أحدث الأخبارشؤون آسيويةشؤون امريكية

العالم الإسـلامي .. وصراع التكتلات الدوليـة

مجلة تحليلات العصر الدولية - شرحبيل أحمد الغريب /مجلة يمن ثبات ( العدد السابع )

يعيش العالم العربي والإسلامي المعاصر والمحيط الإقليمي حالة صراعات كبيرة غير معهودة أو مسبوقة، وحالة من الانقسامات والنزاعات والتكتلات ذات الأهداف الواضحة للعيان، ربما يطغى عليها الطابع السياسي من جهة والأيديلوجي من جهة أخرى لكن الطابع السياسي هو الأكثر، هذه الصراعات أفرزت بموجبها بيئة جديدة أثّرت بشكل سلبي على المشهد العربي الإسلامي والدولي؛ لما فيه من حالة تشابك واضحة ومتشابكة تجاه الكثير من الملفات الساخنة، لكنها ألقت بظلالها وأثرت بشكل ملموس على حالة تشكل التكتلات الإقليمية.

تشخيص واقع التكتلات والصراعات في المشهد الإقليمي يحتاج لأبحاث موسعة وربما لا يتسع لمقالة سريعة، لكن الإفرازات الواضحة في المشهد الإقليمي تشير إلى أن الواقع العربي والإسلامي لا يسر صديقا؛ فقد تم تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ على مدار سنوات، وأصبحت المنطقة تعيش تكتلات ضعيفة وشرخاً غير معهود في الماضي والحاضر، وربما الأسوأ هو الصورة الحاضرة في الأذهان لما نشاهد من تكتلات غريبة على الجغرافيا كما هي غريبة على التاريخ وعن فكر وثقافة العالم الإسلامي.

المنطقة اليوم وخلال فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقسمت إلى تكتلين أساسيين رئيسين؛ بفعل السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وخططها وقراراتها تجاه العديد من الملفات، وعلى ضوء تسارع الأحداث على الساحة الإقليمية وتجاذبات الفعل الأمريكي بحق إيران وأذرعها في المنطقة، فأصبح التكتل الأول الذي اصطف اصطفافاً سياسيًّا كاملاً مع أمريكا بقيادة السعودية ودول الخليج ودول أخرى، رؤيته قائمة على تبني الرؤية الأمريكية بكل تفاصيلها ولا سيما تقويض ومحاربة النفوذ الإيراني، وتبني خيار التطبيع مع المحتل الإسرائيلي، أمام تكتل آخر تقوده الجمهورية الإسلامية الإيرانية يبدأ منها ويمر بالعراق واليمن ولبنان وسوريا وفلسطين قائم على تبني قضايا الأمة، ورفض الظلم والاضطهاد، ونصرة المستضعفين في اليمن، ودعم وتأييد القضية الفلسطينية بأشكال مختلفة، وغيرها من القضايا المحورية المهمة التي تجعل من الإنسان قيمة وقامة في الفكر والقرار، هذا التكتل الإسلامي بقيادة إيران اليوم ماضٍ في تحدِّي التكتل الأمريكي الخليجي الذي أصبح يعمل ضد مصالح الشعوب وضد نصرة قضايا الأمة.

الجهورية الإسلامية الإيرانية وهي تمثل حالة التكتل الإسلامي الأبرز وأمام حالة الصراع القائمة بات واضحاً أنها تخوض اليوم واحداً من أعقد أشكال المواجهة مع أمريكا وحلفائها، وهي تؤسس لواقع إقليمي جديد يفرض قواعد اشتباك جديدة، قائم على قاعدة أن أمريكا لم تعد الحاكمة المطلقة للمنطقة، وأن ثمة قوانين لابد لها من الالتزام بحيثياتها، وعلى هذا الأساس فإن السياسات الأمريكية لابد لها أن تتعاطى وهذه الحقائق، وبالتالي فإن المنطقة قد أضحت منقسمة على ذاتها ومتصارعة في ظل سياسات المحاور، وإيران كواحدة من الدول العظمى إقليميا أثبتت أنها تقود معسكرها بحكمة واقتدار وبحساباتها الخاصة على الرغم من الأحداث التي مرت، وذلك وفقا لمنظومة الفهم السياسي لوقائع واقع المنطقة الراهن إقليميًّا.

أعتقد أن بديهيات وأبجديات العمل السياسي تحتم علينا تحديد الموقف الصحيح تجاه هذه التكتلات، بعيداً عن الأوهام بامتلاك أمريكا كل أوراق المنطقة، وأن بيدها التحكم في كل شيء وفق رؤيتها ومصالح تكتلها.

ومن يتعمق أكثر في المشهد الإقليمي يرَ أن ثمة ذريعة أساسية لصراع التكتلات هي خلق فزّاعة سياسية باسم خطر التكتل الإسلامي بقيادة إيران، وهذه الذريعة ما هي إلا خدمة للمصالح الأمريكية في المنطقة، وتبرير الاصطفاف إلى التكتل الأمريكي بذريعة مواجهة المد الإيراني كما يشاع، في تبرير غير مقبول للمضي في تمهيد الطريق أمام استكمال المطامع الأمريكية في المنطقة كمحاولة لتغيير مفهوم الأمن القومي العربي والإسلامي وتغيير بوصلته باتجاه إيران.

حالة الصراعات إقليميًّا ستشتد أكثر فأكثر خلال المرحلة المقبلة، وسنشاهد أمواجا متلاطمة، استناداً لإرهاصات كثيرة وتطورات جمة ستحدث، ونجاح أي تكتل إسلامي لإعادة بناء ذاته يجب أن يكون على قاعدة قبول التعددية الأيديلوجية وتوحيد المسار السياسي خدمة لمصالح الأمة أولاً والتكتل الإسلامي ثانياً، فالصورة النهائية ستصل في نهاية المطاف لساعة الحسم وفرض المعادلات على قاعدة «أكون أو لا أكون»، وإن ما جرى مع باكستان كدولة إسلامية تربَّعت على مقعدها باقتدار في صناعة النووي والترسانة العسكرية مؤخراً من ابتزاز سعودي واضح، ومحاولة تركيع، والسيطرة على القرار الخارجي لهو خير دليل على أن نفوذ التكتل الأمريكي لا يرحم، وأنه ماضٍ في مخططاته تحقيقاً لمصالح أمريكا والاحتلال الإسرائيلي، والأمثلة كثيرة لا تقبل الحصر.

جدير بمشهد الاصطفافات والتكتلات أن يتم إشراك أكبر عدد من الدول العربية أو الإسلامية الوازنة بعيداً عن أيديلوجيتها والاعتماد على الأيدولوجية الشاملة، وتجاوز معضلة غياب الاستقرار السياسي وتغييب أي فرصة للصراعات السياسية الهامشية، وتقلد موقع المبادر لا المتلقي، هذا سيؤسس لتكتل يحرر الدول من أي تبعية خارجية مذلة لأمريكا أو الغرب، ويعطيها قوة في الحكم والقرار، ويجعل هذا التكتل الإسلامي صاحب وزن وتأثير في المشهد الإقليمي الدولي سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى