أحدث الأخبارفلسطينمحور المقاومة

الانتخابات بين رصاصتين

مجلة تحليلات العصر - عماد عفانة

رغم أن حركة حماس مصنفة كحركة ارهابية لدى كيان العدو كما لدى حلفائها وعلى رأسهم امريكا، وان لم تصنف حماس كحركة ارهابية لدى كثير من الدول فانه يتم التعامل معها رسميا وعلى المستوى السياسي على أنها حركة ارهابية، حيث توصد في وجهها ابواب العواصم الاوروبية كما العربية، رغم ذلك فان القوى الدولية تكرر اليوم مساعيها لاحتواء حماس عبر زجها في أتون عملية سياسية تحت سقف مسار التسوية وافرازاته، محاولات تتوجها مراسيم الرئيس عباس بالانتخابات.
وكجزء من سياسة الحرب على حركة حماس لجهة ثنيها عن نهج استعادة الحقوق عبر المقاومة، تم اداخلها في العملية السياسية على امل احتوائها ودمجها تدريجيا في مسار التسوية الذي يخدم مخططات العدو، تماما كما حدث مع منظمة التحرير عام 1974 عندما غيرت طريقها من ثورة حتى التحرير الى اقامة سلطة على أي شبر من فلسطين.
هذه السياسة لم تنشأ فجأة ولكن كانت نتاج عشرات الدراسات المتخصصة من مراكز الابحاث كما من دوائر المخابرات التي اجرى مندوبيها في وسائل الاعلام مئات المقابالات التي لم تنشر مع قيادات حماس لسبر غور توجهاتهم السياسية ومعرفة خطوط مساراتهم والتعرف على خياراتهم.
فكانت انتخابات 2006 التي يقول البعض ان الغرب كان يعرف كما لم يعرف احد ان حماس ستفوز بل ستكتسح، حيث كان قد اعد مخطط توريطها في مربع الحكم بعد ان اسكروها برائحة دماء الأبرياء في 2007 فأعمتها الرغبة في الانتقام، عن الاحاطة بكنة ما يخطط لها ويدبر عبر عملية الحسم.
لكن حماس فاجأت الجميع وفور تسلمها لمقاليد السلطة بعملية أسر شاليط 2006م في محاولة للمزاوجة بين الحكم والمقاومة على طريق تحويل السلطة من أحد أدوات اوسلو الى سلطة مقاتلة على طريق الغاء اوسلو واخواتها وتداعياتها وافرازاتها احد اهدافها.
واليوم وبعد 14 عاما من الحصار الذي تخلله عدد من الجولات والحروب العسكرية على غزة، ها هي حماس تعود الى خيار الانتخابات مرة اخرى، ليس للاحتفاظ بالحكم ولكن للتخلص من الانفراد به لصالح الشراكة، ليس لتحصين وحماية المقاومة فحسب بل لتبادل المقاعد عبر اقامة سلطة وطنية حقيقية مقاتلة تحميها المقاومة وتحتمي بها.
فيما يرى اخرون ان استمرار حماس في السير في هذا الخيار يحقق ما خطط له الاعداء في احتواء حماس وتوريطها اكثر فاكثر في مربع الحكم تحت وطأة الرغبة بالاحتفاظ بامتيازات الحكم، ويستشهد هؤلاء ان سلاح حماس كان قبل الحكم سلاح هجومي هدفه التحرير، وكان يضرب في قلب مدن الكيان لإيصال رسائلها المغمسة بالدم الى جمهور العدو ان لا مكان لكم على ارضنا ولا أمن ولا امان.
بينما اليوم سلاح حماس سلاح دفاعي لا يطال كيان العدو الا دفاعا عن الكيانية التي صنعها انخراطها في المسار السياسي في غزة.
فهل تريد حماس من الانتخابات التي اصدر عباس مراسيمها الانعتاق من حبال الحكم والخروج من مربعه والنجاة من مخططات التدجين والاحتواء لصالح التركيز اكثر وبقوة في خيار ومسار المقاومة مع مختلف قوى واحرار شعبنا والعالم، انتصاراً واعلاءً لبرنامج المقاومة على حساب مسار التسوية الذي يردون جرها اليه .!!
فما اشبه اليوم بالبارحة، دخلت حماس الانتخابات في اعقاب إعلان القاهرة، في آذار/ مارس 2005، عندما اتفقت الفصائل على إجراء الانتخابات التشريعية، وتشكيل لجنة لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وبعضوية الأمناء العامين للفصائل، وتحريم الاحتكام للسلاح في الخلافات الداخلية.
لكن ما حدث ان حماس دخلت الانتخابات وفازت فيها، فتنكرت فتح لهذا الفوز واحتكمت الى السلاح للانقلاب على نتائجها، ما دفع حماس للتمكين لحكمها في غزة 2007، فيما وصفته حماس بالحسم ووصفته فتح بالانقلاب، فألغى الرئيس عباس فكرة اعادة بناء منظمة التحرير ولم يعقد أي لقاء للأمناء العامون للفصائل حتى العام الماضي 2019 في اطار احياء مساعي المصالحة بين قطبي الساحة.
وكي لا تتكرر الازمات نفسها كان لابد من ضمانات لاستكمال الرئيس عباس مسار تجديد الشرعيات بدءا من التشريعي مرورا بالرئاسة وانتهاء بالمجلس الوطني، علما ان الضمانات المقدمة وهي كفالة اربع دول مصر تركيا قطر والاردن غير كافية، ولنا في ضمانة مصر لتنفيذ اتفاق تبادل الاسرى بين حماس والعدو الصهيوني 2011م الذي تم بموجبه الافراج عن الاسير جلعاد شاليط عبرة وعظة، حيث لم يلتزم العدو بالاتفاق ولم تسعى مصر لإلزامه.
لكن ما الذي قد يغير الوقائع على الارض لصالح اعلاء برنامج المقاومة بعد وصول برنامج الحياة المفاوضات الى حائط مسدود وسجل فشلا مدويا في تحقيق اوهامه.!!
انتفاضة الأقصى 2000 أسست لواقع جديد، تراجعت خلالها قوة السلطة الفلسطينية وتعاظمت قوة حماس وفصائل المقاومة، الأمر الذي توج بانسحاب الاحتلال من قطاع غزة سنة 2005، الأمر دفع الأطراف المتحكمة دوليا للبدء ببرنامج الاحتواء كي لا تستمر حماس في تطوير تنظيمها العسكري ليشمل الضفة الغربية كما شمال قطاع غزة، بدء برنامج الاحتواء والتطويع هذا تزامن مع رغبة حماس بالتأثير على مسارات السلطة من داخلها، حماية لبرنامجها ولبنادقها ومجاهديها، ونزعا للشرعية الشعبية والانتخابية عن مسار التسوية.
فهل بات واقعنا بحاجة الى اشعال انتفاضة جديدة:
– تحصن واقع المصالحة الناشئ.
– ويلزم الرئيس عباس بالمضي في مسار تجديد الشرعيات حتى النهاية.
– وينهي احتكار فتح للمؤسسة الرسمية الفلسطينية.
– ويقمع تغول الاحتلال البشع على كل ما هو فلسطيني شعبا وارضا ومقدسات.
– وينهي عار التنسيق الامني.
– ويشجع حركة فتح للعودة الى برنامجها الكفاحي الثوري الاصيل الذي يتناغم اليوم مع برنامج حركة حماس وفصائل المقاومة الاخرى.
– ويوقف قطار التطبيع الذي بات يجتاح عواصم العرب والمسلمين.
– ويعيد صورة الصراع مع العدو المحتل الى اصوله كصراع وجود وليس صراع حدود.
– ويشعل جذوة الصراع مع عدو الشعب والأمة ما يفتح الباب واسعا أمام تثوير شعوب الامة ودفعها للانخراط في مشروع التحرير، دفاعا عن القدس التي يقول فيها الشاعر تميم البرغوثي:
“في القُدْسِ، رَغْمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ، فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى