أحدث الأخبارالعراق

التطرف في المجتمع العراقي

د بلال الخليفة

​التطرف صفة خطيرة تعاني منها المجتمعات بصورة عامة وقد يكون التطرف باتجاه التطرف العقائدي والمناطقي والقومي والاجتماعي والعشائري، ان التطرف يأخذ سلوكيات مختلفة واتجاهات أكثر اختلافا، ان التطرف الديني هو من أكبر الازمات التي واجهها المجتمع العربي بصورة عامة والمجتمع العراقي بصورة خاصة حيث لا يمكن حصره بجهة معينة او فئة معينة ومنطقة معينة.

كما ظهر أخيرا، وبوجود الديمقراطية وما ينتج عنها من تعدد الأحزاب التي هي يجب ان تكون حاله صحية وطبيعية للنظام الديمقراطي، وجود تطرف حزبي لدى المنتمين اليه، فهم يجعلون من حزبهم هو الحزب الوحيد الوطني واما الاخرين فهم خونة ولديهم اجندات خارجية، وكذلك ينظرون الى زعيم حزبهم هو الوطني والشريف الوحيد في العملية السياسية، والبقية هم فاسدين ومخربين وتابعين لدول خارجية.

يأخذ التطرف أنماط مختلفة والذي أشرنا الية هو أحد تلك الأنماط، لكن الغريب بالموضوع هو ان يصل التطرف الى الجهات التي تدعي الثقافة والعلم، وهنا أحببت ان اشير لحالتين من حالات التطرف في الادب وهما ابيات شعر لشاعرين عملاقين وكبيرين وهما يصفان الطاغية صدام، الأول هو الشاعر الراحل عبد الرزاق عبد الواحد وهو يصف صدام حسين ويقول:


يا أيها اللا أسمي كلَّ مكرمة

​ باسم فماذا يسمى جمعها الغضرُ

إلا إذا قلت: يا صدامُ حينئذ

​ أكون سمّيتها جمعاً. وأعتذرُ

​ومعنى أنى إذا اردت مديح شخص بكل معاني المديح وأردت ان اجمعها بكلمة واحدة، فاني أقول عنها صدام، أي ان كلمة صدام هي جامعة لكل معاني الخير والمديح.

​الشاعر الاخر وهو الكبير الراحل مظفر النواب، في أحد ابياته وهو يذم صدام ويقول:

صدام يا وسخ الدنيا برمتها

يكاد يخجل منك العار واللؤم

فيا ابن اب نذل وواحدة

حليبها دون كل المرضعات دم

الأول ذهب في اقصى اليمين والأخر في اقصى الشمال في مديح الطاغية صدام وهذا من حق الطرفين في التعبير عما يجول في خاطرهما وعما عاناه منه، لكن المهم هنا ان الطرفين هما نموذج للتطرف الفكري وهنا الادبي في شخصية الفرد العراقي.

​ويوجد مثال اخر في التطرف بالمح والذم للشاعر وهو الشاعر ابي طيب المتنبي وقصته المعروفة مع كافور الاخشيدي، وكان حاكم مصر وأجزاء من الشام، وكان اسود اللون مشقوق الشفة والقدمين لانه كان من الحبشة.

عندما علم المتنبي ان الاخشيدي يرعى الادباء والشعراء، قرر ان يمتدحه ويحصل على منصب هام في الدولة الاخشيدية، فانشد له يقول:

حببتك قبل حبك من ناى = وقد كان غدارا فكن انت وافيا

فان دموع العين غدر بربها = إذا كن إثر الغادرين جواريا

ولكن بالفسطاط بحر ازرته = حياتى ونصحى والهوى والقوافيا

​وقال أيضا في وصف كافور الإخشيدي بأنه مثل المسك، وأنه الأفضل بين الملوك في قوله:

كـــرم فى شجـــــاعة وذكاء = فى بهـــاء وقدرة فى وفــــــــاء

من لبيض الملوك أن تبدل اللـون= بلــــــون الأستاذ والسحنــــاء

ومن مثل كافور إذا الخيل أحجمت = وكان قليلا من يقول لها أقدمى

شديد ثبات الطرف والنقع واصـــل = إلى لهــوات الفـــــارس المتلثم

فلو لم تكن فى مصر ماسرت نحوها = بقلب المشــــوق المستهام المتيم

رضيت بما ترضى لـــــى محبة = وقدت إليك النفس قود المـسلم

​وبالفعل قام كافور اعطى المتنبي الأموال والهدايا لكنه كان يعلم أطماع المتنبي كما يعلم أيضا أنه يمكن أن يهجوه كما فعل مع سيف الدولة الحمداني من قبل، ولكن المتنبي كان يطمع في أكثر من ذلك، فلما لم يحصل على ما تمناه قرر أن يغادر مصر وقام بكتابة قصيدة هجاء في الإخشيدي، وهذه القصيدة من أشهر قصائده، ويقول في مطلعها:

عـيـدٌ بِـأيَّـةِ حـــالٍ عُـــدتَ يـــا عِـيــد = ُبِـمـا مَـضَـى أَم لأَمْــرٍ فِـيـكَ تـجـدِيـدُ

أَمــــا الأَحِــبــةُ فـالـبَـيَـداءُ دُونَــهُـــمُ = فَـلَـيـتَ دُونَـــكَ بَـيْــدًا دونَــهــا بِــيــدُ


حتى قال:

لا تشـتَـرِ الـعَـبـد إلا والـعَـصَـا مـعــه = إِن الـعَـبِـيــدَ لأنـــجـــاسٌ مَـنـاكــيــد

مـا كُنـتُ أَحسَبُنـي أَحيـا إلـى زَمَـن = ٍيُسـيء بـي فيـهِ عَبـد وَهْـوَ مَحمـودُ

​الخلاصة: هذا يؤكد الطبيعة البشرية التي تتطرف في معظم الأشياء حتى بعد ان جاء الدين الإسلامي ليهذب من هذه الصفة حينما قال الله تعالى ((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا…) 143 سورة البقرة، لكن بقيت هذه الصفة ملازمة للإنسان.

ولنا ان نقيس التطرف في المجالات الأخرى التي هي اشد خطرا على المجتمع العراقي وهما التطرف الديني والتطرف السياسي، حيث بلغ الامر ان الاختلاف في وجهة نظر مع سياسي قد يصل الامر الى القتل وعلى اقل تقدير ان تتهم بانك ابن زنى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى