُ مِنكُم.

أما إذا كُنتُم تعتبرون ح. الله الذي يُمَثِّلُ أَوسَعَ شَريحَةٍ مِنَ الشَعبِ اللُّبناني، هُوَ بِحَدِّ ذاتِهِ وُجوداً إيرانياً، لأنَّ إيرانَ تَدعَمهُ لِحِمايةِ لُبنانَ مِن أخطارِ الكَون، فَإِنَّ لَنا حَديثاً آخر: مَع كُلِّ افتِخارِنا بِصداقَتِنا بِإيران التي تَحتَرِمُ شَعبَها أَكثَرَ مِمَّا تَحتَرِمُونَ أَنتُم أَنفُسَكُم وشُعوبَكُم، لَن نَتَواضَعَ بَعدَ اليوم، وَلَن نَخجَلَ أَنْ نَقولَ يا لَيتَ دَولَتَنا مثل إيران، بِعِزَّتِها وعِزَّةِ نَفسِها، وَنَحنُ لبنانيون أَكثَرَ مِنكُم، وَقبلَكُم بزمنٍ يَفوقُ تَصَوُّرَكُم. وَنَحنُ نَحمِي لُبنَانَ دائِماً في الوَقتِ الذي أَنتُم تَهرُبونَ مِنهُ كُلَّمَا تَعَرَّضَ لِلأَذَى، وتُفَضِّلونَ مَصالِحَ دُوَلِ الخارِجِ على مصالِح لبنان، بَل وَتَتَعامَلُونَ مَعَ العَدُوِّ ضِدَّ وَطَنِكُم(إن كُنتُم تَعتَبِرونُه وطَنَكُم)، وهذا يُعتبرُ بالمفاهيم الوَطَنِيَّة والقَوانين الدَولِيَّة خِيانَة عُظمى.

إِنَّ كُلَّ نُقطَةِ دَمٍ سَقَطَت مِن شَهيدٍ أَو جَريحٍ مٍن ح. الله، هِيَ أَشرفُ مِنْ أَشرَفِكُم. وَإِنَّ كُلَّ حِذاءِ مُقاوِم يُرابِطُ عَلى الثُغورِ، وَيُعاني مِنَ البَردِ القارِسِ وَالحَرِّ الحَارِق، لِحِمايَةِ الوَطَن، بَينَمَا أَنتُم تَتَقاعَسونَ وَتَتَسَكَّعُونَ في الـمُنتَزَهاتِ والبارات وفي السَرِقاتِ والسَمْسَرات، هُوَ أَطهَرُ مِن أَطهَرِكُم، مَهما تَعَملَقَت شرَكِاتُكُم التجارية، وَمَهما انتفخت حساباتُكُم الـمَصرِفِيَّة، واستطالت أَذرُعُكُم إلى داخِلِ خِزينَةِ الدولة وجُيوبِ المواطنين، ومهما عَبَثتُم بمصير البلاد والعباد.

وأَكثرُ مِن ذلك نَقول، لقد طَفَحَ الكَيلُ مِنكُم وَبِكُم، وأنتُم تَزدادُونَ وقاحةً كُلَّما ازدَدْنا تَوَاضُعاً، وَصَدَقَ بِكُمُ الشاعِرُ إذ قال في عَجزِ بَيتِهِ الشِعري “وَإِن أَنْتَ أكْرَمْتَ اللَّئيمَ تَمَرَّدا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى