أحدث الأخبار

الجزيرة صوت الثورات المضادة

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. موفق محادين

من يتابع لعبة الجزيرة في الصور والتغطيات المفبركة لتداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يتذكر دورها في الإعلان عن سقوط بعداد قبل سقوطها فعلا، وعن سقوط طرابلس الغرب قبل سقوطها فعلا، كما المحاولة الفاشلة ضد دمشق وفق سيناريو الأستوديوهات الخاصة والتشويش الأمريكي المرافق لها، وهو السيناريو الذي عبر عنه الفيلم الأمريكي (هز ذيل الكلب) من بطولة روبرت دونيرو وداستن هوفمان، والذي تزامن إنتاجه مع صعود الجزيرة عام 1997.

وبالمحصلة، فالجزيرة منذ تأسيسها وحتى اليوم هي صوت الثورات المضادة والملونة في كل مكان بما في ذلك تغطيتها للمظاهرات ضد شافيز في فنزويلا ثم ضد مادورو، كما في بوليفيا حيث اعترفت الرئيسة التي حملتها المظاهرات الملونة بتنسيقها مع السفارة الأمريكية، وذلك قبل أن تسقط في الانتخابات الرئاسية الأخير لصالح مرشح اليسار.

هكذا، وحيثما تندلع ثورة مضادة أو ملونة مرتبطة بالسفارات الأمريكية تجد مراسلي الجزيرة يتسابقون هناك ويهللون لذلك، مما يؤكد وظيفتها العالمية وليس العربية فقط، فماذا عن هذه الفضائية وظروف تأسيسها:

تأسست الجزيرة بعد الانهيار السوفياتي في عام 1996، بالتزامن مع تأسيس قاعدة العيديد الأمريكية العسكرية والانقلاب داخل العائلة الحاكمة في قطر (1996)، في سياق ما عبرت عنه دراسة للأمريكي اليهودي، غراهام فولر أعدها لمؤسسة راند، إحدى أهم مؤسسات ومراكز الأبحاث التابعة لقلم الاستخبارات في وزارة الدفاع الأمريكية، والتي (راند) تتخذ من قطر مركزا إقليميا لها.

فبحسب الدراسة واستنادا إلى نظرية ملء الفراغ الأمريكية التي بدأت في القرن التاسع عشر ضد أوروبا في أمريكا اللاتينية مع الرئيس مونرو وانتهت مع الرئيس ايزنهاور فيما يخص الشرق الأوسط منتصف القرن العشرين، لا بد من ملء الفراغ الناجم عن الانهيار السوفياتي عبر الاهتمام أكثر بالجبهة الإعلامية – الثقافية، كما جاء أيضا في كتاب الباحثة البريطانية، سوندرز (من يدفع للزمار)، وفي كتاب (الدعارة الأكاديمية) للأمريكي من أصل مجري، كوستلر.

بحسب فولر لا بد من قنوات تواصل وتأثير على الرأي العام تكون جزءا من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة: استبدال الحرس البيروقراطي الذي رافق الحرب الباردة بحرس جديد، إسلاموي ليبرالي.

وبالنظر إلى أهمية الأردن والمناطق الفلسطينية كمجال حيوي إسرائيلي، اقترح فولر التركيز على إعلاميين ومثقفين من هذا (المجال الحيوي) وتدريبهم وتسويقهم عبر هذه القنوات، مما يفسر تفضيل الجريرة لإعلاميين ومثقفين (نص كم) من هذه المناطق الجغرافية المذكورة على إعلاميين مخضرمين من بلدان عربية أخرى.

كما يشار هنا إلى اهتمام الجزيرة بنمط معين من الضيوف والمعلقين السياسيين والعسكريين، الجاهزين لهذا الدور مقابل أجر معلوم، سنوي أو بالقطعة، وقد جرى ذلك وفق نصيحة فولر عبر ما سماه بالاختبارات والاختيارات، حيث توجه الدعوة لهذا الضيف أو ذاك وتقرر لجنة معينة إن كان جاهزا ومفيدا لهذا الدور أم لا، وسأتحدث هنا عن تجربة خاصة حدثت معي:

بعد صدور تقرير لمنظمة العفو الدولية حول حقوق الإنسان عام 2006 اتصل معي شخصان هما، م. ش. والإعلامي ي. ز. لاستمزاجي للاشتراك في برنامج الاتجاه المعاكس.

بعد رحلة في الدرجة الممتازة على الخطوط الجوية القطرية وإقامة في فندق 7 نجوم، اصطحبتني سيارة إلى قناة الجزيرة في الدوحة ووجدت نفسي وجها لوجه مع فيصل القاسم في غرفة شبه معتمة (ذكرتني بأجواء المحافل الماسونية) وقال لي أن برنامجه بلا سقف وبلا حدود، وتذكرت برنامج صراع الديوك الأمريكي الذي تشرف عليه المخابرات الأمريكية، وقررت تهدئة الحوار مع خصمي في البرنامج وهو التونسي، كمال سماري، مما استفز القاسم الذي حاول تسخين الحوار إلى أعلى درجة ممكنة.

بعد عودتي إلى عمان التقيت بالدكتور إبراهيم علوش والدكتورة حياة عطية (كان البرنامج قد استضافهما أكثر من مرة) وتوصلنا إلى تقييم مشترك حول البرنامج وغيره من برامج هذه الفضائية وأن له أكثر من وظيفة، تعميم ثقافة صراع الديوك بدل ثقافة الاختلاف، والبحث عن ضيوف قابلين للبرمجة والتوظيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى