أحدث الأخبارالثقافة

الطنطل.. والعفريت.. وهيكل المؤسسات

مجلة تحليلات العصر - المهندس ابو باقر

أنَّى لك أن تواجه مؤسسة، أو حزب سياسي أو كتلة برلمانية أو منظمة دولية أو حكومة متفرعنة ؟! فهي ليست من جنسك ، أنت بشر وهي كائن يختلف عنك، فهي أكبر وأضخم منك، وتمتلك امكانات غير محدودة !!!.

هذا التصور تروج له أنظمة الحكم المستبدة ، وأصحاب الكيانات الكبرى، والأحزاب السياسية المهيمنة ، والشركات العابرة للقارات ، والمنظمات الدولية ، وتجار المخدرات و… إلخ لتخويف الناس وإخضاع الإرادات الشعبية..

للتعامل مع أي كيان – يبدو ضخماً ومخيفاً لك – إلجأ إلى شخصنته …، أي حصره في أشخاص وبشر مثلك، بوضع يدك على الأشخاص المحركين له فعلياً !.

فإن أردت تغيير اوضاع مدرسة أهلية.. مثلاً، فأنت تتحدث عن مالك ومدير، وربما لو دققت النظر أكثر لاكتشفت أن المالك هو الأساس ! ، وهو الذي يحدد السياسات التي تسير عليها المؤسسة !.

وإن أردت تغيير مسؤول او حكومة ما، فاعلم أن خلفها قلة محدودة يمكن حصرها، وبالتالي أنت لا تتعامل مع كيان يدعى “النظام” يختلف عن طبيعتك، بل تتعامل مع أشخاص يتسترون خلف هذه الكلمة !!، كمن يلبس قناع أسد ليخيف طفلاً !، ثق أنه ليس أسداً !، كما أنك لست طفلاً ترعبك الكلمات !!، فكك كلمة “الحكومة” أو “البرلمان” أو “الوزارة” أو “المديرية” أو حتى “علوة المخضّر” ، لتجد أنك تتعامل مع مجموعة محددة من الأشخاص… الآن أصبحت المهمة أسهل… والأمور أوضح..

يُسوّق محبو السيطرة أنفسَهم باعتبارهم كيانات ليست مثلنا، يطلقون على أنفسهم أسماء لا نتسمى بها، من قبيل الحكومة، النظام، الحزب، الكيان، الحركة، الكتلة، الإعلام،… الخ، ليلقوا في روعك إنهم كائنات غريبة لا يفلها جهد البشر، يخفون بذلك ضعفهم البشري. لا تبتلع الطعم.. وأعد ما تراه إلى سيرته الأولى !!، ستجد أن خلف تلك الكيانات جميعاً أفراداً معدودين !!.

القاعدة الذهبية بعد شخصنة خصمك وارجاعه إلى سيرته الأولى… “فكّك معسكر الخصم إلى قطع، ثم حدد استراتيجية للتعامل مع كل قطعة”.

فإن أردت أن تتعامل مع أي كيان، لا تتعامل معه كقطعة واحدة تبدو عصية، فتتها إلى قطع صغيرة، ستجد أن آفاقاً كثيرة فتحت للتفكير، وستجد نفسك في عالم العجائب والفرص المنثورة، وستتكشف لك نقاط الضعف بوضوح، حيث ستتعامل مع كل قطعة في ثوبها البشري بعد أن خلعت عنها قناعها !.

عندما تفكك معسكر الخصم ستكتشف فيه أناساً في صفك !!، وآخرين محايدين !!… هؤلاء لا تتعامل معهم كما تتعامل مع المعاند، أنت تضّيق دائرة مَن تستهدفهم وبالتالي يكون العمل أسهل، وسيكثر معاونوك ….

فإن قلت على سبيل المثال: ” أريد تطهير الإعلام”، أنت بذلك تخوض معركة أشباح (الهدف مشوش وغير محدد) !! ، كما أن في الإعلام أناساً مؤيدين لك ربما يهمسون بذلك..، لا تضمهم إلى صف خصومك !، قل: أريد تطهير الإعلام من الشخصيات التالية..، أخرج خصومك من مخابئهم.

مثال: إن أردت قهر سيارة تعدو نحوك !!..، لأول وهلة ستراها كياناً عملاقاً مارداً يفوق قدراتك، فككها سريعاً في عقلك لتجدها عبارة عن محرك وعجلات وجسم معدني، وخزان وقود، وسائق.. الخ… حينها أنت أقوى من مكوناتها منفردة، فكر أكثر… ماذا ستستهدف؟؟ بالضبط.. إن أصبت عجلاتها ، فقد أصبتها في مقتل.. أنت لا تواجه سيارة، أنت تواجه أربع عجلات، بل أربع عجلات كثير، وفّر جهدك ، الأمر لا يتطلب، يكفيك منها واحدة !.

الآن أتركك تجرب… هل ترى مهمة تغيير وضع مجتمعك صعبة؟؟ فكر قليلاً.. وحدد ما هو مجتمعك؟؟ وفتته في عقلك إلى قطع.. لتكتشف أن المهمة ممكنة، وممتعة…

ملاحظات:
احرص دائماً أن يكون الصراع ضد طرف واحد أساسي فقط، لا تفتح أكثر من جبهة، وميّز بين الطرف الأساسي الذي تواجهه والطرف الداعم له !، فربما تمكنت من كسب الطرف الداعم لخصمك !، أو على الأقل تحييده !!، حدد كل أطراف الصراع وحدد دوافع كل طرف، بدقة.

فتت معسكر الخصم في عقلك حتى تتمكن من تفتيته في الواقع. لا تعامله ككتلة واحدة… صنف دوافع فريقه وستكتشف الكثير من الفرص. وستتمكن من كسب وتحييد البعض.

ضع إستراتيجية للتعامل مع كل مجموعة في معسكر خصمك بحسب دوافعها.
اصنع خطابك السياسي بناء على التفتيت الجديد لمعسكر الخصم في عقلك، بحيث تخاطب كل فريق داخل معسكر خصمك، وتذكر أن الاستراتيجي البارع لا يدمر موارد خصمه، ولكن يستفيد منها !.

كن دقيق في قراءة الساحة وأطراف الصراع، وارسم أهدافك، وكن واقعي في مطاليبك، وعملي في تحركك، ومنظم في لوجستياتك، وصريح مع رفاقك، ومنفتح على كل الآراء، وخلي عينك في عين الله سبحانه ولا تتعدى خطوطه التي رسمها لمخلوقاته..وتقدم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى