أحدث الأخبارشؤون آسيويةشؤون امريكية

الصين تتجاوز الحصار الأميركي: إلى القمر والمرّيخ وما بعدهما

مجلة تحليلات العصر الدولية - ريم هاني / الأخبار

تُواكب وسائل الإعلام الصينية باستمرار أخبار روّاد الفضاء الصينيين الثلاثة الذين وصلوا، في 17 حزيران الماضي، إلى محطّة «تيانغونغ» الجاري بناؤها، حيث سيمضون ثلاثة أشهر على متن الوحدة «تيانخه»، وهي واحدة من أربع وحدات أساسية في المحطّة الصينية المستقبلية. ومن هناك، بعث الروّاد، المعروفون بالـ«تايكونوتس» (taikonauts)، بتهنئتهم إلى الشعب الصيني والدولة، بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس “الحزب الشيوعي الصيني”. وتعتبر الصين أن هذه المهمّة، التي سعت إلى إتمامها قبل الذكرى التي تصادف في الأول من تموز، هي أفضل انعكاس للخبرة التي استمدّها المشاركون في البعثة من تاريخ الحزب، ولا سيما من تطوّر صناعة الفضاء الذي أُنجز تحت قيادته. ويبقى اللافت في الأمر، أنه منذ وصولهم، يكثر الحديث في الإعلام الغربي، وبين مسؤولين أميركيين، عن «سباق جديد نحو الفضاء»، يسبّب قلقاً واضحاً للولايات المتحدة، التي لم تتمكّن، بالرغم من سياستها الصارمة في مجال الفضاء تجاه الصين، من منع الجمهورية الشعبية من أن تفرض نفسها كمنافس جديّ ومستقلّ.
فشلٌ في تقويض برنامج الصين
في العام 2011، أقرّ الكونغرس قانوناً يفرض بموجبه على وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» (NASA) الحصول على موافقته قبل التعاون مع الصين، وعلى موافقة مكتب التحقيقات الفدرالي أيضاً، بحجّة مخاوف بشأن «تهديد الأمن القومي» للبلاد. لكن هذا القانون، الذي أبعد الصين عن محطّة الفضاء الدولية (ISS) رسمياً ومَنع روّاد فضائها من الصعود إليها، فشل في الحدّ من تطوير بكين لبرنامجها الفضائي بسرعة قياسية؛ إذ إن الجمهورية الشعبية، التي بعثت بأوّل رائد لها إلى الفضاء في العام 2003، أي بعد 40 سنة من قيام الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بالخطوة نفسها، حَقّقت خلال الأشهر الماضية فقط إنجازات مهمّة جدّاً في هذا المجال. فقد أصبحت، الشهر الماضي، ثاني دولة بعد الولايات المتحدة تنجح في إنزال “روبوت”، باسم «زورونغ»، على سطح المريخ، والحصول على صور من هناك. وفي تشرين الثاني الفائت، عادت الصين، بعد مهمّتها الروبوتية الناجحة «تشانغ-5»، بعيّنات جديدة من سطح القمر، في أوّل مهمّة من نوعها منذ بعثة «لونا 24» التابعة للاتحاد السوفياتي عام 1976، وفق ما أفادت به صحيفة «سبايس نيوز» (SPACENEWS). وعام 2019، باتت أوّل دولة تهبط بمسبار على الجانب المظلم من القمر. ودفع ذلك أخيراً، بمدير «ناسا»، بيل نيلسون، إلى الطلب من أعضاء مجلس الشيوخ تخصيص تمويل إضافي للوكالة، حتى تتمكّن من دعم مطوّر قمري ثانٍ، منبّهاً إلى أن “ناسا” تحتاج إلى البقاء في المقدّمة في مواجهة برنامج فضائي صيني «شديد العدوانية»، بحسب الصحيفة نفسها. أمّا صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، فاعتبرت أن وصول الروّاد الثلاثة إلى المحطّة كان أشبه بـ«غرس سهم في الحصار التقني الذي تفرضه الولايات المتحدة. وقد سبّب إحباطاً للّذين يهللون لهذا الحصار، وللانفصال عن الصين في مجال الفضاء»، لافتة إلى أن هذا الإنجاز ليس منعزلاً عن غيره من الإنجازات في المجالات التكنولوجية الأخرى، والتطوّر الذي تشهده الصين ككلّ. ورأت أن «التطوّر السلمي الذي قادته الصين وحدها، كان الردّ الأمثل على مزاعم الولايات المتحدة حول أن التطوّر التكنولوجي للصين قائم على السرقة، وأن عزلها يمكن أن يحكم عليها بالرجعية».
يؤذن التعاون الروسي – الصيني بحقبة جديدة من المنافسة يمكن أن تعادل بشراستها سباق الفضاء الأول
تهديد وجودي ينتظر «ناسا»
من المفترض، حالياً، أن تقوم الصين بـ8 مهمّات إضافية، 3 منها عبر روّاد فضاء، لتُنهي بناء محطّتها بحلول العام 2022، أي قبل سنتين من وقف تشغيل “محطّة الفضاء الدولية” وإخراجها من المدار، في العام 2024. غير أن «ناسا»، بحسب صحيفة «واشنطن بوست»، أعربت عن ثقتها بأن الكونغرس وشركاءه الدوليين سيوافقون على تمديد عمر المحطّة. أمّا في حال وقف تمويلها، فإن «ناسا» ستكون أمام «تهديد وجودي»، من دون وجود أيّ وجهة أخرى لروّاد الفضاء فيها، على حدّ تعبير مسؤول رفيع في الوكالة. وبينما تمكّنت الصين، منفردة، من إنشاء محطّتها الفضائية، كان العمل بـ”محطّة الفضاء الدولية” قد بدأ منذ العام 1998، بموجب تعاون دولي بقيادة الولايات المتحدة وروسيا، وتمويل من كندا واليابان و10 دول أوروبية. وقد كَلّف العمل بها، خلال هذه الفترة، 150 مليار دولار، دفعت الولايات المتحدة 100 مليار دولار منها، فيما تكفّلت وكالات الفضاء في روسيا وأوروبا واليابان وكندا بدفع بقية المبلغ الذي يُعدّ باهظاً جداً. وإلى جانب مشكلة التمويل الأميركي، يضاف التوتر المستمرّ بين الولايات المتحدة وروسيا، التي أعلنت مراراً نيّتها الانسحاب من المحطّة بحلول العام 2025، في مقابل تسجيل التعاون بين روسيا والصين في مجال الفضاء تقدّماً ملحوظاً.
نحو حقبة جديدة من المنافسة
أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بأنه بعد سنوات من الوعود المتبادلة وبعض التعاون المحدود، بدأت روسيا والصين تضعان خططاً مشتركة طموحة حول البعثات الفضائية، التي من شأنها أن تنافس مباشرة بعثات الولايات المتحدة وشركائها، ما يؤذن بحقبة جديدة من المنافسة في مجال الفضاء، «يمكن أن تعادل بشراستها سباق الفضاء الأول» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي؛ إذ اتّفقت الدولتان على التعاون لإرسال «روبوت» إلى أحد الكويكبات في العام 2024. وهما تنسّقان سلسلة من البعثات القمرية، التي تهدف إلى بناء قاعدة بحث دائمة على القطب الجنوبي من القمر، بحلول العام 2030. ومن المقرّر أن تنطلق أولى تلك البعثات، وهي مركبة فضائية روسية تحمل اسم «لونا» الموروث من الاتحاد السوفياتي، في تشرين الأول المقبل، بهدف تحديد موقع الجليد الذي يمكن أن يؤمّن المياه للزيارات البشرية في المستقبل. وفي هذا السياق، يؤكد العضو الرفيع المستوى في مركز «كارنيجي» في موسكو، ألكسندر غابيف، للصحيفة، أن «لدى الصين برنامجاً فضائياً طموحاً، وهي تملك الموارد اللازمة والخطّة المناسبة لتطبيقه»، مستدركاً بأن روسيا «بحاجة إلى شريك» لتحقيق طموحاتها، أي إلى التمويل، علماً بأنها تمتلك عدداً كبيراً من الاختصاصيين في مجال الفضاء. والجدير ذكره، هنا، أن روسيا والصين تعاونتا في السابق، لكن على نطاق أضيق. ذلك أن أوّل روّاد فضاء صينيين خرجوا إلى الفضاء ببدلات الفضاء الروسية. وفي وقت لاحق، صنعت الصين بدلاتها الخاصة بالاستناد إلى التصاميم الروسية. كما أن أوّل محاولة من جانب الصين لإرسال مركبة مدارية إلى المريخ، ارتبطت بمهمّة روسية كانت متوجّهة إلى «فوبوس»، أحد أقمار المريخ، وفقاً للصحيفة. وقد أغنى هذا كلّه التجربة الصينية إلى حدّ كبير.
إلى ما بعد القمر والمريخ
لم تنتهِ طموحات الصين عند هذا الحدّ، إذ أعلنت أنها تعتزم إرسال مركبة ثانية إلى المريخ بحلول العام 2028، لتعود، في نهاية المطاف، بمزيد من العيّنات إلى الأرض. واللافت في الأمر أن «ناسا» و”وكالة الفضاء الأوروبية” تعملان على هذه المهمّة بالفعل، وتأملان أن تنتهيا من جمع التربة والصخور وتعودا بها في العام 2031. ومن المحتمل أن تُنجز الصين مهمّتها خلال هذا العقد أيضاً، ما سيؤجّج، على الأرجح، السباق المحتدم إلى الفضاء. وإضافة إلى إمكان إطلاق بعثة مستقبلية مأهولة إلى المريخ، تُخطّط الصين لإرسال بعثة ستقضي 10 سنوات متتالية في الفضاء، بهدف جمع عيّنة من كويكب والمرور بجانب مذنّب، فضلاً عن إرسال مركبات مدارية إلى كوكبَي الزهرة والمشتري. وفي العام 2024، تتطلّع إلى إطلاق تلسكوب مداري، على غرار تلسكوب «هابل»، الذي أُطلق لأول مرّة في العام 1990، إلى جانب مشاريع طموحة أخرى، بحسب «نيويورك تايمز». وفي الوقت الحالي، تُعوّل الصين، في مشروعها الفضائي، على فريق شابٍّ جدّاً من الخبراء؛ إذ يبلغ معدّل أعمار المشاركين في برنامج الفضاء الصيني 30 سنة، مقارنةً بـ52 إلى 56 سنة في “وكالة الفضاء الأميركية”. ومردّ ذلك أن برنامج «ناسا» الفضائي أقدم بكثير، لكونه انطلق في العام 1958، فيما بدأ برنامج الصين في العام 1993، مع إنشاء «إدارة الفضاء الوطنية الصينية»، بحسب صحيفة “جنوب الصين” الصباحية. وعلى رغم أن بعض الخبراء يعتقدون أن البرنامج الصيني سيكون بحاجة إلى أعضاء أكبر وأكثر خبرة في هذا المجال، إلا أن بعض كبار روّاد الفضاء الصينيين المخضرمين، ومنهم عالم الصواريخ سان جيادونغ، البالغ من العمر حالياً 92 عاماً، يشيد بالجيل الشاب «المفعم بالحيوية»، مضيفاً في حديث إلى الصحيفة نفسها أن «الأجيال الصاعدة مفعمة بالشغف، وملتزمة بعملها وسريعة التعلّم»، متابعاً أنه «ستكون لهم مساهمة مهمّة جداً في مستقبل الصناعة الفضائية في الصين».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى