أحدث الأخبارالثقافة

الديمقراطية بمنظار مختلف

مجلة تحليلات العصر الدولية - الشريف علي صبح

لطالما كانت الشعوب على مر التاريخ بحقباته المتفاوتة تعاني كل بحسبها عبر طياته من التهميش و الإلغائية وصلت حد الاستعباد لأفكار ترجع ربما لشخص ما على أنه الحاكم أو زعيم دولة أو لخطة إستعمار ، فنرى منذ القديم والناس يستصرخون وينادون للتحرر آناً وأخرى للمساواة إيمانًا منهم أن المساواة أساس لرفع حالة الاستبدادية وظلم الأقلية بشكل من الأشكال عن الشعوب ، فكثير نادوا بالتحرر والمساواة كأساس لبناء مجتمع يكون مستقرا و متساويا في مناحي الحياة والحكم على حد سواء فبعد إقرار استقلالية الفرد و ضمان أن يكون سلوكه في الحياة بإختياره رفضاً للعبودية والتهميش التي كانت سائدة في غابر الأزمان مرورا بزمن الثورة الصناعية والاستعمار و رؤية الماركسية النور عطفاً على الرأسمالية بحيثياتها كانت الديمقراطية طريقاً لتفرض نفسها في حفظ حقوق الإنسان في نفسه ومجتمعه .
الديمقراطية أو تجزئتها إلى ديمو- كراتس كما في اليونانية أو بمعناها الذي اتخذ شكل حكم الشعب شعاراً أعطت له حق سلطة نفسه ، بعبارة أخرى أثبتت سلطة الشعب ، إن الديمقراطية رغم قدمها و معاصرتها أوائل الشعوب في العالم منذ عصر اليونانيين سنة 500 قبل الميلاد لم يعمل بها الكثيرون لاحقا ، لكنها بقيت بشكل من الأشكال و إلى حد ما ترافق الأفكار والنظريات كما بدا واضحا في نظرية العقد الاجتماعي عند جان لوك ، العقد لم يكن ديمقراطية لكنه كان يحمل شيئا من الديمقراطية في بعض تفصيلاته بل و حتى في نفس فكرته الا أنه لم يعمل بالديمقراطية رغم سبقتها لأسباب فردية شخصية كانت تدر بالنفع الأول والأخير على الحاكم أو الدولة ومصالحها .
كثيرون أتوا بعد التجربة الأولى للديمقراطية في اليونان القديمة -أثينا- والتي اتخذت شكل الديمقراطية المباشرة من بين الأنظمة رغم الاستبدادية وحكم الأقلية التي كانت من الأشكال الطبيعية للحكم في ذلك الوقت. لم تكن تنتشر الديمقراطية كما نعرفها اليوم والتي بقيت مثالاً كما يعرفها العالم نتاجاً عن التجربة الأوروبية أو الديمقراطية الليبرالية ، التجربة الديمقراطية الأوروبية لولا ارتباطها بعاملين مهمين ساهما في طلب الناس والشعوب بالحق بالمشاركة بالحكم و لولا مشاركة الشعب في الجيش والسبب الثاني كان الضرائب، فالجيش كان من طبقة النبلاء و كانوا هم النخبة لتولي الحرب فلم يكن يحق للشعب المطالبة بشيء يتعلق بالحكم إذ أنهم لايساهمون بشيء على الصعيد العسكري الذي يتخذ شكل الاستعمار وأخذ خيرات البلاد لصالح الحكومة والدولة فقط من دون الناس. لكن الحال تغير بعد أول جيش شعبي قاده نابليون بونابارت وبسبب الضرائب التي شكلت تدريجيا و في نهضة عصر التنوير مطالبة الشعب بالمشاركة في الحكم .
هذه الديمقراطية التي هي وليدة ذلك الوقت تطورت مع الزمن تدريجيا إذ انه حتى في أثناء الديمقراطية في أثينا والديمقراطية المباشرة و شعارها الأخّاذ في تحكيم سلطة الشعب لم يكن النظام مثاليا لانه مع ذلك لم يكن يسمح للعبيد ولا النساء بحضور و مشاركة مسائل الحكومة والتنفيذ السياسي مقارنة مع فهمنا الحديث للديمقراطية، وحتى مع التجربة الأوروبية التي كانت الديمقراطية آنذاك مثلا تحسب لما يدفع الضرائب و يملك ثروة أعلى ينتخب ممثل عنه في الحكومة فكان المكان الاجتماعي أو مقدار الثروة يحدد قوة صوت الفرد وقدرته وحقه في المشاركة في الحكم وعلى أية حال هكذا تدريجيا تطورت الديمقراطية منذ العقد الخامس قبل الميلاد إلى اليوم لنراها تراكم تجارب وأشكال مختلفة إلى أن وصلت إلينا كما نعرفها الآن .
بعد أن طرحت الديمقراطية مبدأيها الرئيسين استمدت قوتها الشعبية و الأخلاقية باقرارها أولاً استقلالية الفرد وحريته في ألا يمارس احد او يفرض سلطته عليه من قبل الآخرين دون رضاه او رضا الاكثرية ، فالناس يجب أن يكونوا قادرين على السيطرة على حياتهم وثانيا بفرض المساواة كفكرة بحيث يجب أن يكون للفرد شخصياً الفرصة في التأثير على قرارات الناس في المجتمع، فكلنا متساوون ولنا حق الاختيار والقوة – قوة الصوت الانتخابي يساوي صوت غيري – ، وعلى هذين المبدأين انطلقت الديمقراطية في اكتساب شعبية بسبب الشعور بالعدل و أن للكل فرصا متساوية مثل أي شخص وفقا ً لقواعد مشتركة .
الديمقراطية نظريا تضمن حق الجميع وتعد قاعدة أساسية في قوانين حقوق الإنسان لكن بعض الاختلافات حين نضعها قيد التنفيذ تقف امامنا إذ أننا نفتقر لآلية اتخاذ قرار بشأن كيفية معالجة اختلاف وجهات النظر والأقلية المعارضة لأنها توفر- الديمقراطية – الية بسيطة وهي حكم الأغلبية ولكن حكم الأغلبية لا يعني أن مصالح الناس كلهم قد لبيت لذا تطبيقها أوجدت ثغرات في التعامل معها .
رغم ادعاء كثير من الدول تطبيق الديمقراطية على اختلاف أشكال الحكم في كثير من الدول التي اعتمدت النظام البرلماني أو الملكي أو شبه رئاسي أو الحكومة الفدرالية او النظام الرئاسي كانت الديمقراطية ذات ثغرات بشكل ملحوظ تارة و أخرى مبطن، فالأساس في شرعية الحاكم في الديمقراطية هو الشعب مقابل التوارث الملكي او النظام القبلي او إنحصار الحكم في سلالة خاصة وعدم تسريتها إلى الشعب إذ أن أي نظام يؤثر في حكم الناس خلافا للمساواة واستقلالية الفرد بشكل أساسي ومخالف للديمقراطية في الحكم بحسب الثروة أو التنصيص أو الملكية الوراثية وغيرها من أشكال الحكم لا يعتبر ديمقراطية لأن ذلك يضرب المساواة في الصميم ، من حيث أن المساواة لا تثبت للشعب في الانتخابات و قوة الصوت فقط – صحيح أن الانتخابات عنوان واضح عن الديمقراطية – بل هو أوسع من ذلك ويشمل الترشح للانتخابات أيضا بل و يتسع ليشمل كل شكل من أشكال المشاركة كالتظاهر أو الانتماء إلى جهاز حزبي أو تشكيل حزب وغيرها من أشكال المشاركة في الحكم والمجتمع السياسي .
يمكن أن تكون الأنظمة الديمقراطية في أغلب الأحيان أكثر شمولاً من رغبات الشعب والبنى المؤسساتية أو تصويتية فقط بل استغلالها – الديمقراطية – لتحسين الشعب كجزء من الديمقراطية من خلال إشراك المزيد من الناس في عملية صنع القرار .
تنقد الديمقراطية من خلال بعض الثغرات أيضا كمثال لنقل سابقا رغم تطور كثير من الدول في التعبير عن أشكال الديمقراطية فيها لكن لم يكن حتى عام 2011 للمرأة في المملكة العربية السعودية حق في التصويت كما أنه لا يمكن لأي شخص أن يترشح اذا لم يكن من الاسرة الحاكمة، حتى في الديمقراطيات الراسخة اليوم هناك قطاعات تنتقد كثغرات أخرى من المجتمع والتي شملت المهاجرين من العمال المهاجرين والسجناء ؛ الذين لا يتم منحهم الحق في التصويت على الرغم من أن العديد منهم يدفع الضرائب وملتزم بالانصياع لجميع القوانين وقضية هيرست عام 2005 ضد المملكة المتحدة المرتبطة بالسجناء شاهد على ذلك .
و المشهد الامريكي القريب كان صرخة مدوية لحاضني و مصدري الديمقراطية الليبرالية و متبنيها عبر كل وسائل الغزو الثقافي و السياسي و العسكري حتى ، منذ قرن و نصف القرن تقريبا فمشهد مناصري ترامب لدى دخولهم لمبنى ال(كابيتول) في مطلع العقد الثالث من هذا القرن في ظل تطورات الانتخابات الامريكي 2021 يجعلنا نقف موقفا مذهولا من استغناء الدولة العميقة في الولايات المتحدة عن فكرة كانت تستميت لاجلها لفترة طويلة من الزمن و هنا نتسائل هل المشكلة في نفس النظام و الديمقراطية الليبرالية التي تتبناها الولايات المتحدة ام انها كانت مجرد وسيلة لاجندات خدمت الساسة الامريكيين كل تلك الفترة و جاء زمن الاستغناء عنها كشعار لانها باتت تشكل حبل يقيد كافة الممارسات الامريكية في الاونة الاخيرة ليبين لنا جزء من فكرة الديمقراطية و تعاطي الدول المهيمنة مع شعارها و الاختلافات بين الاستخدامات و الواقع التي اتت به الديمقراطية .
وعلى كل أشكال وأنظمة الحكم منذ الفاشية و إلى الشيوعية ثم الليبرالية و كذا الديمقراطية كانت هناك دعوات بنتقادات و مشاكل صاحبت هذا النظام بسبب اتخاذ دول مختلفة طرقا للتعبير أنظمة لاستخدام الديمقراطية ، فمثلا الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي اعتمدت الديمقراطية الشعبية الدينية منذ ثورة السيد الخميني الإسلامية أدخلت إيران شعار الإسلامية برضا الاكثرية في معرض الديمقراطية و اتخذت رسم الجمهورية بالإضافة إلى الإسلامية بتأييد الشعب، وترسيخ لا شرقية ولا غربية فلم تنتمي للاتحاد السوفيتي ولا لأمريكا، لا شرق ولا غرب ؛ كما أن امريكا اتخذت الديمقراطية الليبرالية سياسة فبدأت هناك سياسات الدول و ديمقراطيات جديدة و ثورات وانقلابات اتخذت شكل الديمقراطية الليبرالية كنموذج في الغالب فكانت منابرز مشاكل الديمقراطية محاولة فرض الدول الليبرالية ديمقراطيتها على الشعوب لأهداف تخدم نمط سلب و نهب خيرات ومقدرات الأمة و خدمة سياساتها ، فالاجدر والأصح أن تترك ممارسة الديمقراطية لكل مجتمع حسب خصائصه فلا يصح القالب الليبرالي على مجتمعات شرقية إسلامية على سبيل المثال ، فهكذا نوع من الاستغلال للشعار و فرضه ليس مشروعا .
إذا تواجدت مبادئ وقيم وشروط الديمقراطية مع اختلاف شكل الحكم ثبتت لذلك المجتمع بحسبه ، وهذا الصراع ما بين الديمقراطية الليبرالية والتحررية الغربية التي لا تتناسب مقابل شعار لا شرقية ولا غربية كنموذج عن استغلال الثورات الملونة وقوى الحرب الناعمة في سبيل فرض أجندات سياسية ليست ترتبط بالأخلاق وحقوق الإنسان و الفرد وحق المساواة بشيء و تسيئ للديمقراطية بجوهر مبدأيها.
سوء استخدام الديمقراطية وعدم تطبيقها بمفهومها الواضح الصحيح اسهمت في ان قلصت اعداد المنتخبين و أحدثت لامبالاة منهم مما سمحت للأقلية أن تخرج للمجتمع السياسي شخصا للسلطة ويطبق حكم الاقلية على الأغلبية، بالمقابل إذا ما تمكن الاغلبية و وصلوا بالديمقراطية للمجتمع النيابي استخدموا التنكيل و الابادة و السجن و نفي المنافسين لتمكين انفسهم مما يؤدي بسبب عدم مراعاة حقوق الإنسان و استغلال الديمقراطية إلى اختلافات واحتقانات داخلية قد تصل حد الحروب الأهلية ، كما يمكن إضافة التطور و ثورة الخوارزميات الخاصة بالمعلومات الشخصية لقائمة عدم نزاهة الديمقراطية عند البعض من خلال استغلال البيانات الشخصية و تصنيفها عبر البرمجيات و النشاط على الإنترنت للتلاعب بالرأي العام والسلوك الانتخابي والوعي ليدعم مرشحا او يشوه صورة منافس ، كما أن سطوة رأس المال اخلت بالمساواة بين المنتخبين فإذا لم يستطيع المنافس المستخدم ديمقراطيته في الترشح في مجاراة رأس المال والذين هم القلة كيف تثبت المنافسة والمساواة بتفاوت بالسلطة ، ولا ننسى تنامي نزعة اليمين والقومية وانقسامات الهوية الدينية في تأثيرها إلقائها دوراً في مشاكل إثبات الديمقراطية حول العالم ليكون المجتمع مستقلا و متساويا في خصائصه وهويته التي تنتمي إليه دون تقليد أو فرض للديمقراطيات الأخرى قالبها عليه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى