أحدث الأخبارالخليج الفارسيةالسعوديةاليمنمحور المقاومة

السعودية أداة العدوان على اليمن… وأمريكا خلف الكواليس (1)

مجلة تحليلات العصر الدولية - العميد عبد العزيز راشد / يمن ثبات ( العدد العاشر )

من يظن أن العدوان على اليمن سعودي، فهو مخطئ تماماً؛ لأن التحضير الأمريكي وضغط اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية بدأ منذ وقت مبكر، وهم يتوجسون خيفة من المشروع القرآني الذي قاده، وبدأه الشهيد القائد السيد/ حسين بدر الدين الحوثي- رحمة الله عليه- منذ العام 2002م منطلقاً بفكر قرآني محكم الترتيب، ومفهوم المعاني والألفاظ لدى العام والخاص.

وهذا ما دفع بالكثير من أبناء الشعب اليمني إلى الالتفاف الجماهيري حول هذا المشروع الذي لامس الفطرة الإيمانية اليمنية، تلا ذلك انطلاقة جادة نحو التحرر، واستشعار الأخطار الأمريكية والإسرائيلية، والتحذير من المسرحية الأمريكية التي اختلقتها في 11 أيلول (سبتمبر) 2001م بتفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك، والذي أعقبه احتلال أفغانستان مروراً باحتلال العراق، والعبث بالأرض والإنسان العراقي إلى جانب احتلال كيان العدو الصهيوني لأرض فلسطين المقدسة منذ أكثر من سبعين عاماً، وهو ما دفع بالسيد/ حسين بدر الدين الحوثي إلى إطلاق عدد من الدروس القرآنية التوعوية والتعبوية في تصنيف وتشخيص الأعداء (من نحن ومن هم)، والتي أزعجت الإدارة الأمريكية والإسرائيلية، ومن أهمها: (الصرخة في وجه المستكبرين) – (يوم القدس العالمي) – (خطر دخول أمريكا اليمن) – (خطورة المرحلة) – (الشعار سلاح وموقف)- (الإرهاب والسلام)، وعدد من الدروس الأخرى التي تستدعي الحيطة والحذر والاستعداد للمواجهة قبل أن تتم السيطرة الكاملة على الأرض والإنسان بأساليب مخادعة كما ذكر أحد صناع السياسية الأمريكية في حرب المصطلحات في كتاب (الجيل الرابع من الحروب): ((على أنها الوسيلة المناسبة في تسخير كثير من مواطني وعناصر الدولة المستهدفة نحو تآكلها البطيء من الداخل عبر برامج وآليات عمل في السيطرة على العقول حتى يقتنعوا برؤى ومفاهيم وقرارات كانت تعتبر لديهم من المحرمات و الخيانة العظمى.

على سبيل المثال:- القبول بالتطبيع مع كيان العدو الصهيوني، وفتح سفارات وكنائس ومعابد يهودية تلمودية، وتفويض الجامعة العربية لحلف الناتو بقصف ليبيا، وتغيير نظامها العربي القومي، وفي هذا انقلاب على كل قرارات الدفاع المشترك ضمن مواثيق الجامعة العربية، والقبول بدبلجة المسلسلات الأجنبية التي تحمل أبعادا ثقافية خطيرة على الأجيال مروراً بالاعتراف بقرارات دونالد ترامب في نقل السفارة، والاعتراف بالقدس عاصمة كيان العدو الإسرائيلي، والجولان السورية جزءا من كيان الاحتلال، والاعتراف بـ( سايكس – بيكو) عام 1916م الذي قضى بتقسيم الوطن العربي إلى أقطار ودول، وإقرار بالخرائط الجغرافية السياسية، ثم الندم على تمرير مثل تلك المؤامرات المفروضة إلى الاعتراف الطوعي اليوم بتقسيم المقسم إلى أقاليم فدرالية مستقلة بدوافع ومعنويات عالية و شغف وحب واعتباره إنجازا وطنيا مهما.

وهذا ما حدث في اليمن للأسف الشديد عبر تمرير السفير الأمريكي مشروع الأقاليم في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في «موفمبيك» بالعاصمة صنعاء، وانطلقت الأحزاب الكبيرة التي حكمت اليمن، وعلى رأسها (حزب الإصلاح (الإخوان)- المؤتمر- الاشتراكي – الناصري) التي تردد في خطاباتها، وتكتب في المحاضر واللافتات «الدولة اليمنية الاتحادية»، وتطلق على الشوارع والفنادق أسماء الأقاليم المعلنة، ثم وقعت عليه عدد من الأحزاب والمكونات المختلفة باستثناء حزب البعث العربي الاشتراكي الذي رفض هذ المشروع، وأصدر بيانات بعدم قبوله شكلاً ومضموناً، وبالتالي، يقول صاحب كتاب «الجيل الرابع من الحروب»: (وعندها عقب التآكل البطيء للدولة لا يستيقظ عدوك إلا وهو ميت، وعندها سوف تتحكم بالمشهد، وتملأ الفراغ بما يخدم مصالح الدول الاستعمارية).

ثم جاء الربيع، وسنحت الفرصة لأمريكا وإسرائيل من خلال ركوب موجة ما سمي (بالربيع العربي)؛ لتدمير الدول، واستخدام القاعدة وداعش في تفجير الواقع العربي، وضرب بنيته التحتية، وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وتدمير التراث العربي والإسلامي؛ لتُختطف الجامعة العربية من قبل ملوك ومشيخات الوهابية الخليجية، وتنقلب على كل قرارات ومؤتمرات الجامعة القاضية بالدفاع المشترك، والتضامن العربي، والحفاظ على القضية المركزية فلسطين ….إلخ، وانتكست الجامعة العربية رأساً على عقب بتفويض حلف الناتو بسحق ليبيا بطائراته، وتغيير النظام العربي القومي فيها، واستبداله بنظام غوغائي طوعي التوجه للمصالح الاستعمارية.

تلا ذلك سلسلة من جرائم القتل والذبح والتفخيخ والاغتيالات للعسكريين والمدنيين كما حدث في اليمن، حتى وصل بهم الأمر إلى استهداف المؤسسات العسكرية وصولاً إلى وزارة الدفاع اليمنية؛ لكسر هيبة الدولة أمام الشعب؛ حتى يكون الحل الوحيد في السيطرة على الوضع هو التوقيع على إدخال القوات الأمريكية لفرض السيطرة والهيمنة بالترهيب والترغيب وأدوات الإرغام السرية الأمريكية التي تحدث عنها أحد مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية (راند).

وهذا ما حدث من خلال تدخلات السفارة الأمريكية في اليمن حتى باتت هي من تعين كوادر في مناصب أجهزة الدولة العليا والمتوسطة، وأيضاً الإشراف على هيكلة الجيش اليمني، وعلى تدمير الدفاعات الجوية والأسلحة الاستراتيجية بدون أي اعتراض من قيادات الدولة عدا معارضة غير مؤثرة في بعض الصحف المعارضة، وأصبحت السفارة هي من تحكم البلد خارج الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها في العالم.

بل وصل الأمر إلى بناء قواعد عسكرية برية وبحرية ولوجستية، وتعيين قادة مناطق أمريكان في اليمن تحت مسمى محاربة الإرهاب (القاعدة وداعش) التي تقاتل اليوم جنباً إلى جنب في مأرب والبيضاء والضالع، كما أعلنت ذلك شبكة الـ(BBC) في استطلاع مصور في إحدى جبهات تحالف (عاصفة الحزم)، وبإعلان التنظيم نفسه أنه يقاتل إلى جانب تحالف العدوان السعودي الأمريكي.

هذا الأسلوب في اليمن كاد يتحقق له النجاح لو لم يستبق الشهيد القائد التحرك الأمريكي (بالوعي الاستباقي) من خلال ثقافة المشروع القرآني الذي أحبط كثيرا من عملاء الداخل والإقليم، وأغضب أمريكا وإسرائيل، لكن حينها لم تعلن العداوة مباشرة؛ لأن أدواتها تكفلوا بالمواجهة ظنًّا أنهم قادرون على وأد المشروع القرآني بسهولة عبر الحروب الست في صعدة بمشاركة سعودية خفية وقتها؛ لتظهر عدواً مباشراً عقب ثورة الـ(21 من سبتمبر 2014م)، وتحديداً في المساء الغادر بتاريخ 26 مارس 2015م حتى تاريخ يومنا هذا (2021م)، ولم تحقق سوى الهزائم المتتالية على الرغم من الإجرام الذي مارسته بحق أبناء الشعب اليمني وبنيته التحتية.

ومن خلال هذه القراءة يتعمق الباحث والقارئ مستوى التدخل الأمريكي في العدوان على اليمن من خلف الكواليس إلى العلن، وإن ادعى الإنكار في بعض الأحيان إلا أنه يعترف أحياناً، وفي هذا تخبط وإرباك شديد نتيجة الهزيمة المُرة التي لم يكونوا يتوقعونها بعد رسم ملامح النصر مسبقاً، ووضع مصطلحات عسكرية تدلل على العصف والحزم والأمل وصولاً إلى مصطلح (قادمون يا صنعاء) بُنيت كلها على معلومات مخابراتية، لكنها تلقت صدمة وصفعة من العيار الثقيل، وتحولت عاصفة الحزم والأمل إلى عصفِ مأكول على الرغم من التدخل الأمريكي.

وما يؤكد التدخل الأمريكي من خلف الكواليس أسباب ومعطيات عدة أهمها:

أولاً: على سبيل المثال:

قبل مدة زمنية أي: قبل العدوان على اليمن قرأت لإحدى الباحثات الأمريكيات بحثاً استراتيجيًّا تقول فيه: ((نحن- إذا لاحظنا حركة ثورية تحررية في أي منطقة من العالم- نقوم بضربها ووأدها في مهدها من قبل أن تتفاقم، إما أن نسلط بعضهم على بعض، أو ندعو النظام للتدخل العسكري، فإن فشل في المواجهة، نوعز إلى الإقليم التابع بالمشاركة في القضاء على هذه الحركة، فإذا عجز الإقليم، نتدخل عسكريًّا عند الضرورة!))

ثانياً: تصريح للجنرال «ديفيد بترايوس» رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق في صحيفة نيويورك تايمز عام 2011م أنه وقّع على أوامر عسكرية تفضي إلى وجوب توجيه ضربات عسكرية ضد المجموعات المعادية لسياسة واشنطن والمتحالفة مع إيران في اليمن وفي وسط آسيا، ولكن لن نقوم بذلك إلا عقب إنشاء(سلسلة من الشبكات القادرة على التغلغل وإثارة الفوضى والتخريب)، وهو يقصد بالشبكات (القاعدة وداعش وكل المخربين والعملاء من أحزاب وغيرها).

ثالثاً: وهــــو الأهـــــم

إعلان العدوان من واشنطن؛ إذ أعلنه وزير خارجية السعودية «الجبير»، وليس الناطق العسكري السعودي، وهذا يعني أن وزارات الخارجية هي من ترسم العلاقات والاتفاقيات والبرتوكولات المشتركة بين الدول، بمعنى أن التنسيق والتحضير للعدوان بدأ بلقاءات عدة مسبقة حتى توصلوا لإعلان العدوان من واشنطن، أي: أنه عدوان برعاية أمريكية.

إعلان الجبير بأن هناك غرف عمليات مشتركة يوجد فيها خبراء عسكريون أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون وباكستانيون إلى جانب دول التحالف المعروفة.

وجود أصحاب القبعات الخضراء الأمريكيين في الحدود السعودية؛ لتحديد مواقع الصواريخ والطائرات المسيرة والإنذار المبكر الذي أعلنه «ترامب».

وجود ضباط وخبراء عسكريين بريطانيين في غرف عمليات عسكرية مشتركة في نجران تم استهداف 17خبيرا عسكريا وضابطا منهم بضربة عسكرية نوعية من الجيش اليمني كانت دقيقة وموفقه وعملية استباقية ناجحة.

إلقاء القبض على جاسوس أمريكي وجواسيس محليين تابعين لجهاز المخابرات البريطانية M16 في اليمن بعد اعترافات مباشرة بأن مهمتهم البحث عن الدفاعات الجوية اليمنية والصواريخ والطائرات، وغيرها من الأعمال التخريبية.

رابعاً: إعلان البيت الأبيض أن الرئيس «باراك أوباما» سمح بتقديم مساعدة لوجستية ومخابراتية في العمليات العسكرية التي تقودها السعودية، إلى جانب تصريح مسؤولين أمريكيين عدة في الكونجرس وفي المخابرات الأمريكية أنه لولا الإدارة الأمريكية، لما استطاعت السعودية أن تشغل الطائرات الأمريكية الـ (F16-15F) المربوطة بالأقمار الصناعية بتحكم أمريكي.

خامسا: حضور «نتنياهو» مؤتمر دول العدوان في شرم الشيخ تحت مسمى ((الدفاع العربي المشترك)) مع أنه ضد الدفاع العربي المشترك إلا إذا كان ضد أحد أطراف محور المقاومة، فهو- لا شك- شريك مشارك؛ لكي يذهب القلق الذي أعلنه من تقدم ثورة الـ21 من سبتمبر إلى باب المندب. وهذا ما دفع السعودية لإعلان تحالف عربي (إسرائيلي) مشترك اشتركت فيه دول عربية وأجنبية عدة لم يصمد طويلاً، وتفكك الحلف سريعاً عقب المقاومة اليمنية الشرسة لست سنوات لم يكن يتوقعها العدو، ولم يتبق من هذا التحالف سوى الأصل (السعودية والإمارات وإسرائيل وأمريكا وبريطانيا) عقب شعورهم بالهزيمة، وتقدم الجيش اليمني في الميدان العسكري، وفشل تحالف العدوان من تحقيق الأهداف بالطرق العسكرية وبالمراوغة السياسية والحصار الاقتصادي، ونتيجة لذلك الفشل أرادوا استغلال مصطلح جديد قدمته السعودية بمسمى (وقف إطلاق النار) تحت الحصار غير الأخلاقي وغير الإنساني وخارج المواثيق الدولية المتعارف عليها وفق شرف القتال باعتبار تلك جوانب إنسانية لا يجوز استغلالها في قضايا عسكرية وسياسية.

*العميد/ عبد العزيز راشد
محلل عسكري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى