أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

الحرب على اليمن إلى أين؟ لماذا الحرب على اليمن، ومن هم الشركاء، وما هي منزلتها التاريخية بين كل الحروب؟

مجلة تحليلات العصر - الدكتور قيصر مصطفى / مجلة يمن ثبات (العدد الثاني8/2020)

نحن نطرح هذه التساؤلات التي لابد من طرحها من جميع الجوانب، لا لنجيب عليها نحن فقط ، بل ليتولى الإجابة عليها العالم كل العالم، والعرب كل العرب ، وجميع المهتمين بحقوق الإنسان والشرائع الدولية حقوقية كانت أم أخلاقية أم إنسانية أم دينية لدى كل شعوب العالم، فضلا عن المراقبين والخبراء، ذلك أن هناك مسؤوليات أخلاقية لا بد وأن يتحملها العالم كل العالم، وفي مقدمة شعوب العالم شعوبنا العربية،
ونحن بالطبع لا نستطيع مخاطبة حكامنا في هذا المجال؛ لأن هذا يعني أننا نكون قد أنزلناهم منزلة لا يستحقونها لأنهم لا يملكون أنفسهم، والذي لا يملك نفسه لا تحمله فوق ما يطيق، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإننا نكون قد أعطيناهم من المعنويات مالا يملكون منها شيئًا، فالحرب على اليمن خرجت على كل المعايير والمقاييس وخالفت كل الشرائع الإنسانية، ذلك أنه ما كان ينبغي أن تقع أصلاً بين أقطار يفترض أنها شقيقة ومن المفروض أن تعيش بأمن وسلام ، وتكون الحروب فيما بينها محرمة أخلاقياً واجتماعياً وإنسانياً ودينياً وتاريخياً، غير أن شيئاً من تلك القيم لم يؤخذ بعين الاعتبار ولو بأدنى نسبة، فهل كان من الممكن أن نتصور أن بلداً جاراً كالسعودية تشن حرباً على اليمن وهي جارة شقيقة بكل ما في هذه العبارة من معانٍ سامية لم يعيروا شيئاً منها أي اهتمام، وعلى من تقرأ مزاميرك يا داوود:

لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي

ومن ثم يجيشون عليها الجيوش، ويعقدون التحالفات الدولية مع القريب والبعيد، وتستعمل فيها كل الأساليب الوحشية حتى بات أقرب ما تكون إلى حرب إبادة، لا بل هي حرب إبادة حقيقية، ونكاد لا نفهم ولا يمكن أن نفهم الغاية والمدى الذي يمكن أن تصل إليه الأهداف من وراء هذه الحرب البشعة: مرتزقة عرب وغير عرب، أمريكيون صهاينة، فرنسيون، إنكليز ومعهم الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكلهم متواطئون في هذه الحرب متورطون فيها برعاية أمريكية، فضلا عن العرب الصامتين الذين يعتبرون شركاء في هذه الحرب العبثية التدميرية.

نعم العرب وإن كانوا يتصورون أنهم لا يشاركون فيها نقول لهم: أنتم المشاركون ولستم متفرجين، وما كان ينبغي أن تبلغ هذه الحرب ما بلغته وتصل إلى ما وصلت إليه، نعم نحن لا يمكن أن نتصور مدى اختراقها لكل ما عرفه التاريخ من قوانين الحروب والصراعات منذ آلاف السنين والشعوب والقبائل والدول تخوض حروبا فيما بينها، ولكنها كانت ترسم حدوداً وآفاق لها وتحتكم إلى شرائع وقوانين حرب إلّا حرب السعودية وحلفائها على اليمن، ومهما أبعدنا ومهما بالغنا ومهما شطحنا في محاولة فهمنا لطبيعة العداء الذي يقف وراء هذه الحرب ومسبباته، إلا أننا وببساطة ندرك أن اليوم الذي سوف تعود فيه المياه إلى مجاريها بين أهلنا في الخليج وأهلنا في اليمن، ومهما طال الزمن لنتصافح ونتعاون في إطار الأخوة التاريخية لا بدّ وأن يأتي مثل هذا الوقت ولكن مع زوال مسببات الحرب والفتن بزوال صانعيها والمتسببين بها، وهذا مرتبط بتطورات هذه الحرب التي لا بد وأن تنتهي، والذي يبدو أن هناك إصرارا من الفريق المعتدي على أن يحقق انتصاراً متوهما على شعب اليمن بأي ثمن ، ونحن نرى أن هناك من يغريه ويخادعه لبيع السلاح وإيهامه بإمكانية تحقيق نصر يحلم به القوم بعد أن تحول هذا الوهم إلى كابوس قاتل، ومازال الأمريكيون يوهمونه بذلك لأسباب نعرفها جيداً، فيشجعه ويحمسه ويدفعه، ولكن هذا بات من غير الممكن تحقيقه على أرض الواقع، ولو كان ممكناً لتحقق بسنة أو سنتين، ولكنه لم ولن يتحقق، لقد استعملوا أبشع الوسائل المعروفة والمحرمة دولياً، قصفوا المدارس والمستشفيات والمساجد والأعراس والجنائز ولم يستسلم الشعب الشجاع وقيادته المخلصة الصامدة.

حصار اقتصادي شمل الأغذية والأدوية والنفط وبقي الشعب صامداً، والصامد الصابر هو الذي ينتصر في النهاية هكذا علمنا التاريخ، استعملوا وسائل لم يلجأ إليها أي محارب في التاريخ: خداع، مماطلة، مناورات، ثم جرائم بشعة ومازال شعب اليمن صامدًا هذا الشعب الذي باركه الله بلسان نبيه، ولم يبارك قرن الشيطان.

ونحن هنا نحتكم للعقل، فالحرب الكونية التي لم تتمكن مملكة الفتنة من تحقيق النصر فيها طوال هذه الفترة الزمنية التي بتنا نقف فيها على مشارف السبع سنوات فماذا ينتظر العدو؟ والعقل يقول: ما دمتم أيها المجرمون القتلة لم تتمكنوا من تحقيق النصر طوال هذه المدة بالرغم من كل ما أنفقتموه من أموال، وبالرغم من كل الوسائل، فإن العقل يقول بأنكم لا يمكن بل من المستحيل أن تتقدموا ولو شبراً واحداً تتوهمون فيه بأنه يمكن أن يكون مقدمة لتحقيق نصر، ولو لحفظ ماء الوجه ولو استعنتم بكل العالم الذي أعطاكم كل ما يملك ولم يبق بين أيديه ما يعطيكم إياه، وأنتم استعنتم بأحدث آليات الحرب والدمار وجربتموها وخبتم فماذا تنتظرون؟ ويكفي أن نذكر حلفاءكم الذين وضعتم أنفسكم وبلدكم وأموالكم في خدمتهم وما بخلوا عليكم بالسلاح والمشورة والتدريب وكل وسائل الحرب المخابراتية والمعلوماتية، ومع هذا مازلتم معلقين بحبال الوهم، والنصر يبتعد عنكم وينأى بعيداً بعيداً، إن الذين مازالوا يغرونكم بمواصلة القتال إنما يريدون المزيد من الابتزاز وتحقيق المكاسب فارحموا أنفسكم ووفروا طاقاتكم وإمكاناتكم، ولطالما قلتم بأن مسألة تحقيق النصر على فقراء اليمن لن تستغرق أكثر من أسابيع ولن تبلغ الشهر ، وقلتم ذات يوم تنازلاً منكم بأن شهرين كافيان لتحقيق النصر، ولكن أين أنتم اليوم مما توهمتم أنها حرب مع فقراء، فكنتم أفقر الناس عقلاً، وأجبن الناس إقداما، وأعجز من أن تقتحموا ربوة رمل واحدة من رُبى اليمن، واتضح لكم وللعالم أنكم تقاتلون أفقر الناس وهذا صحيح لأنكم نهبتم خيراته وتمكنتم من تحطيم قدراته الاقتصادية، واتضح لكم أنكم تحاربون أشجع الناس وأشرف الناس وأبسل الناس، وقد خرجوا إليكم حفاة كالأشباح وهربتم منهم، وبالطبع فأنتم لا تقرؤون ولا تفهمون التاريخ، وتاريخكم مجرد تهريج وبهرجة، ولكن تذكروا أن اليمن لم تخضع لما خضعتم له عبر تاريخها الطويل، فلم تخضع للعثمانيين ولم تخضع للإنكليز الذين قادوكم واصطنعوكم، وقد انتصرت اليمن في كل الحروب الظالمة التي شنت عليها عبر التاريخ، ونحن لا يمكن أن نصدق أنكم تستوعبون أي درس إلا دروس الولاء والطاعة للذين أغروكم بهذه الحرب ودفعوكم إليها دفعا، وأنتم لا تملكون أمر معارضتهم فوقعتم في الفخ.

إن الذين استعنتم بهم ورهنتم أنفسكم لهم، تذكروا أنكم لم تربحوا عن طريقهم حربا واحدة داخل بلادكم، وكانت بريطانيا تلعب بكم، تسجل لكم الهزيمة المنكرة، ثم تعطيكم نصراً، حتى تمكنت من الهيمنة عليكم، وتذكروا أنكم لستم رجال حرب فدعوا هذه الحرب وأريحونا وأريحوا أنفسكم -والناس معكم- من شرورها، والعاقل هو من يتجنب الحروب ، نقول لكم بصراحة وصدق: لن تحققوا نصراً على اليمن ولو بعد قرن من الزمن، فاتركوها وشأنها، عودوا إلى رشدكم ونحن متأكدون بأنه لا مجال، فالذي لا عقل له من أين يأتيه الرشد؟ ولكننا ننصحكم وللمرة الأخيرة، لقد تورطتم بحرب اليمن، فاخرجوا منها بماء الوجه، واليمن مازالت تمد أيديها فاستجيبوا لدعوتها، إن اليمن السعيد ينبغي أن تعود سعيدة وهي لاشك ستكون سعيدة بانتصارها في هذه الحرب الكونية التي فرضتموها عليها بدون سبب، ونحن لا نقول ارفعوا الرايات البيضاء استسلاماً ولكن ارفعوها سلاماً لخير شعوبنا في الخليج واليمن، وهذه الشعوب من حقها أن تعيش بسلام، نحن لم نحارب الصهاينة سبعة أيام لكننا حاربنا بسوريا تسعة وقد شارفنا على السابعة في اليمن فكفانا حروبا عبثية لا يستفيد منها إلا العدو.

يمن التاريخ والحضارة يمن «بلقيس» و«سليمان» و«سد مأرب» لا يمكن لأحد أن يهزمها، فاوضوا بشرفٍ ولن تكونوا الخاسرين، والطريق الوحيد الذي تحفظون فيه ما بقي لكم من ماء وجهكم هو الجلوس على طاولة المفاوضات، واليمن أبدت حسن النية واستعدادها لذلك، فاجنحوا للسلم، ومعادلة بسيطة حول الإمكانات المتوفرة لديكم قارنوها بإمكانات اليمن، فيا للعار ألا تخجلون؟ وهل هناك من مقارنة؟ أنتم تمثلون اليوم البقرة الحلوب لأمريكا وغيرها، ولولا أنكم مرتهنون لها كنت أقول لكم احتفظوا بأموالكم وابنوا بلدكم، والقوة المستعارة والمشروطة والمقيدة لا يمكن أن تصنع نصراً، والنصر لا يستعار بل يصنع بالتضحيات والعزيمة الفولاذية التي لا تقهر كعزيمة اليمنيين، والذي يستعين بالمرتزقة لا يصنع إلا الخيبة، لذلك لجأتم لإسرائيل لظنكم أنها القوة التي يعتمد عليها وهي مازالت تجرجر أذيال الهزيمة التي تلقتها في لبنان وغزة، واعلموا أن إسرائيل وأمريكا أوهام وسراب، وكل من اعتمدتم عليهم ليحققوا لكم النصر على عمالقة اليمن ليس بإمكانهم أن يحققوا لكم ما تحلمون به، ثم ماهي الغاية من الانتصار على اليمن؟ أليس من العار أن تعلنوا حرباً على بلد شقيق خدمة لمصالح العدو الحقيقي؟ حددوا عدوكم بعقل وذكاء، وإذا كنتم اخترتم اليمن لكي تكون عدواً كاختياركم لإيران فإنكم ارتكبتم جريمة تاريخية لن يغفرها لكم التاريخ، ونحن لا عدوّ لنا إلا إسرائيل ومن يسير في ركابها وركاب أمريكا، ونحن ما اخترناكم لتكونوا أعداء بل أنتم من وضعتم أنفسكم في خانة العدو وتخندقتم في خندقه، ولا شك أنكم سوف تدفعون الثمن غالياً وإن غداً لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى