أحدث الأخبارلبنانمحور المقاومة

الزيارة الرعوية في سياسة المقاومة

مجلة تحليلات العصر الدولية - الشريف علي السيد رضا صبح

أمام أخذ و رد كثيرين و تداعيات مواقف، بل وحقن تحول غضبا في الشارع اللبناني ‏طالت هالة القدسية البابوية التي كانت شعارا و خطاً احمر لا يطال في سنوات عديدة مضت وفي أكثر الظروف حدة و أحلكها ، أتت لتتصدر الأفق الإعلامي في القريب الماضي من الأيام .
الزيارة الرعوية وما تحمله من المعنى اللفظي ناهيك عن المعاني التضمينية الأخرى تحمل طابع الرعاية والاهتمام وكل ما من شأنه رعاية الإنسان في نص رسالة السماء والإنسانية على حد سواء ، وهذا ما كان مفترق الطريق ما بين الاسم وما تلاه فلا المعنى الرعوي المركب ولا البسيط يستطيع أن يتجاوز فكرة موقف الخطيئة بحق اللبنانيين و الوطنية عنوانا والإنسانية ‏أساسا فإدخال الظالمين بينهم أمر غريب مستهجن من أرباب الدين .
فالدين و السياسة لطالما كان حجري الأساس على مر العصور و منطلق كل صاحب تأثير وراعي رسالة و بطبيعة الحال كلاهما كانا لخدمة الإنسان وتهذيبه والسعي في رفع الدنس والعقاب عنه ، الدين يقوّم الإنسان ويقربه نحو الرب و ينمي إنسانيته ويشحذ همته الا يؤول جهدا أن يكون إنسانا حقيقيا مؤمنا ليبتغي القرب من ربه و يسلم من عقابه ، أما القانون فهو يدير شؤون الإنسان ليخلق و الدين مجتمعا فاضلا متحابا يرعى الحقوق كما الحدود‏ ، فلا الدين ينفصل عن القانون ولا القانون ينفصل عن الدين بهذه الصيغة التكاملية وكذا السياسة كونها قانون حياة لازمت الإنسان منذ بسط الخليقة.
أمام هذا التكامل و الصيغة المشتركة يرفض الدين والقانون وكل الأعراف الأخلاقية والسياسية أي نوع من الظلم بل وحتى التهاون و التماشي مع الظالم بأي نوع كان، بل انه يتعدى مسار اخذ موقف فحسب بل يأخذ مسار وخط مقاومته ‏بكل ما يستطيع إذ أن الظلم قبيح عقلا وغير مقبول لا في قانون السماء ولا في قانون الأرض. وتماشيا مع رفض الظلم ومقاومة الظالم يتحول موقف الرسالة فجأة ويفتقد السلام الداخلي المنشود، ونبوءة أشعياء ، وشعار الشركة والمحبة فيشق الداخل اللبناني بعصا موسى المغتصبة واستغلال مغتصبيها الزيارة الرعوية والاستفادة منها و التحوير لمقاصد ‏الزيارة بما يخدم سياسة إسرائيل عبر أسلوبها القائم على استدراج الجميع بشتى الطرق و بأشكال مباشرة تارة وأخرى غير مباشرة للقيام بما تريد .
-إسرائيل- تلك الفئة اليهودية المتطرفة الخالية من كل أخلاقيات الإنسانية ، والجسم الخبيث التي حطته يد الاستعمار في داخل شرقنا المتوسط وعالمنا العربي ، والعلقة المضرة التي كبرت على مص دماء المظلومين واحتلال أراضيهم وبيوتهم مرفوضة جملة وتفصيلا وغير مقبول بها ولا معترف بوجودها أصلا رغم كل ‏المحاولات لفرض شرعيتها علينا كعرب أولا وكلبنانيين ثانيا والمقاومة خصوصا لأننا كنا الظفر الذي اقتلع هذه القملة من جسد وطننا وحررناه كرها عن كل متواطئ ونذل رخيص قَبِل الذلة و استهان السلة وتعامل مع أجنبي مجرم مغتصب لشرفه ومستحل لأرضه ، وكنا العين التي قاومنا المخرز حتى فقأنا الدملة و أخرجناهم و عملائهم من لبنان أذلة صاغرين بمقاومتنا و جهدنا ودمائنا وجراحنا وتضحياتنا وآلامنا وتعذيبنا فكنا الاعلون واليد التي هزمت الجيش الذي لا يقهر .
وعليه التزم خط المقاومة ‏الحفاظ على لبنان وشعبه ورعاية الطوائف والأديان والوطن بكل الغصص التي أصابتنا على المستوى الداخلي من ويلات فكنا ولا يزال موقفنا وسيبقى تجاه هذا المخلوق البغيض والمولود سفاحا -إسرائيل- على يد الاستعمار وتجاه أي عملية تسوية أو اتفاقات أو تهاون مع العملاء أنتجها مسار مدريد التفاوضي عبر اتفاق وادي عربة ‏وملحقاته واتفاق أوسلو و تداعياته وما قبلهما اتفاق كامب ديفيد موقف الرفض المطلق والإدانة و أي أساس قائما على أساس الاعتراف بشرعية وجود إسرائيل والتنازل لها ولعملائها عما اغتصبته من أرض فلسطين العربية واحتلته من أرض وطننا لبنان وما جعلتنا نعانيه من ظلم هي وعملائها هو مرفوض عقلا ونصا ، فلا الدين ولا القانون يبيحانه ولا الإنسانية أيضا ولا حتى الانتماء للعروبة واللبنانية بشكل من الأشكال .
فكل لبناني شريف يحمل وطنه ودينه أياً كان في قلبه، قراره وموقفه ثابت دائم ونهائي غير خاضع للتراجع والمساومة حتى لو اعترف العالم كله بإسرائيل ،ولا تنفع البيانات ولا سجلات التاريخ في تغيير هذه الحقيقة أبدا . فلبنان العربي الهوية والانتماء واللبنانيون وكمية المدى الحيوي والجغرافيا السياسية والعمق الاستراتيجي المتمثل بمواقفه و التكامل الإقليمي والعيش المشترك ومصالحه الداخلية وسلامه والتزامه بالقضايا ‏العربية العادلة المحققة هو ولي الرعاية الأول و صاحب الرعوية التاريخية الخالدة من خلال مقاومته للإسرائيل منذ عام1948 حتى عام 1982 ثم 2000 و 2006 ، لا دخول التاريخ ضمن اوسخ عناوينه والوقوع في حبائل الاستكبار وسوء التقدير وخلق تداعيات سلبية بحق البابوية و الساحة اللبنانية الداخلية والتخلي عن عنوان المقاومة ورفض الظلم والاحتلال ‏وقبول إسرائيل و لو بطريق غير مباشر او بدون قصد وعن غفلة وتصنيف العملاء المجرمين أنهم لبنانيون اكثر من المظلومين الذين تجرعوا أشداء ألوان القهر على يد هؤلاء العملاء الذين صنفوا أنهم لبنانيون و وطنيون أكثر ممن قاوموا و بقوا في لبنان ، فرعاية مثل هؤلاء أحسبها خطيئة الرب نفسه يدينها في لوحه المحفوظ . اما الصمت الذي كانا مستهل زيارة الخطيئة التاريخية ليتها استمرت لكان وقع ذلك اخف و لكانت الخطيئة ليست بجلاجل أمام المجتمع العربي و اللبناني، فإذا كان الكلام من ذهب هنا فإن السكوت كان سلامة للقدس والمسيحيين والعالم والعيش المشترك.
قيمة القدس لدى المسيحيين والمسلمين وبقية الأديان تحمل هالة تجعل قضيتنا أكثر قداسة و شعارا لأحقية مقاومتنا ، فالمسجد الأقصى أول القبلتين وثالث الحرمين ‏ومسرى رسول الإسلام محمد ومهد المسيح عيسى وبما تحمله من المقدسات الإسلامية والمسيحية تتمتع بمكانة رفيعة لدى المسلمين والمسيحيين على حد سواء وأن استمرار الاحتلال لهذه المدينة وما يرافقها من مشاريع تهويدية وطرد أبنائها وخنقها عبر جدار الفصل العنصري و الاعتداء على المقدسات بالإضافة الى المساعي الأمريكية – الإسرائيلية المتواصلة لتكريسها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني باعتراف دولي متخاذل ، يأبى أن يستغل العدو الإسرائيلي وعملائه أي فعل أو نشاط أو قول أو زيارة في سياق التطبيع والاعتراف أو تصنيف العملاء على أنهم وطنيين ، فواجب نصرة القدس ورعاية السلام و تفعيل خيار المقاومة وصون العيش المشترك ورفض إسرائيل وعملائه هو واجب ديني و مسؤولية إنسانية و أخلاقية في عنق كل شريف وحر من أبناء أمتنا ووطننا وكل أحرار شرفاء العالم وهو موقف الرب والمؤمنين أيضا.
بعيدا عن الكلمات التي لم تكن مدروسة و تسجيل هكذا موقف غير موفق والرفض المطلق للعملاء وإسرائيل و الالتزام بالدين والقانون والأخلاق أقف لحظة صمت على روح الوطنية والعروبة لمن تقبل الزيارة بصدر رحب دون أن يتحرك الشعور داخله وأبدى دفاعا عنها لا لشيء من الحق إنما بغبغة لمجرد التبعية والانتماء وشرعنة الفعل وتبريره بالنية فالغايات تبرر الوسيلة ، حتى مع إسرائيل !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى