أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

الدم اليمني في «بورصة» الإعلام الدولي

عبدالله علي صبري (رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين)-مجلة يمن ثبات العدد الأول 7/2020

بهدف التعتيم على جرائمها في اليمن، اتجهت الرياض إلى إدارة حملة علاقات دولية اعتمدت على مخاطبة الغرب بلغة تختلف عمَّا هو سائد في القنوات والوسائل الإعلامية العربية الممولة سعوديا وخليجيا. وبالفعل فقد تبنت وسائل الإعلام الغربية وكبريات الصحف البريطانية والأمريكية الرواية السعودية للحرب على اليمن، التي زعمت أنها جاءت استجابة لطلب ما يسمى بالرئيس الشرعي في مواجهة الانقلاب الحوثي بزعمهم. وحتى عندما تكشفت الجرائم والانتهاكات المتوالية التي ارتكبها تحالف العدوان السعودي الأمريكي بحق المدنيين، وظهرت أصوات خجولة تدعو لإيقاف الحرب، وإغاثة اليمنيين، وحث أطراف الصراع على التفاوض والبحث عن حل سياسي، فقد لزمت الصحافة أو «الإعلام الحر» في الغرب الصمت المريب.
الحرب المنسية حتى حين
تنبهت هيلجا زيب-لاروش، مديرة معهد شيللر الدولي، للموقف الإعلامي في الغرب من حرب اليمن، فقالت في كلمتها المقدمة إلى «مؤتمر برلين» الذي عقد في 25 فبراير 2017م تحت شعار «جرائم الحرب المنسية في اليمن»: لم يفضح النفاق الذي لا يُحتمل لمن يسمى بـ «الغرب الحر» شيء سوى الامتناع عن التغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي ترتكب يوميا ضد الشعب اليمني منذ عامين». وتساءلت في ذات الكلمة: أين هم كل أنصار «التدخلات الإنسانية»، الذين يحرضون للحرب تلو الأخرى تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان، المبنية في حقيقة الأمر على الأكاذيب؟ أين هي التقارير الصحفية حول قصف مجالس العزاء والمستشفيات واستخدام القنابل العنقودية المحرم استخدامها دوليا وحول موت ما يزيد عن ألف طفل أسبوعيا، بسبب الأمراض التي بالإمكان الوقاية منها؟ أين هي الاحتجاجات ضد التدمير المنهجي للتراث الثقافي والإرث الإنساني العظيم؟
المدخل الإنساني وعين «بثينة»
مع إعلان الأمم المتحدة أن اليمن تشهد أكبر كارثة إنسانية في العالم بفعل الإنسان، كان على كبريات وسائل الإعلام الغربي أن تعالج حضورها المتأخر في اليمن، وتكثيف التغطية الإعلامية بخصوص المأساة الإنسانية في اليمن. وإذا كانت المنظمة الدولية قد رفعت من صوتها، فإنما بهدف ابتزاز التحالف السعودي وجلب المزيد من الدعم المالي لأنشطتها والمنظمات التابعة لها في اليمن، (علما أن الجزء الأكبر من الدعم الأممي يذهب في نفقات تشغيلية ورواتب ضخمة لكبار موظفي الأمم المتحدة في اليمن وعلى رأسهم المبعوث الأممي).
ولأن تحريك الرأي العام في الغرب، يتطلب المزيد من تسليط الأضواء على معاناة الأطفال في اليمن، فإن جرائم التحالف السعودي تكفلت بالمهمة، حين تعمد طيرانها استهداف منزل أسرة الطفلة «بثينة الريمي» بالعاصمة صنعاء، في جريمة إبادة مضافة للسجل السعودي الأسود في اليمن، فقد طافت صورة بثينة -وهي الطفلة الناجية الوحيدة من آثار الغارة الجوية-معظم الوسائل الإعلامية والغربية، باعتبارها رمزاً ودليلاً على مأساة الحرب في اليمن.
المجاعة المتصاعدة هي الأخرى كانت مدخلاً إنسانياً لتعاطى الصحافة الغربية مع جرائم السعودية وحربها على اليمن، وقد انفردت صحيفة «نيويورك تايمز» بنشر تقرير هام عن مأساة اليمن بفعل العدوان السعودي، مع صور حصرية ومأساوية لحالة المجاعة التي تفتك بحياة الأطفال في اليمن، وبينهم الطفلة «أمل حسين» ذات السبع سنوات، التي قال التقرير أنها لفظت أنفاسها الأخيرة بسبب الجوع. وحظي التقرير والصور المصاحبة له باهتمام كبير لدى مختلف وسائل الإعلام الدولية، التي طالب كتابها بإيقاف الحرب المدمرة في اليمن.
وكان لافتا في تقرير الصحيفة الأمريكية إشارتها إلى تزايد الانتقادات للحرب التي تقودها السعودية، والضربات الجوية التي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين في حفلات الزواج والمآتم وباصات نقل الطلاب، تلك الضربات المنفذة بالقنابل والاستخبارات التي تحصل عليها السعودية من الولايات المتحدة، كما ذكر التقرير بالنص.
أزمة خاشقجي والضمير الإعلامي
فجرت أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بتلك الطريقة البشعة موجة سخط سياسية وإعلامية اجتاحت الكثير من دول العالم، الأمر الذي سمح بمزيد من تسليط الأضواء على جرائم النظام السعودي بحق الإنسانية في اليمن، والمطالبة بإيقاف حرب اليمن والمأساة الإنسانية الناجمة عنها. فقد تصاعدت حدة المواقف السياسية المناهضة لحرب اليمن، وتصاعد معها الاهتمام الإعلامي باليمن، الذي تصدر نشرات الأخبار ومحادثات المسؤولين والقادة الغرب على عكس التجاهل الذي كان سائدا قبل عملية الاغتيال، كما أن المبادرات والقرارات التي اتخذت من بعض البلدان الأوروبية والمؤسسات الدولية، أكدت أن تغييراً واضحاً كان السبب فيه مقتل الصحافي السعودي «جمال خاشقجي» بات يسيطر على كافة القوى الدولية تجاه الأزمة اليمنية، ومن ذلك إعلان الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» وتأكيده أن قضية مقتل خاشقجي يمكن أن تتيح فرصة لإيجاد حل سياسي للحرب في اليمن.
وللتخفيف من الضغوط الكبيرة التي واجهت النظام السعودي وجعلته محشورا في زاوية حرجة، بادرت الإدارة الأمريكية لطرح أفكار تتعلق بالسلام في اليمن، وحظيت هذه الأفكار بترحيب غربي في فرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة، بل وحظيت بترحيب من طرف صنعاء وحكومة الإنقاذ، مع التحفظ على بعض مضامينها المخادعة. ففي 30 أكتوبر 2018م، دعا وزير الخارجية الأمريكي «مايكل بومبيو» جميع الأطراف إلى دعم المبعوث الأممي في إيجاد حـل سلمي للصراع في اليمن؛ استنادا إلى المراجع المتفق عليها. وقال في بيان صحفي: لقد حان الوقت الآن لوقف الأعمال العدائية، بما في ذلك الهَجَمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. مضيفاً في وقت لاحق: يجب أن تتوقف الضربات الجوية للتحالف في جميع المناطق المأهولة بالسكان في اليمن.
في الأخير فقد أدت هذه الضغوط إلى جمع الأطراف اليمنية بدولة السويد، والتوصل إلى اتفاق ستوكهولم، الذي وضع حدا للحرب حول مدينة الحديدة، وفتح آفاقا لإمكانية إنجاز اتفاق سياسي أشمل، الأمر الذي ترجمته وسائل الإعلام في نشراتها وفي الكتابات والتقارير والاستضافات التي ركزت على المشهد اليمني، وساعدت على صرف الأنظار عن قضية مقتل خاشقجي وتداعياتها على الداخل السعودي.
غير أن حرب اليمن قد دخلت مرحلة جديدة من النسيان، ولم يعد هناك متسع من الألم أو الضمير لدى الصحافة في الغرب، ما يتوجب على اليمن البحث في استراتيجية إعلامية مغايرة، ينصب اهتمامها الرئيس على تحريك وإثارة الرأي العام الدولي، وتوظيفه باتجاه إيقاف العدوان والحصار، وإدانة الجرائم التي يرتكبها تحالف العدوان السعودي الأمريكي بحق المدنيين، ويراد لها أن تمر دون عقاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى