أحدث الأخبارشؤون امريكية

الجيش الأميركي «جيشاً إلكترونياً»: الإمبراطورية… بوقاً! الجيش الأميركي مقاول تضليل: الإمبراطورية… بوقاً

محمد مرعي

العصر-يكشف لجوء الولايات المتحدة إلى تكتيكات للتأثير على الجماهير والتسويق لروايتها من الأحداث ومهاجمة «أعدائها» من طريق حسابات وهميّة على مواقع التواصل الاجتماعي، القاع السحيق الذي وصله «الابتكار» الأميركي. فـ«فعلةٌ» كهذه، عادةً ما تُتّهم بالانخراط فيها دول «عالم ثالث»، وفق التصنيف الأميركي إيّاه، فيما لم تتمّ مراعاة أن الدنيا قامت ولم تقعد حينما اتُّهم دونالد ترامب باللجوء – «بمساعدة موسكو» – إلى هذا التكتيك، واقترحت الرؤوس الحامية في الكونغرس محاكمته على ذلك الاقتراف، من دون تقديم أيّ أدلّة يُعتدّ بها. يدور الحديث هنا، عن لجوء القيادة المركزية الأميركية، «سنتكوم»، أي الجيش الأميركي الذي يأتمر بأوامر الرئيس مباشرةً، إلى اتّباع أساليب التضليل تلك، عبر خلْق عشرات الحسابات الوهميّة على مواقع التواصل الاجتماعي لـ«ضرب» أعداء الولايات المتحدة في عقر ديارهم، وفق ما كشفه بحث مشترك لشركة «غرافيكا» للمعلوماتية، وبرنامج «ستانفورد» لمراقبة الإنترنت

بين شهرَي تموز وآب الماضيَين، أجرت شركة «غرافيكا» للمعلوماتية، وبرنامج «ستانفورد» لمراقبة الإنترنت، بحثاً مشتركاً على مجموعة من المعطيات التي تعود ملكيّتها إلى «تويتر»، وشركة «ميتا» المالكة لـ«فايسبوك» و«إنستغرام» و«واتسآب»، لدراسة نشاط عدد من الحسابات الوهميّة التي أُغلقت بسبب «إخلالها بقوانين هذه المنصّات». وتَبيّن، من خلال البحث، أن تلك الحسابات تولّت نشر الدعاية الغربية في المناطق المستهدَفة؛ فعملت على تلميع صورة الولايات المتحدة والجيش الأميركي ومنظّمة «USAID»، وحرّضت على أعداء واشنطن، وفي مقدِّمهم روسيا وإيران والصين. والمفارقة أن التقرير المفصَّل لـ«غرافيكا» و«ستانفورد»، أظهر ارتباط المجموعة الدعائية المُشار إليها بالقيادة المركزية الأميركية (CENTCOM). ولا يزال من غير المعلوم السبب وراء قرار شركتَي «تويتر» و«ميتا» إغلاق هذه الصفحات، علماً أنها قد تكون المرّة الأولى التي يُعلَن فيها عن لجوء واشنطن إلى تكتيكات من هذا النوع للتأثير على الجماهير، عادةً ما يُتّهم خصومها حصراً بانتهاجها. وأمّا وقد كُشفت الآن، ففي الآتي المعلومات التي تضمّنها التقرير عن الحسابات الوهميّة:


وسط آسيا
عمل عدد من الحسابات التي اتّخذت من دول وسط آسيا هدفاً لها، على التحريض بشكل أساسي ضدّ روسيا. هذه الحسابات التي فُتحت جميعها بين حزيران 2020 وآذار 2022، تَوزّعت بين «فايسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«تلغرام» و«يوتيوب»، ومواقع التواصل الروسية، مثل «في كونتاكت» و«أودنوكلاسنيكي». بعضها اتّخذ صفة وسائل إعلامية إخبارية متخصّصة ببثّ الأخبار لسكّان دول وسط آسيا الناطقين بالروسية، فيما استخدم الجزء الآخر أسماء وصوراً وهمية لأشخاص غير حقيقيين، لكنهم «مواطنون» من تلك البلدان.
كانت للحسابات الإخبارية مهمّة واضحة: ضخّ الأخبار التي قد تثير المشاعر السلبية تجاه روسيا، وأحياناً اختراع السرديات الكاذبة من أجل إثارة الخوف لدى مواطني البُلدان المستهدَفة من النوايا الروسية. ولذا، جرت سرقة مواد إخبارية من مواقع غربية، كموقع شبكة «بي بي سي» الناطق بالروسية، ثمّ إدخال بعض التعديلات الصغيرة عليها ونسْبها إلى الجهة القائمة بالسرقة. ووفق تقرير «غرافيكا»، حرصت الصفحات المُشار إليها على تصوير روسيا على أنها «عدو» لدول وسط آسيا، حيث ادّعت أن موسكو تنشر بروباغندا خاصّة بها في المنطقة، وتحاول تقويض «الديموقراطيات المستقلّة». وعلى سبيل المثال، غطّت هذه الحسابات الأزمة التي عصفت بكازاخستان مطلع العام الجاري، لكن مهمّتها لم تقتصر على دعم الطرف المناوئ للحكومة الكازاخية فحسب، بل حرصت على دحْض «الدعاية الروسية»، التي اعتبرت أن الأحداث العنيفة في العاصمة ألماتي هي نتيجة «تدخّل أجنبي». كما ادّعت الحسابات الإخبارية الوهمية أن موسكو أرسلت قوات خاصة من مجموعة «فاغنر» إلى كازاخستان. كذلك، نشرت أخباراً مفبركة حول العنصرية التي تُعامل بها روسيا سكّان آسيا الوسطى المقيمين فيها، وذهبت إلى حدّ ادّعاء أن الحكومة الروسية عرضت على بعض هؤلاء الجنسية الروسية، في مقابل انخراطهم في جيشها، وهو ما تزامَن مع بدء الحرب في أوكرانيا. وكان لافتاً أيضاً استخدام تلك الصفحات مصطلح «إمبريالية» لوصف سياسة روسيا، و«الحروب الإمبريالية» لوصف انخراطها العسكري في عدد من مناطق الصراع، كسوريا وأفريقيا.

وفي مقابل ما تقدَّم، دأبت الجهات نفسها على تلميع صورة الولايات المتحدة؛ فنشرت أخباراً عن الدعم الأميركي لدول آسيا الوسطى وشعوبها، كما حاولت إظهار أميركا على أنها الشريك الاقتصادي الأمثل لهذه البُلدان، وذلك لتحريرها من التبعية الاقتصادية لروسيا.

الصين
صحيح أن روسيا كانت محور اهتمام الحسابات الوهمية في وسط آسيا، إلّا أنه كانت للصين أيضاً حصّة من التحريض. فسُلّط الضوء على قضيّة مسلمي الأويغور، وعلى «إبادة يتعرّضون لها على يد الحكومة». كما تحدّثت عن حصول جرائم بيع أعضاء وإتجار بالبشر، بالإضافة إلى عمليات اختطاف وعمل بالسخرة، راح مسلمو الأويغور ضحيّتها. واستُعملت عبارة «الإمبريالية الاقتصادية» لوصف أنشطة الصين الاقتصادية في وسط آسيا، والتي تشكِّل «تهديداً للمنطقة ولكلّ العالم»، وفق هذه الصفحات.



إيران
كما روسيا والصين، كانت لإيران حصّتها الوافية من الحملة، حيث أُوقف، وفق تقرير «غرافيكا»، 21 حساباً على «تويتر»، وصفحتان على «فايسبوك»، وستة حسابات على «إنستغرام»، جميعها معنيّ بمخاطبة الجمهور الإيراني. وفيما ادّعى بعضها «الاستقلالية وعدم التبعية لأيّ طرف»، نشرت تلك الحسابات باستمرار أخباراً منقولة عن وسائل إعلامية إيرانية مموّلة أميركيّاً. وتطرّق التقرير إلى اثنتَين من وسائل الإعلام الوهمية هذه، الأولى «فهيم نيوز»؛ والثانية «دارجة نيوز» التي تُعرّف عن نفسها على أنها «موقع إلكتروني مستقلّ وغير مرتبط بأيّ مجموعة أو منظّمة»، وملتزم تقديم أخبار «غير خاضعة للرقابة وغير منحازة». وكما وسائل الإعلام المزيّفة الناطقة بالروسية، تولّت الحسابات الوهمية مهمّة إعادة نشر أخبار من مواقع إيرانية مدعومة من القيادة المركزية. وفي هذا السياق، كانت صفحة «دارجة» الإيرانية تنشر باستمرار تصريحات قادة «سنتكوم»، وتغطّي نشاطات الجيش الأميركي في المنطقة. كذلك، ساهمت في نشر بلاغات باسم مطلوبين إيرانيين من قِبل الحكومة الأميركية.

أيضاً، ركّزت الحسابات المذكورة على انتقاد السياسات الداخلية والخارجية للحكومة الإيرانية، وعلى الربط بين الحالة الاجتماعية والاقتصادية الصعبة لفئة من المجتمع الإيراني، والسياسات الخارجية للحكومة. وفي هذا الإطار، زعمت، في منشوراتها، أن الحكومة حرمت الإيرانيين «الطعام» لتُعطيه لـ«حزب الله» في لبنان، وأن القائد السابق لـ«قوة القدس»، قاسم سليماني، جلب الفقر والبؤس للإيرانيين، بسبب دعمه لـ«حزب الله» وحركة «حماس». واستخدمت هذه الصفحات القضايا الإنسانية كبوّابة لمهاجمة الحكومة، وبشكل خاص المرشد الإيراني علي خامنئي، فتحدّثت عن حالات «قمع» و«قتل» لمتظاهرين إيرانيين، خلال تظاهرات حصلت في عامَي 2021 و2022. كما أثارت باستمرار قضايا حقوق النساء، خصوصاً على «فايسبوك» و«إنستغرام». من جهته، نال الحرس الثوري حصّة وافرة من التحريض؛ حيث جرى العمل على تحميله مسؤولية سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

البلاد العربية
خُصص 30 حساباً على «تويتر»، و6 حسابات على «إنستغرام»، و15 حساباً على «فايسبوك» للمنطقة العربية، استهدفت دولاً عدة، أبرزها لبنان وسوريا والعراق. ووجدت تحقيقات «غرافيكا» و«ستانفورد» أن هناك تنسيقاً بين هذه الحسابات، كما أن نشاطها لم يكن «حقيقياً». إذ نشرت مواد إخبارية من المصادر نفسها، وفي أوقات منسّقة. أحدها هو حساب على «تويتر» باسم «مكتشف»، أُعيد تفعيله وإضافة صورة شخصية إليه في أيار 2021، بعدما كان تابعاً بشكل مباشر لـ«سنتكوم». وادّعى هذا الحساب أنه «مواطن عراقي ينشر أخباراً عن التأثير السيّئ لإيران في العراق». وفي ما يتعلّق بالعراق، ركّزت تلك الصفحات على مهاجمة الدور الإيراني في هذا البلد، والمجموعات المسلّحة المرتبطة بإيران، فيما شكّل قائد «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، هدفاً دائماً لها. كذلك، جرى التطرّق، في عدّة مناسبات، إلى أزمة المياه التي يعانيها العراق، وتحميل إيران المسؤولية عنها من خلال تعريض مياه الأنهر المشتركة بين البلدَين للخطر.
وفي اليمن، صوّبت الحسابات الوهمية سهامها في اتّجاه حركة «أنصار الله». أمّا في سوريا وليبيا، فحملت على الدور الروسي، وبالأخصّ منذ بدء الحرب في أوكرانيا. وخُصّصت عدّة منشورات للحديث عن «قتل الجنود الروس لعدد من المدنيين»، بالإضافة إلى إطلاق نظرية مؤامرة تقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تقصّد خلق أزمة غذاء عالمية لضرب الاقتصادات الأقلّ ازدهاراً حول العالم.



أفغانستان
كان لهذا البلد حصّة «صغيرة» من الحملة، وفق التقرير، علماً أن الحسابات الوهمية حرّضت بشكل خاص ضدّ إيران و«طالبان» وتنظيم «داعش»، مستخدمةً اللغة البشتونية بشكل رئيس في منشوراتها، بالإضافة إلى الفارسية والعربية والأوردو.
وكما الحسابات العربية، فإن نظيرتها الأفغانية استعملت صوراً مركّبة باستخدام الذكاء الاصطناعي، لأشخاص وهميين. ونشرت مواد إخبارية من مواقع مدعومة من الجيش الأميركي، وعملت على تحريض الأفغان ضد إيران. وفي أحد المنشورات، زعم حساب أن جثة شاب أفغاني في إيران أعيدت إلى أفغانستان وتَنقصها أعضاء، مستنِداً في ذلك إلى خبر منشور على موقع «Afghanistan.asia-news» التابع مباشرة للجيش الأميركي. واعتبر تقرير «غرافيكا» أن المزاعم التي حملها الخبر غير مستندة إلى وقائع حقيقية. كما زعم حساب آخر أن الحرس الثوري الإيراني يجبر الأفغان العاملين في إيران على القتال في سوريا واليمن، تحت طائلة ترحيلهم إلى بلدهم في حال رفضهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى