أحدث الأخبارشؤون آسيويةشؤون امريكية

الصراع الصيني الأمريكي.. الشرق الأوسط لمن؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - محمد صالح صدقيان

لم تكن زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى أندونيسيا في 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري زيارة عابرة، إنما زيارة لمنطقة أصبحت ساحة تناحر إستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين. تندرج زيارة بلينكن لأندونيسيا في مستهل جولة أراد من خلالها المسؤول الأمريكي زيارة عدد من دول منطقة شرق أسيا لولا إكتشاف إصابة أحد مرافقيه بجائحة كورونا. وقال مسؤول أمريكي بارز قبيل الجولة إن الزيارة تهدف إلى تعزيز التعاون مع الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (“آسيان”) والتباحث في وجهة نظر الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن إطار العمل الإقتصادي. حتى الآن، لم توضح الإدارة الأمريكية ما هو تصور بايدن لـ”إطار العمل الاقتصادي” لكن الأكيد أن منطقة جنوب أسيا أضحت مسرحاً رئيسياً للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، أي بين أكبر إقتصادين في العالم، وسط معركة محتدمة على مد النفوذ، إذ تسعى إدارة بايدن إلى إعادة التواصل مع منطقة جرى التشكيك دوماً في مدى التزام الولايات المتحدة تجاهها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

المحاصرة الأمريكية للصين لا تقتصر علی جنوب شرق أسيا وإنما كانت ولا تزال في منطقة غرب أسيا، وتحديداً الشرق الاوسط، المنطقة “المتفحمة” بالأزمات والتوترات والحروب منذ أكثر من خمسين عاماً. الصين لديها مشروع واعد، وهو “حزام واحد.. طريق واحد” تريد من خلاله عبور القارات للوصول إلى مكامن النفوذ الاقتصادي الأمريكي في أسيا وأفريقيا وحتی أوروبا التي لطالما كانت الحديقة الخلفية للرأسمالية والليبرالية الأمريكية.

تُخصّص الصين 124 مليار دولار في مشروعها الطموح لإنشاء
موانىء وطرق وسكك حديد في عشرات الدول حول العالم إيمانا منها، كما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ “أن التجارة هي المحرك الأهم للتنمية الإقتصادية”.

وإستناداً إلی ذلك؛ كما تقول الكاتبة الصينية مهويش كاياني في موقع “موديرن ديبلوماسي”؛ زادت الصين وتيرة إنخراطها في منطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام القليلة الماضية وأقامت علاقات ودية مع مجموعة متنوعة من الدول؛ بما في ذلك تلك الموجودة علی جوانب مختلفة من الإنقسامات الإقليمية. ويُعتبر الشرق الأوسط من أكثر المناطق أهمية للصين؛ لأنه يقع علی مفترق طرق ثلاث قارات مهمة؛ أوروبا وأفريقيا وأسيا حيث يسود الإعتقاد أن كل هذه القارات مرتبطة بمشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني. إضافة إلی وقوعها عند تقاطعات طرق النفط التي تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للصين لجهة تلبية إحتياجاتها المتزايدة من الطاقة.

وتُمثل دول الشرق الأوسط الأسواق المحتملة للصين من حيث الموارد؛ وهي أيضاً بوابتها إلی الأسواق الأخری في العالم.

وبعيداً عن المبالغة، فإن الإستثمارات الصينية لا تخدم مصالح الصين فحسب؛ بل تخدم أيضاً دول الشرق الأوسط التي تطمح إلى تطوير وتعزيز اقتصادياتها لدعم قاعدة الإستقرار الإجتماعي والسياسي والأمني فيها؛ في حين تركزت جهود الولايات المتحدة، في العقود الأخيرة، علی الإنتشار العسكري وتسويق الأسلحة وما تُتهم به من تصدير الأزمات والتوتر في العالم؛ وما أفغانستان عن ذلك ببعيدة.

لم تنجح الصين بالاستمرار في العقد الذي أبرمته مع الكويت للإستثمار في جزيرة بوبيان، بسبب معارضة الإدارة الأمريكية، ذلك أن الرئيس ترامب طلب إلغاء العقد خلال الزيارة التي قام بها أمير الكويت الراحل صباح الأحمد إلى واشنطن في 18 فبراير/شباط 2019.

الصين أيضاً تقدمت بمشروع إستثماري طموح للعراق يقضي بإنشاء ميناء الفاو وتحويله إلی ميناء عالمي علی أن يقوم بربط الميناء بالحدود العراقية الشمالية عبر سكك حديدية متطورة وفق منظومة 5G الحديثة؛ وما يزال هذا المشروع قائماً علی الرغم من المشاكل التي تواجه تنفيذه، وليس مستبعداً أن تكون من بين أسباب عدم تنفيذه معارضة الولايات المتحدة.

وليس خافياً أن واشنطن تلكأت في إتمام صفقة طائرات الـ”إف 35″ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب إنتقادات وجهتها الإدارة الأميركية لعمل شركات صينية في موانىء جبل علي واستخدامها تقنية G5 القادرة على التجسس علی هذه الطائرات المتطورة.

أما إيران فهي علی أعتاب التوقيع علی عقد مقترح مع الصين للإستثمار في مجالات إيرانية عديدة بقيمة 400 مليار دولار لمدة 25 عاماً، بعدما كانت وقعت علی مسودته في يونيو/حزيران 2020. وهذا العقد ليس غائباً عن طاولة مفاوضات فيينا النووية، سواء أمام الجانب الإيراني الذي يشعر بأريحية تفاوضية غير معهودة أو عند الجانب الأمريكي الذي يستعجل التوصل إلى إتفاق مع الإيرانيين قبل البدء بتنفيذ العقد المذكور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى