أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

الدبلوماسية اليمنية.. وآفاق المستقبل

مجلة تحليلات العصر الدولية - سند الصيادي / مجلة يمن ثبات

مثلت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ولادة وانبعاثة جديدة للدولة اليمنية على أنقاض دولة سابقة مقوّضة شخصيتها الداخلية والإقليمية والدولية من المفهوم الكامل لهذا المسمى، وعلى وقع الثورة ووقائع المحاولات الإقليمية والدولية لإجهاضها جرى- ولا يزال يجري- إعادة بناء الشخصية الاعتبارية لهذه الدولة بمكوناتها الرئيسة( الشعب – الإقليم – الحكومة – السيادة – الاستمرارية السياسية)، و تحت مختلف صنوف المنغصات والعوامل الجيوسياسية المضادة و القاسية التي تناوئ هذا التوجه، و تحيك مختلف المؤامرات، و توظف هائل الإمكانات؛ لوأده واجتثاثه قبل أن تنال كل أركانه مفاعيل القوة الكافية للنهوض و الاستمرارية.

ومن القصف والتدمير والقتل لمقدرات الدولة المادية والبشرية، واحتلال أجزاء واسعة من الأرض اليمنية، ومحاولة ضرب النسيج اليمني ببعضه، مرورا بإنهاك الاقتصاد الداخلي من خلال نهب الثروات، وعدم تمكين الشعب منها، وإغراق النقد المحلي بالأوراق المالية المزيفة، وانتهاء بإحكام الحصار والعزل الإقليمي على القوى الوطنية، واحتضان سفراء غير شرعيين تابعين للتحالف باسم اليمن؛ لشغل سفاراتها و مقاعدها في المحافل الدولية، على الرغم من كل ذلك فقد حققت الدبلوماسية اليمنية تقدمات كبيرة وملموسة، وتم إدارة ملفاتها بحنكة وصبر ورؤى واقعية بعيدة المدى، وانطلقت من بين رماد وقيود هذا الواقع إلى خارج الحدود؛ لترسم ملامح حقبة جديدة من العلاقات الدولية برسم الدبلوماسية اليمنية المغايرة كليا لما كانت عليه سابقا، وبمعطيات وتطلعات فرضتها الإرادة الشعبية التي أعادت صياغة مفهوم الدولة، وصورة الإنسان اليمني في الخارج، وروزنامة الملفات التي يحملها ممثلوه في حقائبهم الدبلوماسية لدى الدول الشقيقة والصديقة، وكذلك في المحافل والمؤتمرات الدولية.

وفي ذروة الاستهداف الشامل للبلاد، وحضور الشعب اليمني وقيادته في مختلف مجالات المواجهة، ومع الفارق الكبير الذي يميل إلى جانب معسكر تحالف العدوان في الإمكانات و واقع الهيمنة الدولية، كانت تبدو فرص الجبهة الدبلوماسية والمساعي لتنشئة العلاقات الخارجية ضئيلة للغاية؛ إذ ينحصر الأصدقاء أو بالأحرى الأنظمة الصديقة بعدد أصابع اليد الواحدة، ويحكم التواصل معهم ظروف صعبة بفعل الحصار، و يد العقوبات الدولية المسلطة على هذا الشعب وعلى كل من تعامل معه واعترف به إقليميا و دوليا.

غير أن حنكة قيادة الثورة الفتية في البلاد، ومن حولها نخبة رجال اليمن تجلت أيضا في فتح وإدارة قنوات التواصل مع الخارج من دول ومنظمات وشعوب، وإحسان الاستغلال لعوامل كثيرة أنتجتها أخلاقيات الأطراف في المعركة، والحجج التي يتمترس خلفها كل طرف، كل تلك كانت معززات لتحقيق نجاحات كبيرة في كسر الحصار الدبلوماسي المفروض من قبل تحالف العدوان، ونقل مظلومية الشعب اليمني للعالم، من خلال انتهاز فرص التواصل مع الخارج من دول و منظمات وشعوب في كشف جرائم ومخططات العدوان وأجندته التي تحاك ضد الشعب اليمني المعتدى عليه، على الرغم من حرص قيادته الثورية والسياسية على مد يد السلام للوصول لتسوية سياسية وسلام عادل ومشرف للشعب اليمني، وفق ما تفرضه التشريعات الإلهية والقوانين والمواثيق والأعراف الدولية.

وبالإضافة إلى تحركات الخارجية اليمنية، والدور الذي لعبته لهذا الهدف على الرغم من عدم الاعتراف بها وبحكومة المجلس السياسي في صنعاء، كانت جهود الوفد الوطني المفاوض في مختلف مراحل الصراع كبيرة ومحورية، ومثلت خطوات إلى الأمام في مساعي التواصل والتفاهم الدولي غير المعلن، وعلى الرغم من فشل كل جولات المفاوضات بفعل التأثيرات والإملاءات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية إلا أن الوفد اليمني استطاع أن يقوم بأدوار دبلوماسية على هامش الحوار السياسي، وأجرى عددا من اللقاءات الناجحة مع دول ومنظمات فاعلة في السياسة الدولية، نقلت حالة العزلة الدولية التي تمر بها اليمن من مربع المخاوف التي كانت تعتري المجتمع الدولي من النظام الوليد في اليمن وضبابية صورته التي تتعرض لأشد أنواع التشويه والتشهير الإعلامي إلى مربع التعاطف والتقارب والاستعداد للتعاون الذي يؤذن بإعادة تطبيع العلاقات بين هذه الدول والجماعات وبين اليمن الجديد، ولم يعد لدى معظم دول العالم أي مخاوف أو تحفظات بشأن تبادل السفراء مع صنعاء إلا في إطار حسابات مصالح تلك الدول المتعلقة بضريبة هذا التطبيع على المستوى الدولي في ظل الهيمنة الصهيوأمريكية على صناعة القرار، والكثير من الدول بررت تأخير عودة سفرائها إلى صنعاء واستقبال ممثلي صنعاء بالحرص على إنهاء الحرب، والانتظار حتى حدوث أي تسوية سياسية، إلا أن هذه التسوية للأسف لا تزال عالقة في مزاد الابتزاز الغربي لدول النفط العربي التي تغرق في مستنقع الحرب على اليمن، ناهيك عن الأطماع البريطانية الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة واليمن التي كانت- ولا تزال- هي المحرك الرئيس لاستمرار الصراع، وعلى رأس المنغصات التي تحول دون انفتاح اليمن على شعوب وأنظمة العالم.

غير أن هذا التحول الكبير في القناعات الدولية ما كان له أن يحدث لولا الحكمة والصبر الاستراتيجيان اللذان أدارت بهما القيادة الأزمة مستوعبة بوعي كبير أهمية إدارة العلاقات الدولية والسياسات الخارجية في حصد المزيد من الحقائب الدبلوماسية على طريق كسب المعركة وتحقيق الانتصار.

لقد تجلت أولى النجاحات النوعية في هذا السياق باستقبال الجمهورية الإسلامية في إيران لسفير يمن ما بعد ثورة 21 سبتمبر، و هذا النجاح لا يمكن تبريره بالتحالفات المسبقة التي يسوّق لها إعلام العدو، ولا يمكن لدولة بحجم إيران التي تدير ملفها الخارجي بمرونة واقتدار في أن تغامر بالاعتراف بكيان جديد يتشكل في ظل الحرب دون أن يكون مستوى الأهلية والأداء الوطني في داخل هذا الكيان قادرا على الاستمرارية السياسية، و مشجعا للبلد المعترف به على الإقدام على هذه الخطوة، ومواجهة تداعياتها بالاستناد إلى شرعية هذا السفير الشعبية و القوى التي تقف خلفه.

وتحت هذه المعطيات التحقت الجمهورية العربية السورية ، وبات لليمن- بعد ست سنوات من رهانات لي ذراعه الفتي- سند ومتنفس رسمي عربيًّا و إسلاميًّا، وخيارات مفتوحة على مصراعيها في زمن التحالفات المناوئة للسياسات الأمريكية على مستوى المنطقة، أو تلك التي تحدث في مسار الصراع الاستراتيجي الدولي، و كلها تؤذن بالمزيد من التوسع الدبلوماسي الذي تفرضه المصالح الدولية، و قبل كل شيء فقد فرضه الصمود والثبات الداخلي اليمني على الأرض في المواجهة العسكرية و الشاملة مع العدو، والنجاح في إدارة ملف الحرب عموما على كل الأصعدة، وتعززت فرص هذا التوسع الذي كان مطلبا يمنيا في البداية للخروج من عنق الزجاجة التي أراد أعداء الإرادة اليمنية حشر الشعب اليمني فيها، إلى أن أصبح مطلبا إقليميا ودوليا تفرضه المصالح المشتركة والعلاقات الثنائية، وبمعنى أصح و أوضح إن العالم بات يرغب اليوم – خارج الإملاءات الغربية – إلى عودة علاقاته مع صنعاء بالقدر نفسه الذي ترغب به الأخيرة، وهذه الرغبات الخجولة اليوم ستصبح ضرورة غدا، ومسار الأحداث يبشر بتعجيلها زمنيا، وإن غدا لناظره قريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى