أحدث الأخبار

الخميني.. الذي نعرفه

د.سامي ناصر خليفة

عندما نجح الإمام الخميني بثورته المباركة في إيران عام 1979 وأسقط النظام العميل للغرب هناك وبدل سفارة الصهاينة ليرفع محلها علم فلسطين رسمياً للمرة الأولى، وأعلن جمهورية قائمة على حكم الشعب لنفسه، بعيداً عن التبعية للشرق أو للغرب، قامت قيامة الدوائر الغربية وأتباعهم من أنظمة المنطقة، وعلى رأسهم الطاغية المقبور صدام، فلم يجدوا أفضل ما يمكن تشويه سمعة هذا القائد وثورته وإبعاد الناس عن التأثر به وبها بأفضل من نعته بالطائفية وبأنه شيعي جاء لتغيير مذاهب ومعتقدات الناس، وذلك كذب صريح وافتراء مبطن بأهداف سياسية ومكائد خبيثة يراد منها إيجاد حاجز نفسي بين المجتمعات السنية وإيران الإسلامية.

وما يؤسف أن تلك المؤامرة قد انطلت على الكثير من الناس، وعلى رأسهم المنتمون للتوجه الإسلامي السني. لذا ونحن نمر في ذكرى رحيله لزم علينا أن نرفع المظلمة وننور جيلنا الحالي بحقيقة تلك الشخصية المجدّدة في الخطاب الإسلامي الرسالي، خلافاً لما طرح عنه في وسائل الإعلام المشبوهة والموجهة لمصلحة الغرب ومصالحه الخاصة. ولنا أن نبين بعض الحثيات المغيبة لإظهار الحقيقة وتوضيح الصورة، بعيداً عن شوائب الماضي.

ومن خلال النظر إلى البعد السياسي لشخصية الإمام نجد أنه كان يركز خطابه دائماً على قضايا المسلمين عموماً كأولويات مع إهمال القضايا ذات الخصوصية الشيعية، ويكفي التدبّر في الكثير من مقولاته عن القضية الفلسطينية والانفتاح على العرب والمسلمين وتبني قضاياهم المصيرية عموماً، بل أكثر من ذلك حين فرض اللغة العربية لغة رسمية في إيران تدرّس في جميع المراحل التعليمية هناك.


أما في البعد الرسالي فقد ركز خطاب الإمام على توحيد الصفوف بين المسلمين قاطبة على كلمة سواء تجمع ولا تفرق، فقد كان حريصاً على دعم وإسناد علماء السنّة قبل الشيعة مؤسساً عددا من المؤتمرات الدورية والمؤسسات والهيئات ذات الطابع التقريبي بين المذاهب الإسلامية. وما يؤسف أن تلك الدعوات والجهود لم تلقَ استجابة لدى كثير من علماء أهل السنة لأسباب سياسية في فترة الثمانينات لا نود الخوض فيها الآن.

وعلى الصعيد الفقهي، فقد كان الإمام محارباً للمعتقدات التي تفرّق بين المسلمين مهذباً أتباعه ومحبّيه فقهاً وسلوكاً، منها تحريمه شرعاً وتجريمه قانوناً لأي كتاب يطبع في إيران فيه سب أو قذف أو تجريح للصحابة أو زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ومنها عدم جوازه لأي صلاة جماعة أثناء فترة الحج في مكة المكرمة إلا في المسجد الحرام وخلف إمام الحرم المكي، بل أكثر من ذلك حين يرى حرمة إثارة أي أمر يؤدي إلى الفتنة بين السنّة والشيعة والتفريق بين المسلمين.

نعم… لقد كان الإمام بعيد النظر، ويعلم أن تواصل المسلمين واجتماعهم على نصرة قضاياهم من شأنه أن يذيب الرواسب والاختلافات فيما بينهم، وببعدهم عن بعضهم البعض تزداد الخلافات والانشقاقات.

رحمك الله تعالى أيها الخميني الراحل وسامح من ظلمك من بني جلدتنا، فقلة الذين عرفوك، ويكفينا تدبراً في مقولة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر: «ذوبوا في الإمام كما ذاب هو في الإسلام»، كي نقف جلياً لننظر إلى إسلامية دعوته ورسالية مبادئه وشمولية منهجه وأصالة خطه المحمدي. فلم يتكلم هذا الرجل يوماً عن الفرقة، بل كان دائماً شعاره توحيد الكلمة وكلمة التوحيد، وكان الله تعالى وحده مقصده ودالته. رحمك الله تعالى أيها الخميني وأسكنك مع العليين… إلهي آمين.

_____
مقال نشر في جريدة الرآي الكويتية بتاريخ ٢يونيو٢٠٠٩م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى