أحدث الأخبارالخليج الفارسيةالسعودية

السعودية تستقطب فرنسا لبنانياً: شروط تنذر بصدام كبير

مجلة تحليلات العصر الدولية

لا تجوز القراءة التبسيطية لنتائج زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية. حقق الرجل خطوة متقدمة بتأمين اتصال برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد قطيعة طويلة من قبل السعودية للمسؤولين اللبنانيين، وتحديداً من الطائفة السنّية. مع ذلك، لا يمكن الرهان على هذا الاتصال وحده، لنعتبر أن صفحة جديدة فتحت بين لبنان والسعودية.

لماكرون حسابات متعددة. أولها، داخلية فرنسية على أبواب الانتخابات. ثانيها، عقد اتفاقيات استراتيجية مع السعودية ودول الخليج الأخرى تتعلق بصفقات أسلحة ومشاريع استثمار، ترتد عليه إيجاباً في الداخل. ثالثها، الإيحاء بأنه حقق تقدماً ونجاحاً في لبنان، أي في السياسة الخارجية الفرنسية. رابعها، تثبيت العلاقة مع السعودية في الوقت نفسه الذي يسعى فيه إلى تمتين علاقته مع إيران، والسعي للوصول إلى الاتفاق النووي. فمن شأن موقفه تجاه السعودية أن يحفز طهران على منحه أكثر.

“تنازل” شكلي
الخطوة الوحيدة التي حققها ماكرون، لبنانياً، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هي خطوة شكلية ولكنها ذات أهمية، تتعلق بالاتصال الذي أُجري مع الرئيس نجيب ميقاتي. هنا بدأ اللبنانيون يراكمون على هذا الاتصال، ويتوقعون تغيّراً وتحسناً في العلاقات. علماً أن ماكرون طلب من السعوديين، وغيرهم من دول الخليج، إعادة سفرائهم إلى لبنان ووقف التصعيد. لكن ذلك لا يعني ان الأزمة وصلت إلى خواتيمها. ولا يمكن الحديث عن برنامج واضح للخروج منها أو حلّها. صحيح أن الاتصال بميقاتي هو “تنازل” شكلي، ولكنه لم يحصل مباشرة من قبل السعوديين، بل عبر الفرنسيين. مقابل هذا التنازل الشكلي، حصلت السعودية على موقف واضح من ماكرون بأنها شريكة أساسية في صناعة القرار بالمنطقة، وفي توفير الأمن والاستقرار الإقليمي. وهذا تطور مهم من دولة أوروبية تعتبر من أكثر المتحمسين لمفاوضات فيينا. ولطالما طالبت السعودية بأن تكون شريكاً في المفاوضات حول الاتفاق النووي. وهذا ما أعلنه ماكرون.

مكاسب سعودية
هذا على الصعيد الاستراتيجي العام إقليمياً ودولياً. أما لبنانياً، فيبدو أن السعوديين هم الذين استقطبوا ماكرون إلى جانب موقفهم ولم يذهبوا باتجاهه. أولاً، من خلال الحديث عن تطبيق القرارات الدولية ولا سيما 1559 و1701. ثانياً، من خلال الإعلان عن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. ثالثاً، التأكيد على منع لبنان من أن يكون منطلقاً لأعمال أمنية أو عسكرية تهدد أمن المنطقة، وبالتحديد السعودية واستقرارها. رابعاً، التأكيد على مساعدة إنسانية للشعب اللبناني، ما يعني أن الأزمة اللبنانية مستمرة، فيما المساعدات الأخرى التي تتعلق بالاستثمار أو بالاقتصاد، فهي مشروطة بإنجاز الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وفي مجالات النفط والطاقة ومراقبة الحدود. خامساً، التأكيد على وجوب الحفاظ على اتفاق الطائف كحامٍ لوحدة اللبنانيين. وهذا رد سعودي واضح على ما طرحه ماكرون سابقاً حول عقد اجتماعي جديد أو تغيير في النظام السياسي.

الابتعاد والانسجام
كل هذه النقاط تلخّص مضبطة الاتهام السعودية بحق لبنان. وهو موقف سعودي ليس جديداً ولم يتغير، منذ ما قبل المبادرة الفرنسية التي جاءت بعد تفجير مرفأ بيروت في آب 2020. يشبه الموقف الفرنسي السعودي المشترك، المواقف بين البلدين في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالعام 2005. حينها، كان الانسجام السعودي الفرنسي واضحاً، إلى أن حصل الإفتراق فيما بعد، أيام نيكولا ساركوزي، الذي سارع إلى الانفتاح على بشار الأسد، والتحقت السعودية مجدداً بهذا المسار في مبادرة الـ”سين-سين”. إلا أن هذه الخيارات كلها قد أثبتت فشلها، فيما وصلت السعودية إلى ابتعاد كلي عن السياسة الفرنسية في الفترة الماضية، بسبب حماسة باريس للاتفاق مع طهران، وهذا ما أدى إلى تأجيل زيارة ماكرون أكثر من مرة إلى السعودية، بالإضافة إلى الرفض السعودي للسير في المبادرة الفرنسية، والتي اعتبرتها الرياض أنها غير كافية، ولا يمكن لها أن تنجح. وقد أكد المسؤولون السعوديون للفرنسيين ذلك.

عقبات كبيرة
إذا ما أخذت نتائج زيارة ماكرون من الناحية الشكلية، سنلحظ أن الأجواء الإيجابية ستكون عابرة ولحظوية ليس أكثر، على أن يعود كل طرف إلى سياسته التي تفترق عن سياسة الآخر. أما بحال كان هناك اتجاه جدي للدخول في مشروع مشترك، فرنسي-سعودي، حول الملف اللبناني، بالإضافة إلى ملفات المنطقة، فإن العقبات أمامه كثيرة جداً، خصوصاً عند بدء لحظة البحث في الشروط التي وردت في البيان السعودي الفرنسي. فذلك سيؤدي إلى صراعات كبرى سياسياً وربما عسكرياً أو أمنياً. وأول من سيدفع ثمنها هم الذين يريدون الانخراط بمثل هذا العمل المشترك.
وعليه، فإما ان تبقى هذه المواقف كلها في خانة مواقف أخرى سبقتها، من دون أن تجد طريقها إلى التطبيق، وبالتالي، يستمر الوضع اللبناني بالانهيار، في غياب أي رؤية واضحة لحلّ الأزمة.. وإما أن يتوسع الصراع أكثر حول آلية تطبيق هذه الشروط بجدية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى