أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

الاقتصاد اليمني .. ضمن أجندة الرؤية الوطنية

مجلة تحليلات العصر الدولية - أمين النهمي /مجلة يمن ثبات

 

يشكل الاقتصاد عصب التنمية وأساس التنمية الشاملة والمستدامة للدول؛ لما له من أهمية كبيرة في البناء والنهوض بالمجتمع، لكن ذلك لم يحدث في اليمن خلال عقود مضت، وما إن نجحت ثورة الــ 21 من سبتمبر 2014م في تحرير اليمن من الوصاية والعمالة والهيمنة الاقتصادية، حتى سعى العدوان ومنذ الوهلة الأولى إلى استهداف لقمة العيش للمواطن اليمني، وتدمير البنية الاقتصادية من خلال تعطيل البنك المركزي، ونقله من صنعاء إلى عدن، وتجفيف منابع الإيرادات، وطباعة المليارات من العملة الجديدة بصورة مستمرة دون أي احترازات اقتصادية، وسحب العملة الأجنبية من الأسواق، والمضاربة بها، وإيقاف المرتبات، فضلا عن تدمير البنية التحتية، واستهداف المنشآت الاقتصادية من شركات ومصانع وصوامع غلال، وفرض القيود المختلفة على الصادرات الزراعية والحيوانية، وتعطيل حركة الصيد وصادرات القطاع السمكي، وفرض حصار خانق على أبناء الشعب اليمني.

الاكتفاء الذاتي وبناء الاقتصاد:

وفي تشخيص استراتيجي فريد، يؤكد السيد القائد «عبد الملك بدر الدين الحوثي» -يحفظه الله- في خطابه بمناسبة جمعة رجب 1441هـ، أن “اليمن لا بُدَّ له أن يكون مستقلًّا مهما بلغت التضحيات”، وأن الأعداء لا يريدون أن تكون هذه الأمة أمة قوية، مركزاً على الواقع الاقتصادي في أن تصبح الأمة مُجرد سوقًا استهلاكية للآخرين، وأن تستورد كل شيءٍ من الخارج، وذلك من حرصهم الشديد على جعل الأمة رهينةً للاعتماد في كل شيءٍ على الخارج، وأن تكون سوقاً لا أقل ولا أكثر، فهم لا يسمحون أن تمتلك هذه الأمة المعرفة، والعلم، والإنتاج، وأن تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي، وتكون قويةً بكل ما تعنيه الكلمة في اقتصادها، ناهيك عن قيامهم بنهب الطاقة بشكلٍ خام، من النفط، والمعادن، وكل الخيرات، واستغلالها والاستفادة منها.

«يدٌ تبني… ويدٌ تحمي»:

تصدر الجانب الاقتصادي أولويات القيادة الثورية والسياسية، فكان الإعلان عن إطلاق الرؤية الوطنية كضرورة ملحة؛ ترجمة واستكمالا للمشروع الوطني الذي أعلنه الشهيد الرئيس «صالح علي الصماد»-رضوان الله عليه- في خطابه بمناسبة مرور ثلاثة أعوام للصمود في وجه العدوان، وذلك لإيجاد اقتصاد متنوع يسرع من تحقيق التعافي، ويقوم على الاستثمار الفعال للموارد الطبيعية والبشرية، ويدعم تحقيق الاكتفاء الذاتي.

الدفع بالقطاعات الإنتاجية المحلية:

حددت “الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة ” معايير مهمة للدفع بالقطاعات الإنتاجية المحلية في مختلف المجالات للإسهام في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الثقة بالاقتصاد اليمني؛ بهدف تحقيق استقرار اقتصادي مستدام يساعد على رفع الثقة بالاقتصاد الوطني، ويؤدي إلى التعافي، ويرفد التنمية والصمود وتعزيز دور قطاع الصناعة لقيادة الاقتصاد الوطني بالتركيز على مجالات صناعية تنافس على المستوى الإقليمي.

قرارات اقتصادية مهمة:

في الخامس من يناير الماضي أصدر الرئيس «مهدي المشاط» جملة من القرارات الاقتصادية, عدّها مراقبون قرارات استراتيجية ستغير من السياسة الاقتصادية للجمهورية اليمنية، وستعمل على إحداث نقلة نوعية على المستوى الاقتصادي لليمن, وقد تمثلت في إعفاء صغار المكلفين من الضرائب وإعفاء المشاريع الصغيرة والأصغر من كل أنواع الضرائب، وإعفاء مدخلات الإنتاج الدوائي من كل أنواع الرسوم، بالإضافة إلى الإعفاء الجمركي والضريبي للسيارات والمعدات التي تعمل بالطاقة الشمسية أو الكهرباء، وكل مدخلات واستثمارات الطاقة المتجددة من الرسوم كافة، وتوجيه الحكومة بسرعة تشكيل “اللجنة التحضيرية لتأسيس بنك وطني يُعنى بدعم الصادرات الزراعية والصناعية ودعم نشاط تسويقها”، والتي تأتي في سياق الإسهام في دعم وخفض كلفة الإنتاج على المزارعين وأصحاب المشاريع المتنوعة في عموم محافظات الجمهورية اليمنية، وكذا توجيه حكومة الإنقاذ بالقيام بمراجعة كل القوانين وتقديم التعديلات للبرلمان لإقرارها، إذ تهدف هذه الإجراءات إلى شرعنة وقوننة ما تم اتخاذه من قرارات اقتصادية، كما تهدف إلى إصدار قوانين أو تعديل قوانين سابقة تركز على حماية المنتج الوطني من المنافسة الخارجية.

خطة الإنعاش الاقتصادي:

وفي السياق ذاته، وفي يناير الماضي دشنت اللجنة الاقتصادية العليا المرحلة الأولى من البرامج الوطنية التنفيذية لإنعاش التعافي الاقتصادي 2020م، وفقاً للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة «يد تبني ويد تحمي»، وتهدف إلى نقل اليمن من حالة الفقر والبطالة والتخلف الإداري وتباطؤ التنمية والعجز المالي إلى واقع آخر يلبي تطلعات وآمال كل أبناء الشعب اليمني في حياة يسودها النماء والاستقرار والاكتفاء الذاتي.

عشرة برامج تنموية:

تضمنت المرحلة الأولى من الخطة عشرة برامج تنموية هادفة, يتصدر الإصلاح الإداري الشامل مرتبتها الأولى، باعتباره ضرورة ملحة من أجل تصحيح قاعدة البيانات الوظيفية وإنهاء حالات الازدواج الوظيفي، وتوحيد نوافذ التوظيف المتعددة، وحصرها في نافذة واحدة؛ لإيجاد قاعدة بيانات صحيحة ودقيقة وشاملة لموظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري، بالإضافة إلى تحديث البنية التنظيمية لمؤسسات الدولة وتوصيف مهامها بهدف إزالة التضخم الوظيفي، والإسهام في زيادة فاعلية أداء المؤسسات.

فيما يأتي برنامج تعزيز كفاءة المالية العامة، ثانيًا من حيث الأهمية؛ لارتباطه بمكافحة مظاهر الفساد بأنواعه وأساليبه المختلفة، وتطوير أساليب تحصيل الإيرادات العامة للدولة بما يخفض من كلفة تحصيل الإيرادات، وإنهاء التحصيل البدائي الذي أثبت عدم كفاءته, وكذا تطوير سياسات وأدوات إعداد الموازنات، والرقابة على الحسابات المصرفية الجارية لوحدات الخدمة العامة والمختلطة، وتطوير آليات الرقابة على تنفيذ الموازنة العامة للدولة والوحدات الاقتصادية؛ لتعزيز مبدأ الشفافية لإيرادات ونفقات الدولة, ويأتي برنامج تطوير أدوات العمل المصرفي ثالثًا، ويهدف إلى زيادة عدد برامج التمويل الإسلامي وفق آليات حديثة وموضوعية، وضبط إدارة ميزان المدفوعات، وتنظيم سعر الصرف؛ للحفاظ على الكتلة النقدية من النقد الأجنبي من الاستنزاف، والحفاظ على القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وتدعيم الصادرات واستدامتها .

وتناولت الخطة برنامج تأهيل وتدريب القوى العاملة، باعتبار الكادر البشري أهم ثروة، وإعادة تأهيل تجهيزات المعاهد والكليات الفنية والمهنية القائمة؛ لكي تتواءم مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل، وإعداد استراتيجية وطنية للتعليم الفني والتدريب المهني؛ لتوفير بيئة تعليم مهني مشجعة، وتطوير المناهج، وبناء كادر علمي قادر على التدريب بأساليب عصرية؛ لضمان مخرجات تخدم مسار التنمية. كما ركزت الخطة على الجانب الاستثماري، وتعزيز فرص الاستثمار في مختلف القطاعات، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص؛ لأجل تشغيل رأس المال الوطني، و توفير فرص عمل للعاطلين، والحد من معدلات الفقر والبطالة. كما تطرقت خطة الإنعاش الاقتصادي إلى برنامج دعم المشاريع الصغيرة والأصغر، وإنشاء مؤسسة ضمان القروض، وإطلاق استراتيجية وطنية لتنمية ودعم المنشآت المتوسطة والصغيرة والأصغر، وإعادة تفعيل صندوق الفرص الاقتصادية؛ للحد من الفقر والبطالة، وإيجاد فرص عمل للأسر العاطلة عن العمل..

ويحتل برنامج تعزيز معدلات الأمن الغذائي سابعًا، تهدف من خلاله إلى تقليص الفجوة التي تعاني منها اليمن في الأمن الغذائي، ورفع معدلات الإنتاج الزراعي والحيواني، وزيادة كمية ونوعية وجودة الإنتاج الدوائي، وزيادة الإنتاج والتسويق السمكي، وإعادة إحياء زراعة القطن، والتشغيل الكامل لمصانع الغزل والنسيج، وتعزيز إنتاجية الدواجن ومدخلاتها، وزيادة كمية ومساحة إنتاج القمح والحبوب، وزيادة الإنتاج الحيواني، وزيادة إنتاج وتسويق الأسماك والأحياء البحرية، وتخفيض واردات الطاقة المتجددة والبديلة، والاستثمار فيها، وتشجيع الصناعات الدوائية.

ولم تغفل خطة الإنعاش الاقتصادي تنظيم وضبط الموارد المحلية, وضمان تحصيلها, وتوجيه تلك الموارد نحو الاحتياجات المجتمعية والخدمية وزيادة عدد الأيادي العاملة، وإشراك المجتمع في التخطيط والرقابة. كذلك من البرامج التي أشارت إليها خطة الإنعاش توفير احتياجات السوق المحلي من السلع الأساسية، وإدارة وتنظيم الواردات من تلك السلع وفق الاحتياجات، وتوفير استقرار تمويني مستدام في السوق المحلي، والحد من أي اختناقات تموينية، وضبط الأسعار في السوق، والقضاء على كل أساليب الاستغلال والمغالاة والاحتكار في السوق. كذلك ركزت الخطة على موضوع حصر وتوثيق أصول وأملاك الدولة، وحمايتها من الهدر وسوء الاستخدام، وضمان الاستغلال الأمثل لأصول الدولة.

ختاما فإن القضايا الاقتصادية نالت اهتماما كبيرا في الرؤية الوطنية, وشملت الرؤية في الجانب الاقتصادي مجموعة من الأهداف الاستراتيجية و المبادرات الهادفة إلى تحقيق استقرار اقتصادي مستدام, وتطوير آليات فعالة لإدارة سياسات اقتصادية تدعم تحقيق نمو اقتصادي والتحول نحو اقتصاد متنوع، وخلق شراكة حقيقية مع القطاع الخاص، وجذب وتنشيط الاستثمارات في مجالات تمثل أولويات ملحة يحتاجها البلد. وأيضا العمل على تحقيق استدامة المالية العامة، وتطوير حزمة من السياسات الموجهة نحو الاقتصاد الاجتماعي، وتعزيز دور قطاع الصناعة، وزيادة الإنتاج في القطاع الزراعي باتجاه رفع نسبة الاكتفاء الذاتي، والاستفادة من الموارد في كل القطاعات الأخرى. ومن المؤكد أن هذه غايات وأهداف طموحة شملتها الرؤية وتحتاج إلى أكثر من خطة مرحلية وموارد مالية حتى يمكن تحقيقها.

الهوامش:

– خطاب السيد القائد عبد الملك الحوثي بمناسبة جمعة رجب 1441هــ.

– الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.

– كلمة الرئيس مهدي المشاط، بمناسبة تدشين البرامج الوطنية التنفيذية للإنعاش والتعافي الاقتصادي في مرحلتها الأولى 2020م، 5 يناير 2020م.

– تقرير بعنوان خطة الإنعاش الاقتصادي خارطة طريق وطنية نحو التنمية، رشيد الحداد 5 يناير 2020م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى