باتت المجتمعات الاوربية والاسيوية والافريقية متيقنة ان القرن الحادي والعشرين هو قرن الانحدار الامريكي الى قاع التدهور بعد ان تربعت على قمة الاحادية القطبية لمدة زات على ٣٠ سنة. لم تعاني الدول الضعيفة من السياسة الامريكية المتهورة في قيادتها للعالم بل حتي أقرب القوى الاوربية المقربة منها، بريطانيا، فرنسا والمانيا. الحرب الدائرة في اوكرايينا ما هي الا نتيجة هذه السياسة التي رسمتها امريكا لاوربا، ماجعل الصين وروسيا وكوريا وايران مجتمعة ومن خلال الحرب الدائرة على الاراضي الاوكرانية ان تبعث برسالة معاكسة الى امريكا ان اخرجوا من اوربا واسيا او نخرجكم بالقوة. ولذلك فان روسيا لم تستخدم في هذه الحرب اي قوة مفرطة بقدر ماارادتها رسالة سياسية خصوصية موجهة لاخراج اوربا من هيمنة امريكا باستخدام أسلحة حرب كلاسيكية معتمدة على الدبابة بشكل رئيسي وسلاح الطيران وبندقية الكلاشنكوف. فقراءة الرسالة تفسر ماذا وراء نوايا الروس وصمت الصينيين وهدوء الإيرانيين واستفرازات الكوريين الشماليين لامريكا بين الحين والآخر في هذه الحرب.
•
روسيا اجرت مفاوضات في دولتين وعلى مستويين أحدهما دبلوماسي والآخر عسكري. الوفد الدبلوماسي هو برئاسة زعيم الدبلوماسية الروسية الوزير لافروف في تركيا مقابل وزير الخارجية الاوكراييني. المفاوضات الدبلوماسية بين الجانبين هو مجرد تمييع الوقت وصناعة اعلامية عن الحرب. اذ لم يعلن عن اي اتفاق لان روسيا على علم ان القرار الاوكراني سرعان ماتلغيه امريكا اذا ما اتخذته بمعزل عنها. اما على المستوى العسكري فالمفاوضات تجري مباشرة بين وفد روسي من كبار الضباط مقابل أخر امريكي من البنتاكون لأن روسيا تدرك ان اوكرايينا مجردة من اتخاذ قرار عسكري دون الرجوع الى امريكا. المفاوضات التي أجرها الوفد العسكري الروسي في بروكسل اشعر نظيره الامريكي ان تدخل الاطلسي في الحرب الاوكرانية قد ينهي اوربا باكملها بحكم قربها، من ساحة الصراع مع روسيا. العسكريون الروس اعلموا نظرائهم الامريكان ان البحار الاسود والبلطيق والمتوسط والجانب الشرقي من المحيط الاطلسي قد ازدحمت بالغواصات والمدمرات الروسية والصينية الحاملة للرؤوس النووية وان اي خطأ سيكلف امريكا وحلفاءها دمار غير محسوب، اذا ما لعبوا بذيل الاسد. كذلك أبلغ العسكريون الروس الجانب الامريكي ان روسيا احتمال تقوم بإنزال محطة الفضاء العالمية او تمنع ارسال المؤونة الى رواد الفضاء العاملين فيها من خلال صواريخ النقل الفضائية الروسية اذا تدخل الاطلسي. بعد انعدام الثقة باوكرانيا نتيجة استيلاء الجيش الروسي على مختبرات كيمياوية وبيولوجية في الاراضي الاوكرانية المتاخمة للحدود الروسية بات من الأرجح ضمها كلها الى الاتحاد الفيدرالي الروسي للسيطرة عليها واستحالة عودتها (اوكرانيا) دولة مستقلة في الجزء الشرقي من اوربا. ففي ١٢/ ٣/ ٢٠٢٢ كشفت روسيا عن تقرير بحثي بعد ان سيطرت على المختبرات البيولوجية والكيمياوية في اوكرانيا ان مصدر تصنيع فيروس كوفيد ١٩ هو من اوكرانيا ومنها ارسل الى مدينة يوهان الصينية بتزامن مع تركيز اعلامي على اتهام الصين انها مصدر كورونا.
على مايبدو ان الحرب مع اوكرانيا تسير كما تم التخطيط لها من الروس وبمساعدة الصين. فالرئيس بوتين حاليا يفاوض الغرب لا على ايقاف الحرب واعادة اوكرانيا دولة مستلقة بل على إرجاع دول البلطيق ليتوانيا ولاتيفيا واستونيا الى السيطرة الروسية. كذلك فانه يفاوض على اخراج دول اوربا الشرقية من الحلف الاطلسي وإنهاء الحلف نفسه كي لايشكل خطورة على روسيا عسكريا والصين اقتصاديا. منهيا بذلك هيمنة الدولار والهيمنة الأمريكية كقوة اقتصادية وعسكرية عظمى. اليوم روسيا تخوض حرب لم تؤثر على اقتصادها لارتفاع سعر النفط والغاز. واضافة الى الارتفاع المستمر في اسعار النفط والغاز التي يتوقع ان تصل ٢٠٠ دولار لبرميل النفط، اللذان لا يمكن لامريكا واوربا الاستغناء عنهما فان الصين تدفع فاتورة الحرب يوميا. ان مسألة السيطرة على العاصمة كييف هي مسألة وقت ليس الا. اعتقد ان الحرب الروسية- الاوكرانية خطط لها من قبل روسيا والصين قبل ١٥ سنة بالقليل لاستعادة الهيبة الروسية ببرود سياسي وتخطيط عسكري وتثبيت الصين القوة الاقتصادية الاولى في العالم.
