أحدث الأخبارالإسلامية

الحرب العالمية في فكر المرجع الشهيد الصدر الثاني “رض”

أحمد رضا المؤمن

بالوقت الذي نعيش فيه إرهاصات وتنبؤات أو على الأقل تحليلات وتوقعات تطوّر المواجهات بين روسيا وأوكرانيا وتحولها إلى حرب عالمية ثالثة تحضرني إطروحة فكرية ـ سياسية ـ تأريخية جميلة للمرجع الشهيد آية الله العظمى السيد مُحمّد الصدر “رض” حول مثل هذه التوقعات والتنبؤات أجاب عليها خلال مُقابلة صحفية في العدد السابع من مجلة الهدى الصادرة عن مكتبه بتأريخ 1/رجب/1419 هجـ (تشرين الأول 1998م) في الصفحات 27، 28، 29 هذا نصّه :

س/ لقد حدثت إلى الآن حربان عالميتان ، فهل يتوقع سماحة ولي أمر المسلمين حدوث حرب عالمية ثالثة ؟

ج/ إن هذا الكلام عليه تعليقان :

التعليق الأول : أنا أقول أن هاتين الحربين ليستا عالميتين ، وإنما هما محليتان . لكن أوربا أرادت إعطائهما الأهمية على أساس أنها عالميتان . فإننا نسأل ونقول : كم هي النسبة من العالم شاركت فيها ؟ فإنه قد شاركت فيها أوربا واليابان وأمريكا والقسم الأوربي من آسيا وأفريقيا كلها وأستراليا كلها لم تشارك بهذه الحرب لا بقليل ولا بكثير ، فإن نسبة واحد بالعشرة أو إثنين بالعشرة من العالم هي التي شاركت في الحرب .
فإنهم يريدون أن يقولوا : نحن العالم وليس غيرنا من يستحق إسم البشرية ، ونحن الإنسان وليس غيرنا وهم كاذبون بطبيعة الحال ، فلا الأولى ولا الثانية عالمية . وإنما هي حرب بين عدة دول لمصالحها الخاصة وليس أكثر من ذلك .

التعليق الثاني : قبل زوال الإتحاد السوفيتي كان هناك إحتمال أن توجد حرب طرفاها أمريكا والإتحاد السوفيتي ، وأنا كنت أستبعد ذلك وكنت أؤيد ذلك الذي يقول : هما غير مختلفين بل متفقان ، والإختلاف إنما هو صوري ، فهما متفقان بالأهداف التي يريدانها ويصطلحان عليها ، ضد الإسلام وضد التشيع ، وضد كل الشعوب المستضعفة وهذا ينبغي أن يكون أكيداً . فحينما زال الإتحاد السوفيتي مع من تتحارب أمريكا ؟
جوابه : أن أوربا تجمع العدد والعدة بما فيها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإنكلترا لكي تكون مُضادة لأمريكا ، فإذا إستفحل ذلك الأمر بالتدريج فلربما يؤدي إلى حصول الحرب .
وعندنا من الناحية الدنيوية أمران يمكن أن نستدل بهما على حصول مثل هذه الحرب :
أولاً : الروايات التي تقول يذهب من كل سبعة خمسة ، أو يذهب ثلثا العالم ، أو يذهب سبعة أعشار العالم ، ونحو ذلك من الأمور . وهذا لا يكون إلا بإستعمال الأسلحة الفتاكة ، وأسلحة الدمار الشامل الكامل إن صح التعبير .
الثاني : إنتصار المهدي “عليه السلام” . فإنه إذا ظهر الإمام في عالم كعالمنا وكما يقول البعض : أصبحت الكرة الأرضية قرية صغيرة بيد أمريكا . فسوف يكون ظهوره “عليه السلام” مُتعذراً ، ولكن الله تعلى فوق الجميع ، فإنه جل جلالـه يُخطط لأجل إنجاح ظهور الإمام “عليه السلام” .
ومن أسباب ذلك عدة أمور منها : قيام حرب عالمية تدمر كلا الطرفين . ويظهر الإمام في زمن ليس فيه قوة ولا عدد ولا عدة ويقول : أنا أحل مشاكلكم . (وهؤلاء الذين إدعوا حل المشاكل قد فشلوا مائة بالمائة ، إلى حد أدى إلى موتهم بأنفسهم وإحداث الدمار في مدنهم) فإتقوا الله وإلتفتوا إلى دنياكم وآخرتكم وأنا جئت صاحب الحل الصحيح . إنتهى .

ومن خلال تحليل هذا النص المبارك لجواب المرجع الشهيد الصدر “رض” يُمكن إستنتاج النقاط التالية :

1/ يُمكن الملاحظة وبوضوح حالة العزة الإسلامية التي يعيشها المرجع الشهيد الصدر في ضميره وثقافته ، فهو لا يخضع للثقافة الإستكبارية التي تروج إلى أن العالم يمثله دول معينة فقط ولا لتقسيماتهم العنصرية والإستكبارية من قبيل العالم الأول والثاني والثالث وما شابه .

2/ أن المرجع الصدر كان يؤمن بإستقلالية الشخصية الإسلامية في التعامل الخارجي وكما وصفها السيد الخميني “رض” (لا شرقية ولا غربية) فهو ورغم عداءه لأمريكا أو ما كان يصفها بدول الثالوث المشؤوم الظالم الغاشم (أمريكا ، إسرائيل ، بريطانيا) إلا أن ذلك لم يدفعه للميل نحو المعسكر الشرقي المتمثل بالإتحاد السوفيتي ، فالجميع برأيه تتفق مصالحهم بالنهاية ضد الإسلام والمسلمين ومصالحهم العليا .

3/ قراءته وتحليله العميق لتطور ونمو حالة الدول الأوربية وتحولها إلى ند وربما ضد للولايات المتحدة الأمريكية ، وهو ما نلاحظه الآن بوضوح ، فدول الإتحاد الأوربي ولغاية تأريخ كتابة هذه السطور تحاول أن لا تذهب بعيداً في العداء مع روسيا لأن مصالحها الإقتصادية ستتضرر كثيراً ، عدا بريطانيا التي هي ليست عضواً في الإتحاد الأوربي إضافة لكونها أصبحت صدى للسياسة الأمريكية التي تحاول إخضاع الدول الأوربية وتوريطها بمواجهة خطيرة جداً .

وليس عجيباً على المرجع الشهيد الصدر مثل هذه الإلتفاتات والتحليلات السياسية والتأريخية العميقة ، فهو نفسه صاحب موسوعة الإمام المهدي “ع” الرائعة الشاملة والتي قدم لها أستاذه المرجع الشهيد الصدر الأول “رض” ووصفه بأروع الأوصاف ، فمن يطلع مثله على دقائق الأمور في عصور ما قبل وبعد الظهور لا عجب أن يكون لديه بُعد نظر مثل المرجع الشهيد الصدر الثاني “رض” .

اللهم عجل لوليك الفرج وإجعلنا من أنصاره وأعوانه والممهدين لدولته الحق بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى