أحدث الأخبارالثقافة

الدولة العميقة ومقايضة الحرية بالتطور التكنولوجي.. نبوءات ألدوس هكسلي في “عالم جديد شجاع”

مجلة تحليلات العصر الدولية

♦️إخبارية ثقافية عن الجزيرة: قبل 9 عقود وبالتحديد عام 1931، كتب الروائي والمؤلف الإنجليزي ألدوس هكسلي روايته الشهيرة “عالم جديد شجاع” التي اعتبرت أيقونة من أيقونات الخيال العلمي الذي يستشرف واقعا بائسا مريرا يحدث في المستقبل، حيث يسيطر العلم على البشر وتزول المشاعر الإنسانية ويفقد الناس حريتهم لصالح سعادة متوهمة.

▪️تدور أحداث الرواية في دولة عالمية خيالية، يندرج مواطنوها في تسلسل هرمي اجتماعي قائم على الذكاء، وتستشرف الرواية تطورا هائلا في التكنولوجيا الإنجابية والتعلم في أثناء النوم والمخدرات والتلاعب النفسي التي تستخدمها السلطة لتشكيل مجتمع بائس لا يواجهه سوى فرد واحد، هو بطل القصة الذي يعيش في عالم يفقد الإنسان فيه هويته بالتوازي مع التقدم التكنولوجي الهائل الذي استشرفه المؤلف.

▪️كتب هكسلي متوقعا “سيكون هناك في الجيل القادم -أو نحو ذلك- طريقة دوائية لجعل الناس يحبون عبوديتهم، وسيتم إيجاد دكتاتورية بدون دموع إذا جاز التعبير. سيتم إنتاج نوع من معسكرات الاعتقال غير المؤلمة لمجتمعات بأكملها، بحيث يتم حرمان الناس من حرياتهم في الواقع، ولكنهم يستمتعون بالحياة بينما ينصرفون عن أي رغبة في التمرد عن طريق الدعاية أو غسل الأدمغة أو غسل الأدمغة بالأدوية”.

▪️وتحكي الرواية عن عالم يجري فيه تفكيك الأسرة ومؤسسة الزواج، وتقوم الحكومة بتلقين الأطفال ما تشاء وتربيهم بطريقتها، وتبقي السكان خاضعين للمخدرات والأدوية التي تسمح بها، بينما يكون التكاثر عبر المختبرات حيث تتم هندسة الأجيال الجديدة وراثيا بالتكنولوجيا الجينية إلى طبقات اجتماعية مختلفة ضمن تسلسل محدد تحت ذرائع بلوغ السعادة والازدهار والمتعة والأمان وضمانهم.

🔸عالم العقاقير والآلات

▪️يحذر هكسلي في الرواية من عالم العقاقير والآلات، حيث يتم تخليق الأجنة في أنابيب اختبار بدلا من الزواج وإنجاب الأطفال، بينما ينكر المجتمع العاطفة ويرفض تقدير الجمال والشعر، لصالح سيطرة العلم والعلماء التقنيين الذين يحاولون تنميط البشر وإنكار الميول والفروق الفردية والشخصية لخدمة شمولية متشابهة ومستقرة.

▪️كتب هكسلي روايته المثيرة للجدل في أثناء إقامته في ساناري سور مير بفرنسا، في الأشهر الأربعة بين مايو/أيار وأغسطس/آب 1931، بحلول هذا الوقت، كان هكسلي قد اشتهر بالفعل بوصفه كاتبا اجتماعيا ساخرا.

▪️وألهمت أحداث الكساد في المملكة المتحدة عام 1931 -التي تزامنت مع البطالة الجماعية والتخلي الأميركي عن قاعدة الذهب- هكسلي الذي أصبح مقتنعا أن الاستقرار كان “الحاجة الأساسية والنهائية” إذا كان للحضارة أن تنجو من الأزمة الحالية.

🔸أفول المدينة الفاضلة

▪️استقبل النقاد “عالم جديد شجاع” بشكل حافل، وفي مقال نُشر عام 1935 في صحيفة أخبار لندن المصورة، أوضح الكاتب والفيلسوف اللاهوتي الإنجليزي غلبرت كيث تشيسترتون أن هكسلي كان يثور ضد “عصر المدينة الفاضلة”.

▪️استند الكثير من النقاش العام حول مستقبل الإنسان قبل عام زمن الحرب العالمية الأولى إلى فرضية أن الإنسانية ستحل جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية بالعلم والتطور، وفي العقد الذي أعقب الحرب، تحول الخطاب إلى فحص أسباب الكارثة. ثم نُظر إلى أعمال الروائي هربرت جورج ويلز والكاتب البريطاني-الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو حول وعود الاشتراكية والدولة العالمية على أنها أفكار المتفائلين الساذجين الحالمين بالجنة المتوهمة.

▪️كتب تشيسترتون أنه بعد عصر اليوتوبيا، جاء ما يمكن أن نسميه العصر الأميركي، واستمر طوال فترة الازدهار. بدا للكثيرين أنه تم حل اللغز الاجتماعي وأصبحت الرأسمالية للصالح العام، لكن هذا التفاؤل دفع الناس إلى التشاؤم؛ لأن الركود جلب المزيد من خيبة الأمل حتى من الحرب.

▪️”مرارة جديدة وحيرة جديدة طالت كل الحياة الاجتماعية وانعكست في كل الأدب والفن. لقد كان ازدراء، ليس فقط للرأسمالية القديمة، ولكن للاشتراكية القديمة.. عالم جديد شجاع هو بمثابة ثورة ضد المدينة الفاضلة”.

▪️وبالمثل، في عام 1944، وصف الاقتصادي لودفيج فون ميزس العالم الجديد الشجاع بأنه هجاء التنبؤات الطوباوية للاشتراكية فلقد “كان ألدوس هكسلي شجاعًا بما يكفي لجعل جنة الاشتراكية التي حلمت بها هدفا لمفارقة ساخرة له”.

🔸عالم هكسلي والدولة العميقة

▪️وفي مقاله بمجلة “سبيكتيتر ورلد” (Spectator World) الأميركية، يقول الكاتب غيلبرت تي سيوول إن الثقافة الأحادية التقدمية سادت العديد من مؤسساتنا الخاصة والعامة، وألدوس هكسلي رآها عندما كانت قادمة، حيث توقع عام 1958 تفاقما في قوة السلطة قادرا على تشكيل وتحدي الإرادة الشعبية.

▪️وتوقع أيضا في ظل الدفع المستمر للتحكم في الزيادة السكانية وزيادة التنظيم المفرط، ومن خلال أساليب أكثر فاعلية للتلاعب بالعقل، أن تغيّر الديمقراطيات طبيعتها، كما توقع بقاء الأشكال القديمة الجذابة: الانتخابات والبرلمانات والمحاكم العليا وغيرها. وقال إن الشيء الأساسي الذي سيسود هو نوع جديد من الشمولية غير العنيفة.

▪️ووفقا لمؤلف رواية “عالم جديد شجاع” حسب ما يقول غيلبرت، إن التغييرات ستكون غير محسوسة تقريبا.

▪️”كل الأسماء التقليدية، كل الشعارات المقدسة ستبقى كما كانت في الأيام الخوالي. وستكون الديمقراطية والحرية موضوع كل بث افتتاحي، وفي غضون ذلك، ستدير ​​الأقلية الحاكمة ونخبتها المدربة تدريبا عاليا من الجنود ورجال الشرطة وصناع الفكر والمتلاعبين بالعقل العرض بهدوء كما يرونه مناسبا”.

▪️ويقول الكاتب إن الدولة العميقة اليوم هي نبوءة هكسلي أمس، فقد حلت بالعالم -شئنا أم أبينا- إذ يعيش الأميركيون حاليا داخل مجمع طاقة وآلة فكرية تشع من العاصمة، وتمكننا أجزاؤها المتحركة وعجلاتها، كما هو الحال مع الساعة، من العيش في النظام السياسي والاقتصاد والثقافة الصارمة التي نعيشها، بحسب تعبيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى