أحدث الأخبارالاقتصاد

التنمية وتدمير الشعوب

إبراهيم محمد الهمداني
إن أهداف التنمية الغربية، ودورها الحقيقي القبيح، الذي تمارسه القوى الاستعمارية، بمنطقها القديم، وثوبها الجديد، قد تجلى في تنمية وهمية، قائمة على قروض ربوية مجحفة، ومشروطة في مجالات معينة، بما يتماشى مع مصالح وأهداف المانحين (المستعمرين الجدد)، وهنا يمكن القول إن ما عجز الاستعمار القديم – في صورته التقليدية، الماثلة في الاحتلال العسكري – عن بلوغه بالأمس، قد استطاع بلوغه وتحقيقه الاستعمار الجديد اليوم – في صورته الحديثة، المتجسدة في الهيمنة الاقتصادية – بكل سهولة، وأقل جهد وكلفة، وأبخس ثمن، ليستعبد البشرية، ويهيمن على الشعوب، حاضرا ومستقبلا.
كل ذلك.. دون أن يراه الجميع في موقع العدو، كما كان قديما، بل هو في موقع صاحب الفضل والمكرمة، الذي تدين له جميع الشعوب النامية عامة، بالشكر والعرفان والامتنان، نظير خدماته ومواقفه وتضحياته، ورغم أن عودة قوى الاستعمار القديم، تحت مسمى عصبة أو عصابة الأمم، ثم الأمم المتحدة، فإن ذلك لم يغير من حقيقة أطماعها الاستعمارية شيئا، وإذا كانت الاستراتيجية الحديثة للاستعمار، قد اعتمدت على استخدام القوة الاقتصادية، بدلا عن استخدام القوة العسكرية، والاحتلال المباشر، فإن الطبيعة الإجرامية المتعطشة لسفك الدماء، قد حملت تطورا ملحوظا، في حصيلة حروب الإبادة الجماعية، التي بلغت – في أقصى تقديراتها – مع الاحتلال العسكري المباشر، حوالى مليون شهيد، بينما تقدر ضمن استراتيجية الحرب الاقتصادية، بعشرات الملايين، إن لم نقل مئات الملايين.



وإذا كانت الهيمنة العسكرية ومنطق القوة، قد أعطت المستعمر القديم فرصة البقاء لعشرات السنوات، فإن الهيمنة الاقتصادية، قد منحت المستعمر الجديد حق البقاء الأبدي، والسيطرة الدائمة على حياة ومقدرات الشعوب المستضعفة، لأن التبعية الاقتصادية، تقتضي التبعية السياسية، وتنعكس على حياة الشعوب، بمزيد من الاستلاب والخضوع والتبعية المطلقة، وهنا تبرز صورة التنمية المستوردة، كمقدمة أولى للفاجعة، المتجسدة في تداعيات التجويع والتبعية، وتعميم الفساد بكل مستوياته، والانسلاخ الكامل عن القيم والأخلاق والمبادئ والمثل، والغرق في أتون الاستلاب والارتهان والاستسلام، والتماهي في مشاريع دول الاستكبار والاستعمار والهيمنة، وتنفيذها نيابة عن أعدائنا، وهذه الحالة من العجز والعمى الجمعي، تحتم علينا البحث عن الحلول والمعالجات اللازمة، لتحقيق نهضة الشعوب وسيادتها واستقلالها.
وبما أن التنمية هي محور ارتكاز تلك النهضة، فما الذي جعل التنمية في الغرب منطلقا رئيسا للتقدم والريادة الحضارية، بينما تحولت لدى الشعوب العربية والإسلامية إلى أداة هدم وتدمير، وسبيل تخلف وتبعية وارتهان؟!!، هل نحن من أسأنا استخدامها، أم أن التنمية التي قدمت لنا في قوالب جاهزة، غير ما هي عليه في الطرح النظري المفاهيمي أولاً، والخطاب التقدمي الحضاري ثانيا؟؟!!
يمكن القول إن مفاهيم وطروحات التنمية في مستواها النظري، ليست مطابقة للمشاريع التنموية الغربية، المقدمة لنا على أرض الواقع؛ فالتنمية في طروحاتها المفاهيمية ونظرياتها، تعني – في أقرب معانيها – النماء والتطور والارتقاء القيمي والأخلاقي والحضاري، وتعني أيضاً الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال، وتعني – كذلك – ارتفاع قيمة وعوامل الإنتاج، مقابل قيمة ومعطيات الاستهلاك، وارتفاع قيمة الصادرات، مقابل فاتورة الاستيراد، وتعني – علاوة على ذلك – كيفية أو استراتيجية إدارة وتنمية وتطوير مصادر الثروة، وتوليد مصادر جديدة منها، مقابل الحد من الاستنزاف العشوائي للثروات وسرقتها.
لكن الغرب نقل إلينا تنمية أخرى، ذات طابع ربوي، ونكهة إمبريالية، وأهداف استعمارية تسلطية، وصلت إلى السيطرة على القرار السياسي، وجعلت من البلدان العربية حديقة خلفية لها، وهيمنت عليها كولاية من ولاياتها، بعد أن تواطأت مع الحكام، ودجنت الشعوب، وهيأتها لقبول النموذج الاستعماري الجديد، برحابة صدر ورضى تام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى