أحدث الأخبارالثقافة

الطفرات الفيروسية من أهم مسبّبات الموجات الجديدة لـ”كوفيد ـ 19″

مجلة تحليلات العصر

ستجدون فيما يلي وصفاً سريعاً لبعض الطفرات التي يمكن أن تزيد من سرعة انتشار الوباء ومن ضراوته لدى بعض المصابين.

إنّ طفرات فيروس كورونا المستجد التي تؤدي بعضها إلى تغيّرٍ أساسي في التركيبة البروتينيّة للفيروس، ستعمل على تغيّرٍ في سرعة انتشاره أو تفاقم أضراره للمصاب. وإذا أضفنا إلى هذه الظّاهرة الإهمال بقواعد التّباعد الاجتماعي لتجنّب العدوى، في ظلّ انعدام المناعة الطبيعية الكافية لدى جميع المصابين وغياب الّلقاح الفعّال أو الدواء الملائم، لوجدنا أنفسنا أمام موجةٍ جديدة ثانية وربما ثالثة لهذا الوباء.

في البداية، كانت جميع فيروسات كورونا فقط حيوانية، ونادراً ما يتحوّر إحداهن إلى فيروسٍ يُصيب الإنسان أيضاً. لكي يصبح هذا الحدث ممكناً، على الفيروس أن يُغيّر في تسلسل الحمض النووي المخصّص لإنتاج بروتين “سبايك”، ممّا سيغيّر في ترتيب الحمض الأميني لهذا البروتين ليتناسبَ مع مراكز الاستقبال الموجودة على سطح الخلايا البشرية.

مكّن هذا الحدث الفيروس التّاجي من الالتصاق ودخول الخلايا الإنسانيّة ومن ثم التأقلم والتكاثر بها. حدث هذا التحوّر أولاً لفيروس “سارس ـ كوف” في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين. ولحق أخيراً بهذا التغيّر طفرات أخرى، كما كتب الدكتور رافي أُوجها، في مجلة “ساينس” لعام 2019.

أدّت هذه الطفرات الجديدة إلى تغيّرٍ جذري آخر يتمثّل بإضافة بروتين جديد يُدعى “النيروبولين-1” على سطح الفيروس، فأصبح اسمه: “سارس ـ كوف ـ 2”. وهذا الفيروس هو مسبّب وباء “كوفيد ـ 19”. مكّن هذا البروتين الإضافي للفيروس المتحوّر بإرفاق المزيد بموقع الاستقبال على الخلية البشرية والمسمّى ب “أي سي إي تو “.

والجدير بالذكر وحسب ما أدلى به عالم الفيروسات الدكتور فإبالتي، في مجلة “ساينس” أنّ هذا البروتين الإضافي موجودٌ أيضاً لدى فيروسات معتبَرة مثل “إيبولا” وفايروس نقص المناعة الـ”إيدز” وغيرها. وبعد التحوّر إلى فيروس يغزو الخلايا الإنسانية، بدأ اهتمام الباحثين في مراقبة ومعرفة طفراته لتحديد تسلسل الحمض النووي على الشريط الوراثي للفايروس. إنّ هذا الأمر أساسي لإدارة الجائحة وتعديل اللقاحات عند الحاجة في سياق الأبحاث.

ستجدون فيما يلي وصفاً سريعاً لبعض الطفرات التي يمكن أن تزيد من سرعة انتشار الوباء ومن ضراوته لدى بعض المصابين:

وفقاً “لمركز المعلومات الحيوية الوطني الصيني”، تمّ تسجيل أكثر من 7551 طفرة بفعل فيروس الكورونا المستجد منذ اكتشافه في نهاية 2019. معظم هذه الطفرات لا تؤدي إلى أي تغيّرٍ كان للفيروس. القليل منها تؤثر على تكوين الفيروس ووظائفه الحيوية كسرعة انتشاره أو شدّة أضراره.

وفي الوقت ذاته، اكتشف باحثون صينيّون في محافظة “يشجيانك”، طفرةً تؤدي إلى تراكم هذا الفيروس المتحور بشدّة في الخلايا المصابة للإنسان بمقدار 270 مرة أكثر من سلالاتٍ أخرى. ربما أنّ هذا الاجتياح يفسّر جزئياً سبب تأثّر بعض الأشخاص بشدة ويصابون أكثر من غيرهم في انتقال عدوى هذه السلالة المتحوّرة إليهم.

في سياقٍ مماثل، تكوّنت الطفرة المسمّاة “دي 614 جي” من استبدال أحد عناصر الحمض النووي الـ”أدينين” على شريط RANA (شريط الحمض النووي الريبوزي) في مركز 23.403 إلى “غوانين”. وهذا التغيّر الأساسي أدّى إلى تغيّرٍ مناسب عند صناعة البروتين، حيث أنّ الحمض الأميني “سبرتيك” استُبدل بحمض أميني آخر وهو “غليسين”.

زادت هذه الطفرة بسرعة انتشار الفيروس التّاجي ليس فقط في إسبانيا بلد التحوّر فحسب، مقارنةً بانتشاره البطيء نسبياً في الصين قبل حدوث هذه الطفرة، بل أيضاً في كل البلدان التي أُدخلت إليها هذه السّلالة المتحوّرة مع وفود المسافرين الخارجين من إسبانيا والعائدين إلى بلدان أوروبا أو إلى الولايات المتحدة الأميركية، وحتى إلى أميركا الجنوبية وغيرها من البلدان.

وقد نُشرت الكثير من المعلومات حول هذه الطفرة في مجلة “سل” (Cell) لشهر تموز/يوليو المنصرم، معتمدةً على التجارب المخبريّة التي أُجريت في مختبرات “Los Alamos” الوطنية في “نيو مكسيكو” تحت رعاية العالِم البيولوجي الدكتور بيت كوربر. وتبيّن أنّ هذه الطفرة تساهم في استقرارٍ أفضلَ لبروتين سبايك المتحوّر مع المستقبلات “أي سي إي تو” على سطح الخليّة المضافة، ممّا يزيد من سهولة الارتباط ودخول هذا الفيروس إليها بكثرة.

وأظهرت الدراسات التي نُشرت في “ريفيو ناشيونال ساينس” لهذا العام أنه يوجد نوعان من البروتين السطحي للفيروس الذي يُسمّى بروتين “سبايك” “S” و “L”. في بداية العدوى العالمية، لم يكن هناك إلّا نوعية “S”، ومع مرور الزمن، حدثت الطفرة التي أوجدت نوعية “L”. وتبيّن لاحقاً أنّ هذه النوعيّة الأخيرة هي أكثر ضرراً وأسرع انتشاراً من نوعية “S”. تدريجياً، وبعد انتشار الفيروس خارج الصين، أخذت نوعية “L” بالارتفاع، إلى أن أصبحت النوعية المهيمنة بنسبة 70%، على العدوى الأساسية لفيروس كورونا المستجد في العالم.

وقد تم مؤخراً اكتشاف 5 سلالات كورونا عند حيوان المنك في الدنمارك، حيث صُنّفت كسلالاتٍ متحوّرة للكورونا المستجد التي تعيش في خلايا هذا الحيوان الثديّ المعروف بجمال وقيمة فرائه. وأُصيب 12 شخصاً بالعدوى من العاملين بتربيته؛ وبالرغم من أنّ هذه السلالات قليلة الخطورة، إلّا أنّ صعوبة الأمر تعود إلى عدم التفاعل المناعي بين هذه السلالات الدنماركية مع الأجسام المضادة للفيروس المسبّب لـ”كوفيد ـ 19″، فأسوأ السيناريوهات هو أن تغزوا هذه السلالات العالم دون دراسةٍ علميّةٍ كافية، دون التمكّن من مكافحتها ودون أن يكون لها لقاحات في مرحلة التحضير. لهذا، أعلن مؤخّراً رئيس وزراء الدنمارك ميت فريدريكسن، التخلّص من جميع أنواع المنك في البلاد والتي يزيد عددها عن 15 مليون.

وبخصوص الطفرات الجديدة واللقاحات المعنيّة، أودّ أن أكرّر ما قاله أستاذ الفيروسات الدكتور يوهان نيتس، في معهد “ريجا” البلجيكي إنه “في حالة حدوث عدة طفرات متتالية وأساسية لدى فيروس كورونا المستجد، علينا فقط إعادة النّظر في التركيبة اللّقاحيّة، آخذين بالاعتبار آخر التطوّرات الفيروسيّة ومستعينين بتدخّلٍ تكنولوجي بسيط”.

وفي النهاية، أودّ أن أذكر لقرّائنا الكرام الدراسة التي قامت بها جامعة “أريزونا” ونُشرت في “جورنال أُف فيرولوجي” بأنّ سبب نهاية فيروس “سارس ـ كوف” لسنة 2003 كانت طفرةً حدثت لبنيته الوراثية وأضاعت، دفعةً واحدة، 81 حمضاً نوويّاً. فهل سيحصل هذا الحدث ثانياً لفيروس “سارس ـ كوف ـ 2” مسبّب وباء الكوفيد ـ 19؟ لمَ لا؟ أليست تنتمي إلى نفس العائلة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى