أحدث الأخبارشؤون امريكية

الانسحاب الاميركي المؤجل والغامه الموقوتة

مجلة تحليلات العصر الدولية - عادل الجبوري

قبل حوالي اسبوعين، كشف رئيس قيادة القوات المركزية الاميركية الجنرال كينيث ماكينزي لبعض وسائل الاعلام عن عدم وجود خطة للانسحاب من العراق، في الوقت الذي اعلنت الادارة الاميركية عن الشروع بخطة انسحاب من افغانستان في غضون الشهور الاربعة المقبلة.
لم يخض الجنرال ماكينزي بأسباب ودواعي البقاء في العراق لفترة اطول والانسحاب من افغانستان، رغم ان مجمل الظروف والاوضاع الامنية في الاول تبدو افضل واكثر استقرارا من الثاني، لاسيما مع تنامي قدرات الاجهزة والقوات الامنية والعسكرية العراقية، وانحسار وجود تنظيم داعش الارهابي الى حد كبير، بيد انه قال بالنص، “ان الولايات المتحدة لن تخفض عدد قواتها في العراق، وذلك بناء على رغبة الحكومة العراقية في بغداد، لا بل انها قد تزيد عدد تلك القوات”!.
ومن يتابع مجمل تصريحات واحاديث القائد الاميركي خلال الشهور القلائل الماضية، يجد انها تتمحور حول التحذير مما يسميه مخاطر النفوذ الايراني في العراق، واهمية الاحتفاظ بتواجد عسكري اميركي في هذا البلد لامد غير معلوم، لمواجهة ذلك النفوذ، ناهيك عن سعيه المحموم لانهاء وجود الحشد الشعبي، بأعتباره “عبارة عن ميليشيات غير منضبطة ولاتخضع لسلطة الدولة”.
لاشك ان تصريحات ماكينزي الاخيرة، تكشف حقيقة التوجه الاميركي حيال العراق، وهي تدحض اي احاديث تقول بأن واشنطن تتجه الى انهاء تواجدها العسكري في هذا البلد، رغم ان الرئيس الاميركي جو بايدن اطلق خلال حملته الرئاسية خلال العام الماضي عدة اشارات عن نيته سحب قوات بلاده في حال نجح بأنتزاع الرئاسة من سلفه دونالد ترامب.
وما يعزز ذلك التوجه، هو ان القيادات العسكرية والامنية الكبيرة في واشنطن، تعارض اي انسحاب عسكري من العراق، وحتى من افغانستان، وتحذر من مغبة تكرار خطأ الانسحاب الكامل، الذي حصل في عهد الرئيس الاسبق باراك اوباما في نهاية عام 2011، اذ ان رؤية القيادات العسكرية والامنية الاميركية، تقوم على فكرة ان الوجود الاميركي بكل اشكاله ومظاهره يفترض ان يتعزز في منطقة الشرق الاوسط لا العكس، وخصوصا في الاماكن والمواقع الحساسة بالنسبة للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
وفي واشنطن، ثمة من يعتقد ان سياسات البيت الابيض خلال الخمسة عشر عاما المنصرمة، تجاه خصوم واعداء الولايات المتحدة لم تكن مدروسة جيدا بما فيه الكفاية، لانها اتسمت بالمرونة والتردد وافتقرت الى الحزم والشدة، وان اي انسحاب او انكفاء، سيزيد من حجم النتائج والاثار السلبية، لاسيما وان مثل ذلك الانسحاب والانكفاء، يعني هزيمة اميركية وانتصار ايراني، او بتعبير اشمل، انتصارا لمحور المقاومة، انطلاقا من حقيقة “ان الولايات المتحدة موجودة في المنطقة لحماية النفط والكيان الصهيوني، ووجودها في العراق مهم جداً لتحقيق ذلك، حتى وان كان بقاؤها رغما عن ارادة الشعب العراقي الذي يريد خروج هذه القوات وإنهاء احتلال بلاده، كما يقر بذلك الاميركان انفسهم.
وطبيعي ان صناع القرار في واشنطن، يدركون انه لابد من تهيئة الارضيات المناسبة لقبول العراقيين لحقيقة استمرار التواجد العسكري الاميركي في بلادهم، وذلك من خلال السعي الى اعادة تأهيل وتمكين الجماعات والتنظيمات الارهابية، وارباك المشهد الامني، الى جانب المشهد السياسي، مع قرب حلول موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة، في العاشر من شهر تشرين الاول-اكتوبر، فيما اذا لم تطرأ مستجدات ومفاجئات تفرض تأجيلها الى موعد اخر.
منهج خلط الاوراق الاميركي، يبدو واضحا من خلال الايحاء وكذلك التصريح بأن الحكومة العراقية هي من تطالب واشنطن بعدم الانسحاب، وهذا ما قاله الجنرال ماكينزي في كلمته امام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ وفي تصريحاته لوسائل الاعلام، حيث ان تلك التصريحات لو صحت، فأنها ستضع الحكومة العراقية بموقف حرج، لان هناك دعوات ومطالب سياسية وشعبية واسعة بضرورة انهاء التواجد الاجنبي واخراج القوات الاميركية من ارض البلاد، وفقا لقرار البرلمان العراقي الصادر في الخامس من شهر كانون الثاني-يناير 2020، بعد جريمة اغتيال القائدين ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني بيومين، علما ان احدى ابرز المهام المحددة لحكومة الكاظمي هي العمل على اخراج القوات الاجنبية واستعادة والسيادة الوطنية، الى جانب التهيئة للانتخابات البرلمانية المبكرة.
وفي حال لم تكن تصريحات القائد الاميركي دقيقة، فأن على الحكومة ان تصدر توضيحا بهذا الشأن، وبالتالي تقطع دابر الكثير من الجدل والسجال، الذي يمكن ان يساهم في تأزيم المشهد السياسي العام.
وبهذا الخصوص، تشير اوساط ومحافل سياسية الى انه “تم الحديث سابقا عن طلب عراقي لبقاء القوات الأميركية ثلاثة اعوام اخرى، لكن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي نفى ذلك”، مضيفا، بأن ” تصريح ماكينزي ينسف كل الأحاديث السابقة الرسمية وغير الرسمية عن الانسحاب”.
وحتى الحوار الاستراتيجي بين الطرفين، الذي عقدت منه ثلاث جولات، منذ انطلاقه في الحادي عشر من شهر حزيران-يونيو 2020، بقي يدور في حلقة مفرغة على ما يبدو، لانه ابتعد عن النقاط الجوهرية التي تعد بمثابة اولويات اساسية في مجمل الموقف الوطني العراقي، وتركز على قضايا ثانوية، فيما راح الاميركان يخططون ويتحركون في مسارات اخرى.
بيد ان صناع القرار الاميركي، لايدركون ان اصرارهم على البقاء في العراق، يمكن ان تكون له اثار وتبعات سلبية كثيرة وكبيرة عليهم، لان العراقيين سوف يلجأون الى البدائل والخيارات الاخرى البعيدة عن طاولات الحوار ولغة الدبلوماسية، ولعل استهداف القواعد العسكرية التي تتواجد فيها القوات الاميركية وكذلك ارتاك تلك القوات، واحدا من مؤشرات البدائل والخيارات الاخرى، التي من المحتمل جدا ان تتصاعد وتيرتها، فيما لو قررت واشنطن دفع الامور الى الطرق الموصدة، والغياهب المظلمة، والمسالك الشائكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى