أحدث الأخبارالخليج الفارسيةالسعودية

السعودية والبعث وتبادل الخدمات..

مجلة تحليلات العصر الدولية - د.علي الطويل

الكثير ممن تناولوا اللقاء المثير للجدل الذي اجرته قناة العربية السعودية مع ابنة الهارب الجبان ، وزوجة ( القاتل المقتول ) رغد ,لم يتطرقوا كثيرا الى المنهج السعودي المستمر في ايذاء العراق ، بل توجهت الاقلام في الاغلب الاعم الى التذكير بصورة البعث القبيحة واجرام نظام صدام الساقط ، والاشارة الى جرائمه التي حاولت رغد صدام ان تخفيها وتحوله من نظام للقتلة ورئيس مجرم الى شاعر عطوف وموسيقي حالم ، ولكن كان الاجدى من ذلك هو ان يسلط الضوء على الافعال السعودية الاستفزازية للشعب العراقي ، فلقاء ابنة من قتل الشعب ونشر الدماء في كل مكان ، ونثر الاجساد المقطعة على مساحة العراق وشرد الملايبن من شعبه وعلى قناة العربية وبهذه الصورة الدعائية والاعلانات المكررة للقاء ، والمقدمات المطولة ، اوحت للمشاهد بان المنهج المقرر للاعلام السعودي للمرحلة القادمة هو اعادة تاهيل البعث وتلميع صورته ليكون الجندي القادم في حربها المستمرة ضد الشعب العراقي ،
ومما شد انتباهنا احدى اللقطات التي انتشرت من كواليس اللقاء وبشكل واسع ، وفيه تتحدث ابنة الساقط مع المقدم والذين احاطوا بها، لكي يرتبوا الامور الفنية كالصوت وغيره ، فكانت تقول لهم ( انتو بكيفكم شتريدون انا حاضرة ) ، صحيح ان هذه الجملة قد تكون عفوية وتخص الطبيعة الفنية للقاء ، ولكنها عكست واقع الحال ، فتبادل المنفعة بين عائلة الهارب الجبان ، والعائلة السعودية هي الطريقة الجديدة للتعامل بين الطرفين ، فالسعودية بعد فشل مشاريعها التي صرفت عليها المليارات ، واسباب فشلها واضحة ومعروفة واولها وجود الحشد والصبغة الطائفية التي كان تتوشح بها القاعدة وداعش ، ولكن اليوم وبعد مظاهرات تشرين تضن السعودية انها قد اوجدت قاعدة شعبية مؤهلة سوف تستقبل وتحتضن البعث من جديد ، وهذه القاعدة قد خلقها مركز (اعتدال ) وسهامه الناعمة التي غرزها في الجسد الشيعي في الوسط والجنوب ، اما رغد الحالمة بالعودة الى( السيادة) التي تتبجح بها ، فهي اليوم مستعدة لان تقدم اي خدمات تطلبها السعودية في سبيل هذا الهدف ، حتى لو كان ذلك على حساب الشرف والاخلاق والكرامة ، لان هذه المفردات اصبحت لاتعني لهؤلاء شيئا ، والذي يعنيهم هو التنفيس عن احقادهم وسمهومهم تجاه الشعب العراقي الذي يعتقدون انه قد خذلهم وتخلى عنهم .
والحديث عن السعودية ومؤامراتها ضد العراق طويل جدا ، فخلال ال17 عشر عاما الماضي لم تدع السعودية فرصة الا واستغلتها لتدمير العراق وتمزيقه ، وقد مررت مشاريعها التدميرية بصور مختلفة ، فمرة عبر الحرب الطائفية التي كادت ان تمزق العراق لولا حكمة العراقيين التي سحبت البساط من تحت ارجلهم ، وبعد طرد القاعدة واعادة تطبيع الاوضاع واحلال السلم الاهلي ، خرجت لنا السعودية بمشروع الاقليم السني الذي تبناه جنودها في العملية السياسية ، وبعد احباط هذا المخطط لم تطل المدة حتى ارسلت (شركتها الامنية )داعش لتعيد الكرة من جديد لتدمير العراق ، ولكن ذلك تحطم ايضا على جدار البطولة وصخرة الايمان الحشد الشعبي ، الذي جاء بفتوى مباركة من المرجعية ، والدعم الا محدود للجمهورية الاسلامية ، وها هي اليوم تعلن ملامح مشروعها القادم ولكن هذه المرة ليس باسلحته القديمة وانما بسلاح جديد يتعامل مع الافكار والمعتقدات والوعي بحرب ناعمة ممنهجة ومخططة ظهرت بوادرها بعد اول انتصار حققه الحشد الشعبي واول هزيمة تلقاها جيشها التكفيري الذي مولته في العراق ، وذلك عبر اعلامها الواسع بدأ بتاهيل البعث من جديدة وتلميع صورته القذرة ،
ان مايثير السخط والسخرية اكثر ليس ما قدمته قناة العربية الممولة من قبل المملكة السعودية فقط ، بل هو الصمت المطبق الذي خيم على الحكومة العراقية امام هذه الاستفزازات التي لاتعبر عن شيء بقدر تعبيرها عن العدوانية تجاه الشعب العراقي ، والاعجب من ذلك هو موقف الاعلام العراقي الحكومي تجاه هذه القضية كذلك ، وكأن العربية قد تناولت امرا يخص نيكاراغوا او تشيلي، فلم يوقف عدوان السعوديون تلك الهرولة الكبيرة للساسة العراقيين اليها ، ولم يخجلها موقف بعض الساسة الشيعة ودعواتهم المتكررة لتمتين العلاقة معها ، لايقاف الترويج لقتلتهم وظالميهم واعادة تاهيلهم للمراحل القادمة ، وذلك لانها تعتقد انهم قبضوا ثمنا مقابل ذلك ، ان السعودية التي خدمت المشروع الصهيوني منذ بدايته تجد ان العقبة الاساسية لاعلانها الرسمي بالتطبيع تكمن في العراق الممانع ، لذلك فهي تسعى بكل جدية لقلب الموازين السياسية في هذا البلد لكي يكون التطبيع متاحا، وليكون ذلك حافزا لتطبع هي مع الكيان الاسرائيلي ، ولكن نعتقد ان المشروع السعودي الجديد سوف لن يكون باوفر حظا من المشاريع السابقة ، فلازالت ذاكرة العراقيين حية ، ولازالت دمائهم التي سفكها البعث لم تجف ، ولازالت كثير من الجماجم والعظام متناثرة في بقاع العراق لم تكشف مدافنها بعد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى