أحدث الأخبارالعراقشؤون امريكيةمحور المقاومة

التحايل الأمريكي

مجلة تحليلات العصر الدولية - حمزة الحسن

ـــ سنخرج من العراق لكننا سنبقى فيه.
*قائد القيادة المركزية الأمريكية،
الجنرال فرانك ماكنزي في 10/ 12/ 2021

في جميع أنحاء العالم قامت الولايات المتحدة الامريكية
في محاربة المنظمات الوطنية
التي تأسست لحماية المدنيين من النظم الدكتاتورية،
ومن منظمات الارهاب التي صنعتها أمريكا.

ومن لا يزال يصدق ان الولايات المتحدة تخوض الحرب لاسباب اخلاقية
ولاجل الديمقراطية وحقوق الانسان يسمح لنفسه ان يكون مغفلاً،
فهذه الدوافع آخر ما يخطر ببال ساسة وجنرالات الحرب لكنها تعلن لكسب الجمهور
وتبرير الحرب والتاريخ الامريكي شاهد على ذلك.

1 خلال الحرب الاهلية في كولومبيا إضطرت منظمات مختلفة
التوجهات لحماية المدنيين من النظام المدعوم أمريكياً،
ومن منظمة” القبعات الخضر” الوحشية التي أشرف عليها
كل من السفير الأخير في سوريا روبرت فورد
ومهندس خرابها مع الجنرال دافيد بترايوس قائد القوات الأمريكية
الأخير في العراق،
وقد نكلت هذه المنظمة الوحشية بالابرياء وحرقت
المزروعات مما اضطر مجموعة قوى للتطوع
للدفاع عن القرى والمدنيين تحت عنوان جبهة أم 16،
ثم في جبهة الفارك،
واستمرت الحرب الاهلية منذ اواسط الستينات بين النظام
وبين الجماعات المسلحة،
وكان المحرض الرئيس على الحرب الشركات متعددة الجنسيات
وحكومة الولايات المتحدة.
الشرارة التي اطلقت الصراع اغتيال الزعيم الكولومبي
خورخي غايتان الشخصية اليسارية،
تلتها حملة قمع وحشية في الارياف،
وحسب دراسة مركز الذاكرة الكولومبي قتل 220 الف شخص
خلال الاعوام 1958 ــ 2013،
وإجبار 5 ملايين على ترك منازلهم بين عامي 1985 ــ 2012،
تشرد 2:3 مليون طفل ومقتل 45 الف طفل حسب شهادة منظمة اليونيسف
واختفاء 8 الاف طفل واجمالي عدد المتضررين 6.7 مليون طفل،
من غير المفقودين حتى اليوم في مقابر مجهولة،
وفي عام 2016 إضطر النظام الى عقد اتفاقية سلام في أوسلو النرويج،
لينهي أطول حرب أهلية في التاريخ.

2 في نيكاراغوا توحدت القوى الوطنية في الجبهة الساندنستية وتمكنت
من الوصول للحكم مرتين عن طريق الثورة المسلحة وثانية صناديق الاقتراع،
وكالعادة كانت الولايات المتحدة حليفة للنظام العميل،
وحاول النظام والولايات المتحدة خلق منظمة ارهابية هي
الكونترا بطلب مباشر من الرئيس ريغان،
وتراوحت العمليات من حملة اغتيالات مجهولة المصدر
تطال مدنيين وقادة الى حملات مداهمة واسعة ومسح القرى،
لكنها فشلت في النهاية أمام عنف الجبهة الساندنستية المسلحة،
حتى إضطر النظام لقبول الجبهة في تفاوض سياسي وانتخابات
باشراف دولي وفازت الجبهة،
وكان الشاعر الراهب الكبير أرنستو كاردينال أول وزير ثقافة
في الحكومة هو المطرود من بابا الفاتيكان لحمله السلاح،
الملقب بالقس الأحمر.

3 في السلفادور قامت منظمة ارهابية مدعومة من الولايات المتحدة
باغتيال القس الوطني والشاعر أوسكار روميرو وهو يؤدي القداس،
واسلوب الضرب في المقدس أستعمل في العراق ونحذر منه بلا كلل،
لتندلع الحرب الاهلية وكل أصابع الاتهام تتوجه نحو الكولونيل السفاح
جيمس ستيل الذي حول العراق الى مسلخ بشري وجثث شوارع
وقتل عشوائي بين الطوائف باعتراف جريدة الغارديان
ومحطة بي بي سي البريطانية في تحقيق مصور موثق،
وخلص التحقيق الى أن مجموعة القتل والحروب الاهلية في أمريكا الجنوبية
هي المسؤولة عن زحلقة العراق الى صراع أهلي مسلح،
لتخفيف الضغط عن القوات الامريكية.

على إثر انقلاب عسكري في السلفادور عام 1979 دبرته الولايات المتحدة،
أدى الى مذابح كبيرة ضد المتظاهرين،
مما جعل منظمات طوعية للتحالف في كفاح مسلح
تحت جبهة فارابوندو مارتي وهي تجمع منظمات،
واستمرت الحرب الاهلية 12 عاماً من المآسي الكبرى،
والتنكيل بالمدنيين من فرق الموت نسخة داعش،
وكشف تقرير للامم المتحدة ان اكثر من 75 الف ضحية وقعت
خلال النزاع وخراب المدن والمقابر الجماعية،
وكانت الولايات المتحدة الداعم الرئيس للنظام وتوفير السلاح
له ولفرق الموت خلال ادارة جيمي كارتر ورونالد ريغان،
وفي عام 1992 تم توقيع اتفاقية سلام في المكسيك
لينهي الصراع.

4 في الارغواي تكررت التجربة نفسها بين النظام وبين الشعب،
لكنه وجد نفسه متورطاً في حرب عصابات مدن مدمرة خاضتها
جبهة التوبامورس الوطنية،
وهي أعقد حرب عصابات شوارع في التاريخ غير مسبوقة
ومن قادة تاريخيين من النخبة الوطنية المثقفة،
وسيصبح رئيس التوباموس الشخصية الوطنية الفذة خوزيه ألبرتو موخيكا كوردانو،
الملقب بــ«أفقر رئيس في العالم” لنزاهته الأخلاقية وعيشه المتقشف،
سيصبح رئيس أورغواي في انتخابات عام 2010.

في السبعينات حاولت منظمات أوروبية يسارية
تطبيق التجربة لكنها فشلت مثل الالوية الحمراء الايطالية،
وجبهة الباسك الانفصالية في اسبانيا،
ومنظمة بادر ما ينهوف الالمانية لأنها بلا بيئة حاضنة،
وقد تكون منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي السري إستثناء
لطبيعة الصراع الطائفي .

5 ثم جربت الولايات المتحدة اسلوب الحرب الاهلية في البيرو،
لتصطدم بمنظمة الدرب المضيء التي أجبرت النظام على الركوع،
وحمت المدنيين من مذابح لا مجال لشرحها.
الولايات المتحدة الامريكية غير معنية بطائفة ودين
وهوية من تحاربهم شرط ضمان مصالحها،
في السوق لا أحد يعرف المسلم أو اليهودي أو المسيحي بتعبير فولتير
والكافر الوحيد في السوق هو الفقير.

الولايات المتحدة دائماً تختار عناوين خادعة للحرب وللصراع كالحفاظ على القانون ونزع السلاح والديمقراطية،
ويوم إعتذر الرئيس كلينتون للشعب الكولومبي عن دور أمريكا
في الحرب الأهلية غضبت الشركات الكبرى من الاعتذار
لانه اعتراف صريح.

الحملة الأمريكية على الحشد الشعبي لا تخرج على الاطلاق
عن هدف السيطرة والاخضاع والاستفراد بالسلطة،
وبصرف النظر عن كل ما يقال عن الحشد الشعبي
وتصرفات غير مسؤولة وصبيانية من بعض قياداته الفاسدة،
وفي صراعات من هذا النوع لا يطلب من المتطوعين هوية اخلاقية
لان الاستشهاد يخلق هوية جديدة،
لكنه في الجوهر ركيزة أساسية للدفاع ضد الارهاب الامريكي
واساليب الخداع المنظم،
وكل الحملة على الحشد الشعبي لسبب واحد لأنه أنهى ثلاثين سنة
من حرب اهلية متوقعة كما صرح الرئيس أوباما نفسه،
وقطع الطريق على أكبر عملية إبادة محتملة في التاريخ كان يمكن لها أن تقلص سكان العراق الى الربع،
وهو الجانب المنسي من دور تاريخي عظيم،
وسوف لن تتوقف الولايات المتحدة من محاولات التشهير بالحشد تحت عناوين مختلفة،
تحت شعارات الأمن والقانون،
وهي باعتراف المجمع القانوني الامريكي أكبر دولة
تخرق القوانين باستهتار مكشوف بغطاء من الاعلام الواسع
والذرائع الملفقة.

ان إضعاف الدولة المركزية عن طريق همينة وكلاء الولايات المتحدة ونهب البلاد
وتمزيق النسيج الاجتماعي واللعب على الحساسيات،
هو من سمح بولادة منظمات مسلحة من كل الأطراف،
لأن خلق منظمةإرهابية هدفها الابادة والتطهير الطائفي،
سيخلق منظمات مسلحة هدفها التشبث من الاقتلاع،
وكل عاصفة إقتلاع تنتج التشبث وهو قانون بشري من أقدم العصور وسيستمر للنهاية.

يكفي الف شخص مسلح اليوم تحت زعامة رجل مغلف بقضية وأسطورة،
لفرض السيطرة على النظام السياسي،
خاصة السلاح متوفر والبطالة متوفرة والعقائد الحارة متوفرة،
والأهم الولايات المتحدة موجودة في العراق وهو أكبر مبرر لوجود قوى معادية مسلحة.
لكن الولايات المتحدة تتعامل بمعايير مقلوبة على أن السلاح يهدد الدولة،
مع أنها أسست لدولة هزيلة ركّبت على قمتها أشخاصاً عاجزين
عن إدارة مطعم أو مزرعة دجاج أو حانة رخيصة.

إن صور شباب شهداء الحشد في الأحياء الشعبية والمقابر،
أبناء الأرامل واليتامى،
لا يجيب أن تغيب عن البال مهما كانت الأسباب،
لأن الشعب الذي يخون الشهداء
لن يحصل إلا على وطن بلا كرامة ولا سيادة ولا مستقبل.

الاحتلال الأمريكي مستمر في العراق،
والتلاعب بالألفاظ والمناورة بالإنسحاب كالمناورات الأمريكية
في كل حروبها العدوانية لأجل مصالحها القومية،
ولم تحرر نفراً واحداً من نظام ديكتاتوري،
بل جعلته يحن إليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى