أحدث الأخبارشؤون آسيوية

التوسياد والموسياد في تركيا..

مجلة تحليلات العصر الدولية

من بقايا أذرع الدولة العميقة في تركيا من فئة المال والأعمال
التوسياد Tüsiad والموسياد Müsiad
امبراطوريات تتحكم بالاقتصاد التركي وتملك قوه بإمكانها إسقاط حكومات بمجرد بيان
التوسياد : يظن بعض الناس أنه مجرد اسم لجمعية رجال أعمال تهتم بالتجارة
لكنهم ليسوا كذلك فحسب بل مجموعة من رجال الأعمال الذين يستطيعون إخضاع أقوى حكومات تركيا، وقد أسقطوا من قبل حكومة أجاويد وحكومة اربكان.
التوسياد تشكل 50% من الناتج المحلي ، وتضم آلاف الشركات، ويعمل تحت مظلتها 50% من القوى العاملة التركية، وتستحوذ على قرابة85% من إجمالي تجارة تركياالخارجية
كيف وصلت التوسياد لهذه القوة؟
في عام 1971 أدرك اثنا عشر تاجرا من أثرى وأغنى رجال الأعمال في تركيا أن قوتهم ونفوذهم السياسي قد يصبح في خطر بعد الصعود المفاجئ للسياسيين المحافظين وأحزابهم المحافظة، ورفضهم لوجود قوى علمانية معينة تسيطر على الاقتصاد التركي، فقرروا إنشاء تكتل اقتصادي مستقل بعيدا عن السياسة، ويستطيع بقوته الاقتصادية ونفوذه فرض أجندته على حكومات تركيا، وتقدر على إخضاع الحكومات التركية لسياساته ونفوذه إن لزم الأمر
فتم إنشاء تكتل ضخم سمي لاحقا ب التوسياد وضم العائلات الثرية جدا مثل عائلة كوتش وصابانجي
بقيت امبراطورية التوسياد بعيدا عن السياسه بضعة سنوات، لكن بعد ثمان سنوات من تأسيسها بدأت بالتدخل بالسياسة بشكل علني وذلك بسبب غضبها من حكومة اجاويد، فقاموا بما يلي:
– نشروا إعلانات في الصحف طالبوا فيه حكومة اجاويد بالاستقالة – كما يحصل اليوم بالمطالبة بانتخابات مبكره وهي تعني ضمنيا الاستقالة-
– قاموا بخنق الحكومة من خلال افتعال الأزمات فاحتكروا المواد الغذائية وجعلوا المواطنين يقفون في طوابير لشراء المستلزمات الأساسية -وربما كانوا يسعون لذلك اليوم لكن لم يتم الأمر كما سنبين-
– تسببوا برفع الاسعار – كما يفعلون اليوم بارتفاع الأسعار الجنوني- لكن الأوضاع الآن مختلفة وتركيا اليوم غير تركيا الأمس –
حتى تمكنوا أخيرا من الإطاحةبحكومة اجاويد اليسارية -اول وآخر حكومه يشكلها حزب CHP منفردا
هناك أكثر من رواية حول الأسباب الحقيقة التي أدت للإطاحة بحكومة اجاويد من قبل التوسياد منها رواية تقول أن السبب غضب الولايات المتحدة الأمريكية من حكومة اجاويد المتراكم بسبب غزو قبرص، ورواية اخرى تقول ان السبب رفض حكومة اجاويد نشر الولايات المتحده لطائرات تجسس على روسيا في الأراضي التركية أثناء الحرب الباردة وأيا كانت الرواية الصحيحة فإن النتيجة واحدة: امريكا حركت لوبي التوسياد لافتعال ازمات وخنق حكومة اجاويد اقتصاديا ما أدى لإسقاطها فعلا وكان التوسياد إحدى القوى التي حركت الجيش لانقلاب 1980 وبدأ نفوذها السياسي الفعلي على السياسة في الخفاء انذاك، فقاموا بعدها فورا بانهاء ازمة الطوابير بعد سقوط اجاويد، كما فرضوا على الحكومة الموالية لها كمكافـأة الانسحاب من مشاريع القطاعات الخاصة وتركها للتوسياد
قوة التوسياد كانت كافية لنسج اي تحالف سياسي تريده والقيام بأي مشروع اقتصادي ترغب به، وعرقلة اية مشاريع حكوميه قد تضرهم، على سبيل المثال: عارضوا الاستثمار في مشاريع السكك الحديدية لأن التوسياد هي المتحكمة بقطاع السيارات ومشروع سكك الحديد سينقص من أرباح بيعهم للسيارات وإطاراتها وقطع غيارها وما الى ذلك…
لم تقتصر سيطرة التوسياد على التجارة فقط بل امتدت لتشمل كافة مجالات الاستثمار كالصحافة والإعلام والموضة والأزياء والفنون والرياضة وكرة القدم ودور النشر والكتب والطباعة والبنوك وسوق الأوراق المالية والجامعات الخاصة …. أي باختصار إمبراطورية تسيطر على كافة مجالات الحياة في تركيا تقريبا
مع قدوم( تورغوت اوزال) وإصلاحاته في المجالات كافة والانفتاح الذي شهدته تركيا بقدومه ومنها في مجال التجارة: إنشاء هيكلية السوق الحر في تركيا، بدأت شركات أناضولية ذات توجهات إسلامية ولأول مرة بالنمو بشكل كبير وشهد الاقتصاد قفزة جديدة وجذبت ثروات المغتربين الأتراك في الغرب والمانيا، كما فتحت عيون مستثمري العالم الاسلامي على تركيا من خلال هذه الشركات الأناضولية وبدأ المستثمرون من البلاد العربية والإسلامية يدخلون السوق التركية وكان منها: إنشاء مؤسسات تعمل بنظام الربح والخسارة لا الربا والفائدة وكان من نتائجها قيام بنوك مثل بنك كويت تورك، والبركة تورك وقيامهم بتمويل بعض هذه المؤسسات كما تم إنشاء مؤسسات آخرى برأس مال تركي
برز بعدها رجل اعمال يدعى (أرول يارال) ينتمي للتيار المحافظ، سعى هذا الرجل لإنشاء كيان محافظ منافس للتوسياد فعرض الفكرة على أربكان الذي شجعه حتى كان عام1990 الذي شهد إنشاء جمعية الموسياد والتي ستصبح لاحقا كذلك قوة اقتصادية تركية، وضعت الموسياد شروطا غير مألوفه وصارمة للانضمام إلى الجمعية، منها أن يكون مسلما، وأن لا يشوب تاريخه أي فساد او جريمة وأن يكون منزها عن أعمال القمار وما شابه …، ولا تتم الموافقة على انضمام عضو جديد إلا بعد اجتماع عدد من مؤسسي الجمعية لدراسة ملفه والموافقه على انضمامه.
بسبب سياسة الجمعية المتشددة بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية ومبادئها في تعاملاتها، قامت الجمعيات التركية المنافسة لها بتسميتها على سبيل السخرية: جمعية رجال الأعمال المسلمين ونشر ذلك في الأوساط كنوع من شن الحرب عليها، لأن القوانين في تركيا لا تسمح باستخدام اسماء دينية في مثل هذه المجالات. وبالرغم من محاربتها من قبل التوسياد ومع الشروط الصارمه للانضمام الا أنها وبعد سنوات قليلة من تاسيسها انضم لها أكثر من 2500 رجل أعمال يملكون أكثر من 7500 شركة يعمل بها مليونا مواطن تركي، وهكذا اصبحت الموسياد تفوق امبراطورية التوسياد عددا، وإن كانت لا تزال أقل منها بكثير أو قليل في القوة والمال والثراء.
دخلت الموسياد كذلك في كافة المجالات الصناعية الخفيفة والثقيلة وقطع الغيار والطاقة والألكترونيات والمنسوجات والمقاولات والتعدين والغذاء والمفروشات … وصار هدفها المعلن : جعل تركيا قوة اقتصادية، وتلقت دعما مطلقا من اربكان فهذا كان توجه اربكان نفسه بانشاء اقتصاد تركي يعتمد على الاكتفاء الذاتي و يتجه للتصدير
اصبحت الموسياد كذلك امبراطورية تضم أكثر من 10 آلاف رجل أعمال تركي يملكون 60 ألف شركه وتنشط في 95 دولة حول العالم وتسهم في حوالي 18% من الناتج التركي، وكان التوسياد ينظر بحنق إليها ويحاول تدميرها كما كانت تفعل من قبل لأي منافس لكن الموسياد كانت تحتمي بالحكومة التي يترأسها أربكان الذي لم يكن يتوانى عن دعم هذه الجمعية وبخاصة بعد أن شهد فائدتها الكبيرة على الاقتصاد التركي كما أنها تخلق توازنا حتى لا تترجح الكفة كلها لصالح التوسياد، هنا قرر التوسياد انه من الصعب القضاء على الموسياد دون إسقاط حكومة اربكان
قبيل الانقلاب الناعم في 28 شباط بفترة قصيرة
نشرت صحيفة حرييت التي يملكها احد كبار التوسياد مانشيتا عريضا بعنوان: (هذه المره سيتم حل الأمر دون استخدام قوة السلاح) وهو ما تم بالفعل فقد ضغط الجيش على اربكان من اجل إسقاط حكومته، حتى استقال اربكان مجبرا وسقطت حكومته.
بعد إسقاط حكومة اربكان حركت التوسياد القضاء لمحاربة الشركات الأناضوليةالناشئة والتنكيل بها بعد ان دخلت هذه الشركات مجال البنوك واتخذت سياسة مغايرة لسياسة التوسياد تقوم على الربح والخسارة وليس الفوائد (نظام البنك الاسلامي) فقام القضاء بإغلاق العديد من شركات الموسياد ومصادرة أصولها، لكن رغم كل ما جرى للموسياد فإنها بقيت واقفة على قدميها ولم يقدروا على القضاء عليها تماما إذ انتهجت الموسياد نهجا محايدا مع السياسة
مع قدوم حكومة اردوغان اتخذت الموسياد وكذلك التوسياد ولأول مرة سياسة هادئة شبه مؤيدة تقريبا للحكومه الجديدة وان كانت لم تخل من مواجهات غير مباشرة في بعض سياسات حكومة أردوغان التي لم تكن تعجب أحيانا كبار التوسياد مثل عائلات كوتش، ودوغان، ومن أشهر ما جرى في هذا المجال صراع اردوغان مع عائلة دوغان امبراطور الإعلام إذ أجبرهم على دفع الضرائب المتراكمة للدولة كما حكمت على بعض افرادها بالسجن غيابيا إذ كانوا خارج البلاد، ومع عائلة كوتش التي دعمت أحداث غيزي بارك لإسقاط حكومة اردوغان
وكانت المواجهة العلنية الاقوى منذ قدوم اردوغان هي التي نشهدها حاليا رغم ان لا أردوغان يرغب بمواجهة التوسياد بشكل مباشر ولا التوسياد يرغب بمواجهة اردوغان علنا فكلاهما يعرفان قوة الآخر
بعد عزم اردوغان على إلغاء الفائدة وعدم التراجع عن هذا الأمر مهما كلف الأمر خرج التوسياد بتصريحات علنية قوية ضد أردوغان وطالبته بتحقيق العدالة () والعودة للعلمانية () كما قام رئيس التوسياد وهو بالأصل إيطالي يهودي بالطلب من أردوغان رفع الفائدة واجتمع مع قادة المعارضة للدعوة لانتخابات مبكرة، ورد أردوغان عليهم بأنه لا تراجع عن خفض الفائدة حتى تصل للصفر أو قريبا، ولا انتخابات مبكرة، كما لمح الى تحكمهم بالأسعار وتلاعبهم بالمواد الاساسية قائلا نحن نعرف ما تفعلون وستتم محاسبة كل من يتسبب بهذا، وكذلك في خطابه الناري الآخير بعد وصول الدولار لمستوى قياسي بالتلميح إلى السعي لمعاملة من يتلاعب بسعر الليرة التركية امام الدولار معاملة الإرهابيين وبالتاكيد كان يذكر سابقا ويقول نحن نعرف من هم؟ لكن المواجهة المباشرة دون اعداد كذلك لن تكون ناجحة.
وبعد تغيير الكثير من المسؤولين الكبار في البنك المركزي ووزارة المالية ولمرات عديدة، وبعد ان وضع مع المسؤولين الجدد المتماهين مع هدفه إلى خطة عملية أعلن عنها في خطابه شهدنا جميعا ارتفاع الليرة مقابل الدولار بشكل لا يصدق وبزمن قياسي صار يحسب بالدقيقة والثانية ما يعني وعلى ما يبدو ان اردوغان انتصر في هذه الجولة على التوسياد مرحليا وشهد سعر الصرف استقرارا حتى الآن، لكن التوسياد أيضا لن تقف مكتوفة اليد بالتأكيد وهي عاكفة على وضع خططها لكن باختلاف الظروف في هذه المرحلة وهي تعرف قطعا ان تركيا اليوم ليست تركيا الامس وان الغالبية العظمى من المواطنين الأتراك يثقون بالرئيس ويتصرفون بما يمليه عليهم من توصيات سواء اكانوامن الموالين له وحتى من المعارضين وتدرك التوسياد انها الآن اضعف بكثير نسبيا في مواجهة تركيا الحكومة والمواطن والوطن
اما الموسياد فهي مع كل القرارات الحالية التي يتخذها اردوغان بشان الفائدة فهي بالأساس قامت لتحقيق هذا الهدف

معظم المعلومات الواردة من صفحة المرحوم د. محمد جان بكلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى