أحدث الأخبارالاقتصاد

الاقتصاد الإلكتروني والعالم الجديد!

مجلة تحليلات العصر

بقلم: أشرف شنيف

أتى الانهيار الاقتصادي العالمي بسبب فيروس كورونا ليكون المرحلة الرسمية لتدشين عصر الاقتصاد الإلكتروني في العالم، وسيتبع ذلك التحول عالم اقتصادي جديد تقوده الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق “وادي السيلكون” مهد التكنولوجيا في أمريكا والعالم، ومنه تمتد للهيمنة المالية والثقافية مع هيمنها السياسية والاجتماعية التي بدأت مبكرا مع تفشي إستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مع ثورات الربيع العربي في 2011.

كانت المؤشرات عديدة وكثيرة عن بدء تلك الحقبة التي لطالما حلمت بها السينما الأمريكية منذ ستينات القرن الفائت عبر تقنيات عديدة لتصل الحياة العامة إلى قمة التكنولوجيا باستخدام الربوتات والأجهزة الذكية والسيارات ذاتية القيادة لتصل إلى حد الطيران وغيرها من الأحلام التي صار بعضها واقع بفضل الثورة الصناعية الرابعة “إنترنت الأشياء” والجيل الخامس للإنترنت فائق السرعة، والتسوق الإلكتروني والعملات الرقمية والهواتف الذكية وسيارات تسيلا ذاتية القيادة… إلى آخره.

إن ازدهار شركات تقنية المعلومات والتجارة الإلكترونية والتواصل الاجتماعي في “وادي السيلكون” بالولايات المتحدة الأمريكية أمام كل شركات العالم سرعت خطوات الإنسانية نحو الحياة الافتراضية العالمية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، بهدف الوصول للاقتصاد الإلكتروني والاستفادة المادية بمعادلة جديدة قائمة على التكنولوجيا، وتصير الولايات المتحدة الأمريكية بذلك هي المهيمنة على الاقتصاد العالمي القادم بسبب هيمنتها على التقنية، لتتخلص من أرق منافسة الصين الاقتصادية لها.

فكما هو معلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المسيطرة في مجال التكنولوجيا عالميا تليها الصين بفرق شاسع، فأكبر شركات في العالم من حيث رأس المال والأرباح والانتشار هي شركات التقنية والتكنولوجيا والتسوق الإلكتروني والتواصل الاجتماعي في مقدمتها شركات أبل وميكروسوفت وغوغل وأمازون وفيسبوك من الولايات المتحدة الأمريكية، تليها شركات علي بابا وتنسنت للتقنية الصينية، وهذا التنافس ينعكس أيضا في مجال سوق الهواتف الذكية بين الشركات الأمريكية والصينية، وكان من ضمن أسباب الحرب التجارية الامريكية على والصين هو “الملكية الفكرية”.

في نفس السياق، نجد إن من العجيب “تكهن” مؤسس شركة ميكروسوفت التقنية الملياردير بيل غيتس بانتشار وباء عالمي -شبيه بما جري حاليا مع فيروس كورونا- ومن الأعجب أن نجد هذا الوباء يسهم بزيادة أرباح شركات التكنولوجيا والتسوق الإلكتروني والتواصل الاجتماعي ليضرب بنفس الوقت شركات النفط “المنافسة” لشركات التكنولوجيا والتسوق الإلكتروني والتواصل الاجتماعي في ريادة الاقتصاد العالمي. فتستغل شركات التقنية الهلع العالمي والتركيز الإعلامي من إنتشار الفيروس لرفع قيمة أسهمها وأرباحها لتعزز ريادتها للاقتصاد الأمريكي والعالمي، كما ستستغل الهاجس العالمي الآخر المتمثل في الاحتباس الحراري بسبب الانبعاثات الكربونية بغرض الترويج للطاقة المتجددة -وهي أحد مجالات التكنولوجيا- كبديل عن الطاقة التقليدية المستهلكة للمشتقات النفطية ذات الآثار السلبية على البيئة، وكذلك الحال من الانبعاثات الكربونية من الطائرات والسيارات ووسائل النقل المختلفة بصورة عامة، وهذا سيؤدي لإحلال التكنولوجية مكان الوقود الأحفوري لتخفيض تكلفة الطاقة والحد من الانبعاثات الكربونية فتكون أكثر جذبا وتألقا، وبذلك عملت على خلق احتياجات ورغبات جديدة للمستهلكين ليزداد الطلب عليها وتزداد تلك الشركات التكنولوجية انتاجا وترتفع إيراداتها، وبذلك تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصاد العالمي ومنه الهيمنة السياسية عبر تقنية أفضل وأسهل وأرخص وملائمة للبيئة..

لقد طالبت الدول العظمى في مقدمتها الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا بضرورة إصلاح النظام العالمي المالي بإلاضافة إلى المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية، فقدمت الولايات المتحدة هذا المشروع الشامل “الجذاب” والذي تحكم السيطرة عليه، لتعيد إنتاج نظام عالمي جديد تهيمن عليه أيضا!
فهي المهيمنة على السياسة والحياة الاجتماعية بوسائل التواصل الاجتماعية، وعلى الاقتصاد الإلكتروني والتجارة الإلكترونية عبر التسوق الإلكتروني وأسواق التداول، وعلى المعلومة عبر السيرفرات العملاقة فهي بنك معلومات العالم، وبيدها الأدوات التي ستمكنها من السيطرة المالية والنقدية على التداول والدفع الإلكتروني بالعملات الافتراضية والحسابات الإلكترونية، وبذلك نكون أمام حقبة اقتصادية وسياسية ومالية ونقدية عالمية جديدة تختلف عن حقبة “بريتون وود” التي أتت عقب الحرب العالمية الثانية، وستكون كل دول العالم متخلفة ومبتدئة في تلك المعادلة القادمة باستثناء الصين التي تحل ثانيا بفرق شاسع، لتبدأ التسلق من جديد في الاقتصاد الرقمي كما تسلقت سابقا، وستبدأ الدول الأوروبية من الصفر حتى تكون رقم يستحق الذكر أمام قدرات أمريكا التي ذكرت.

ومن هنا يتضح لنا مقدار الدقة والدهاء التي تتمتع به الإدارة الأمريكية أمام سلبية باقي الأنظمة العالمية الأخرى ومشاريعها العالمية، فالصين تقدمت عام 2013 بمبادرة طريق الحرير التي حاولت تسويقه لعالم متعاون ومتشارك سياسيا واقتصاديا وماليا ونقديا، ولقد واجهته أمريكا بكل قوتها السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية ونجحت في عرقلته، وقامت حاليا بفرض رؤيتها على أرض الواقع، ولازلنا حتى اللحظة نشهد مرحلة المخاض للنظام العالمي الجديد، فإن نجح المشروع الأمريكي فإنه سيكون الإصدار الجديد، وسيحتاج إلى تعديل وتطوير باستمرار حتى ينضبط الإيقاع العام لهذا النظام العالمي الجديد الشامل.

 

  • الآراء المطروحة تمثل رأي كاتبها ولا تمثل رأي المجلة بالضرورة.

 

  • تستطيعون أيضاً المشاركة بأرائكم وتحليلاتكم السياسية :

خطأ: نموذج الاتصال غير موجود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى