أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

الصدمة وافتعال الأزمة من أساليب السياسة البراغماتية

مجلة تحليلات العصر - علي الازيرجاوي

مما لا شك فيه أن السياسة التي تسود العالم هي سياسة براغماتية غير نظيفة الوسائل، يتصدرها أشخاص بعيدون عن الأهداف السامية للسلطة والحكم الرشيد، إلا ما ندر.
في كل الأحوال تعمل السلطات على تنفيذ أجنداتها الخاصة التي تتبع ولاءات النموذج السياسي أو التقاسم السلطوي وشراكة النفوذ على مصادر المال العام، سواء كان النموذج دكتاتوري مقيت أو ديموقراطي مزيف.
إن الوسيلة التي تبررها الغاية تُستخدم للوصول إلى أهداف معينة، تحقق ما يبتغيه المتسلطون ويخططون له، من خلال إيهام الناس بالخداع والأكاذيب وافتعال الأزمات تارة، أو فرض الأمر الواقع تارة أخرى، كما يحصل في العراق البلد الغني المستباحة ثرواته وأنهكته السياسات المتخبطة للمتسلطين بغير وجه حق؛ منذ السياسات الغاشمة للنظام الصدامي الفاشي الذي كان عبارة أزمة دائمة تتغير وتتلون وفق كل ظرف ومسألة سواء كانت سياسية داخلية أو خارجية، اجتماعية بأنواعها المختلفة أو إقتصادية من أمثال حالات سامكو وعلاءكو التي كانت تدار من أذرع الدولة وغيرها الكثير الذي لا يعد ولا يحصى.

لانريد الخوض بالماضي بقدر ما نريد تشخيص ما نعيشه اليوم ونستطيع تطويقه والتحذير منه.

❎ من الشواهد الماثلة أمامنا خلال المفترة المنصرمة من إدارة الدولة العراقية لاحظنا كثير من أنواع الحركات والافتعالات السياسية المقصودة الأهداف، نوجز منها بأختصار ما يلي:

🛑 النوع الأول: الأزمات الأمنية والسياسية التي شهدها العراق إبان السقوط والتي أفتعلها المحتل الأمريكي وراح ضحيتها الكثير من الأبرياء، من أجل تحقيق مصالح معينة أو فرض أشخاص لولاءات محددة أو تمرير قوانين ومناهج خاصة؛ وكلما يتجه الوضع نحو الحل تثار أزمة جديدة تربك الوضع العام وتشل التفكير وترفع من حجم التهم وتزيد التخندقات الفئوية أكثر فأكثر، حتى تتقلص الأهداف والتطلعات العامة إلى أدنى مستوياتها، ويكون الهدف أن لا نرى تفجيرات ودماء بدل البناء والتنمية والازدهار.

🛑 النوع الثاني: بعد مغادرة المحتل أرض العراق وتشعب الصراعات السياسية، افتعل أزمة داعش ليحقق من خلالها عدّة أهداف دنيئة منها، إعادة تمركزه العسكري بشكل أصولي بحجة محاربة الإرهاب وبناء قواعد كان يحلم بها في العراق، ومنها، إسقاط الحكومات والتوجهات السياسية التي لا تخدم مصالحه، ومنها إيجاد التصدع في المجتمع ومحاولة ترميمه برؤيا مغايرة للعادات والتقاليد والأعراف السائدة.

🛑 النوع الثالث: افتعال الأزمات الإقتصادية وعرض المساعدة وفق شروط محددة تصب في صالح النظام الليبرالي المتسلط.

🛑 النوع الرابع: حصول صراعات جانبية بعنوانين مختلفة، والغاية الفعلية هي ممارسة الضغوط لتشكيل الحكومات وفق أجندات معينة وولاءات خاصة، بسبب غياب أو تغييب القائد الكبير الذي يفرض الحل على السياسيين، لذلك لم نرى رئيسًا للوزراء يتصدر برأي شعبي أو تكليف جهوي ليكون ممثلًا حقيقيًا عن الشعب، حتى تحولت الحكومة إلى حلبة للتصارع ومنافذ للفساد وبيع وشراء في واحدة من أشد المراحل السياسة تعاسة.

❎ أما سياسة فرض الأمر الواقع فقد تصدرت هي الأخرى بإمتياز المشهد السياسي العراقي خلال العقدين وبعدة حالات مختلفة منها:

⭕️ الحالة الأولى. فرض نظام الأقاليم الفدرالي على العراق من خلال سياسة الأمر الواقع لتثبيت إقليم كوردستان بصلاحيات كونفدرالية، وذلك من خلال أخذ تواقيع قوى المعارضة كشرط لإسقاط النظام البعثي، ومن خلال تثبيت ذلك في قانون إدارة الدولة المؤقت المعروف بقانون بريمر حيث أعتبر الإقليم كأمر واقع وتدور باقي التشريعات حوله أو تتماشى مع سياسة وجدوه حتى وإن تقاطعت من قوانين الدولة العامة.

⭕️ الحالة الثانية. فرض إستثمار إستخراج النفط وفق عقود جولات التراخيص التي تجاوزت قانون النفط والغاز المتعثر في رفوف البرلمان منذ منتصف العقد الماضي، وذلك بالإلتفاف حول عقود الخدمة الموجودة أساسًا ليتم تحويرها إلى عقود قريبة من الشراكة، بل أقسى منها تكبل البلد خسائر وهدر بالمال العام لا يمكن إيقافه إلا بمعجزة.

وليست عقود نفط الإقليم ببعيدة عن سياسة الأمر الواقع التي تجاوزنا النقاش في مشروعيتها إلى المطالبات بتسليم أموالها للدولة التي تغطي نفقات تلك الشركات العاملة بشكل غير شرعي!

⭕️ الحالة الثالثة. قوانين الانتخابات الرخيصة التي يتم تشريعها قبيل كل إستحقاق انتخابي لفرض إرادة القوى السياسية النافذة على الناخب وتجبره على إعادة انتخاب نفس الوجوه بطريقة غامضة تدار من قبل فنيي الأمم المتحدة وفق معادلات رياضية معدة خصيصًا لحساب الأصوات، لايعلمها إلا القليل من الفنيين.

⭕️ الحالة الرابعة. تشريع قوانين الموازنات العامة السنوية بتوقيتات محرجة دستوريًا، وباتفاقات السلّة الواحدة لتمرير عدة قوانين لمصلحة جهات معينة تحت عناوين مكونات محددة، وتمرير الخلل المراد تمريره بدون رغبة شعبية أو تمثيل حقيقي أمين يراعي مصالح الشعب.

🔷 ومن تلك الحالات المهمة ما حصل هذه الأيام من افتعال أزمة الرواتب لتمرير وطرح التخفيضات على رواتب الموظفين وتغيير سعر صرف العملة العراقية بطريقة دنيئة تعبر عن عدم إنتماء حقيقي لهذا الوطن، بل تنفيذ أجندات أخرى وسياسات خبيثة، دون الإلتفات إلى معاناة المواطن الفقير الذي ليس له حول ولا قوة.
والأدهى من ذلك رفع نسبة الانفاق الحكومي وزيادة نسبة العجز لموازنة العام القادم، في وقت يحتاج البلد تحت هذه الظروف الصعبة إلى ضغط النفقات غير الضرورية والبحث عن مصادر عامة أخرى للموارد من أجل توفير لقمة العيش الكريم للمواطن صاحب التخويل للموجودين على سدة الحكم أو من وضع ثقته فيه وينتخب ايديولوجيا خلفه.

تلك هي نماذج مبسطة واضحة من ألاعيب السياسة القذرة التي يمتهن أغلب روادها من الأبالسة الخداع والمراوغة والعمالة أو القصور واللهاث وراء المنافع الشخصية والجهوية أو العمالة لتنفيذ أجندات خبيثة لها أهداف بعيدة ترمي إلى إخضاع الشعوب وإبعادهم عن مبادئهم وتاريخهم وحضارتهم ودينهم.

ولله عاقبة الأمور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى