أحدث الأخبارشؤون امريكية

السفارة الأمريكية …. غسيل الأموال الشرعي

مجلة تحليلات العصر الدولية - عبد الأمير السهلاوي

تُعتبر السفارة الأمريكية أينما حلّت وحيثما وُجدت، الوكر الأول في العالم لعمليات غسيل الأموال بشكل رسمي وأمام عين ونظر الجهات الرسمية في كل البلدان التي تحتضن مقارّ السفارات الأمريكية في العالم، يحذو حذوها في ذلك السفارة البريطانية ومعظم السفارات الأوروبية، ولشرح ذلك بلغة أبسط فإنّ السفارات الأمريكية وبقوة النفوذ والقانون تقوم بعمليات غسيل الأموال في البلدان التي تتواجد فيها، مستندين في ذلك على هيمنة العملة الدولية ( الدولار الأمريكي)، وقدرتها أي الولايات المتحدة الأمريكية على طبع هذه العملة دون سند قانوني أو غطاء مالي، كما هو حال بقية العملات في العالم، والكيان المسؤول عن طباعة الدولار والذي يُشرف على مصلحة سك العملة هو وزارة الخزانة الأمريكية، والتي بدورها تتلقى الأوامر بشكل مباشر من مجلس الإحتياطي الفيدرالي بطباعة المزيد من المال، وللتفصيل أكثر لابد من تعريف بسيط لمفهوم غسيل الأموال، وهو جريمة اقتصادية تهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال محرّمة كنتيجة لجرائم يعاقب عليها القانون، لغرض حيازتها أو التصرّف فيها أو إدارتها أو حفظها أو إستبدالها أو إيداعها أو إستثمارها أو تحويلها أو نقلها أو التلاعب في قيمتها. وينقسم غسيل الأموال إلى جزئين: أولاً، إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات وقنوات إستثمار شرعية لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال ولتبدو كما لو كانت قد تولّدت من مصدر مشروع ومن أمثلة هذه الأعمال غير المشروعة (الأموال الناتجة عن تجارة، المخدرات أو بيع الأسلحة أو تجارة الرقيق، والكثير من الأمور المحرّمة بنص القانون.
ثانياً، غسيل الأموال العكسي وهو أن يكون هناك أموال من مصدر مشروع ويتم إنفاقها في مصدر غير مشروع مثل تمويل العمليات الإرهابية أو شراء أسلحة محرّمة دولياً. أما الغسيل الأمريكي فينطلق من مفهوم مختلف وهو طباعة الدولار الأمريكي وتوزيعه بشكل فعلي ومباشر على السفارات الأمريكية في مختلف دول العالم دون المرور على القنوات المصرفية التي تضمن تواجد الغطاء والمصدر، وكما هو معروف في كل دول العالم، تقوم السفارات الأمريكية بتوزيع رواتب العاملين فيها والموظفين والمتعاقدين معها بالطريقة التقليدية، أي عن طريق التسليم باليد بالدولار الأمريكي وليس بالعملة المحلية للدولة التي تتواجد بها، وليس من خلال الإيداع النقدي في المصارف والبنوك، وينسحب ذلك على جميع المعاملات النقدية التي تقوم بها السفارات، إذ لاتحتاج السفارة في كل ذلك إلا إلى إستيراد الدولار المطبوع في مطابع البنك الفيدرالي الأمريكي في الشنط المخصصة لنقل الأموال، وتوزيعه على الموظفين والعاملين في السفارة أو المتعاقدين معها نقداً وبالتالي إنتشار هذا الدولار الذي لايحمل أي غطاء قانوني مالي وسط هذه البلدان، وهو الذي لم يكلّف الإدارة الأمريكية سوى كُلفة الورق الذي طُبع به، ولذلك تعمد الإدارة الأمريكية إلى زيادة حجم العمالة لديها في دول كثيرة بشكل مُبالغ وتستفيد من هذه العمالة في كل المجالات، بينما لايكلّفها ذلك، سوى الورق المطبوع والذي يتم إستيراده بشكل دوري وبمئات الملايين ومن ثم توزيعه، وتندرج خطورة مثل هذا النموذج في غسيل الأموال ضمن تنامي قدرة السفارة على التغلغل وسط المجتمعات، وزيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع والخدمات، وبالتالي خلخلة الإقتصاد المحلي، كما يساعد ذلك السفارة الأمريكية في أي بلد على القيام بالكثير من الأمور غير المشروعة، أهمها:
١- شراء ذمم رجال الشرطة والقضاء والسياسيين مما يؤدي إلى ضعف كيان الدولة وإستشراء خطر جماعات الإجرام المنظم.
٢- تدهور قيمة العملة الوطنية وتشويه صورة الأسواق المالية.
٣- ارتفاع معدّل التضخّم بسبب الضغط علي المعروض السلعي من خلال القوة الشرائية لفئات يرتفع لديها الميل الحدّي للإستهلاك. وتتم تلك العملية دون أدنى إعتراض من الجهات الرسمية لعدة أسباب، أهمها التالي:
١- السطوة الأمريكية والنفوذ السياسي.
٢- التنسيق مع أقطاب الدولة العميقة في الدول الحاضنة.
٣- سياسة الترهيب والترغيب.
٤- الإستفادة المباشرة للدول المعنية في الحصول على العملات الأجنبية الصعبة.
٥- الإحتماء بالقوانين المحلية والدولية التي تعزّز الهيمنة الأمريكية.
٦- التغلغل في مفاصل الإقتصاد المحلي.
٧- الهيمنة على النظام المصرفي في البلدان ذات الصلة.
٨- التغافل الدولي عن الممارسات غير القانونية للسفارات الأمريكية.
٩- الإستمرار على النهج لسنوات طويلة دون أدنى إعتراض.
١٠- التكلفة الباهظة لوقف عمليات غسيل الأموال المنظّم على الدولة والإقتصاد.
لكل ذلك ومالم ينهار هذا الدولار الأمريكي والذي لايبدوا أنه يلوح في الأفق، فإن الحاجة لأمريكا ستتعزّز أكثر، ويصبح العالم في حاجة للمحافظة على وجود أمريكا، أكثر من رغبته وأمنياته في زوالها.
إلى الحالمين في كسر الهيمنة الأمريكية، الخطوة الأولى هي عدم السماح لها بالتواجد على أراضيكم، أو تقييدها بالقوانين المنظّمة لحركة التداول النقدي الصحيح.
أبوطاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى