أحدث الأخبارلبنانمحور المقاومة

“العتمة” صناعة أميركية‎

مجلة تحليلات العصر الدولية - ليلى عماشا

دخل هاجس العتمة وانقطاع الكهرباء المتوقّع قريبًا باب التداول على منصّات التواصل وفي أحاديث كلّ الناس، لا سيّما بعد تصريح وزير الطاقة ريمون غجر بأننا مع نهاية شهر أذار “ذاهبون إلى وضع صعب جدا” بسبب عدم توفّر الأموال اللازمة للوزارة لشراء الوقود اللازم لتوليد الكهرباء.

مع تفاقم الأزمة المعيشية وإصرار العديد من المكوّنات اللبنانية على الخضوع للإرادة الأميركية، من المحتمل أن يتحوّل هذا الهاجس إلى حقيقة سنعيشها جميعًا مع نهاية الشهر الجاري. يشدّ الأميركي عبر حباله المحليّين الخناق علينا، فالحلول المطروحة والتي تصبّ في مصلحة كلّ اللبنانيين يرفضها جزء منهم خضوعًا للإرادة الأميركية من جهة و”نكاية” سياسية من جهة أخرى.

بكلام آخر، تقدّم الجمهورية الإسلامية عروضًا لمساعدة لبنان، ويرفض لبنان بجزئه المتأمرك المتسلّط العروض مهما كانت سخية في سبيل منع كسر الحصار الأميركي.. ببساطة، يصرّ هؤلاء على خنق الجميع، بمن فيهم جمهورهم، في سبيل تحقيق أهداف أميركا في المنطقة.. ففي موضوع الطاقة على سبيل المثال، قدّمت إيران منذ العام ٢٠١٢ عرضًا يحلّ مشكلة الكهرباء في لبنان بشكل جذري عبر بناء محطتيّ توليد وتأهيل الشبكات الداخلية. بضغط أميركي سعودي تمّ تجاهل العرض بشكل كامل، رغم تكلفته البسيطة نسبةً إلى المدفوعات الهائلة التي صُرفت من أجل حلول مؤقتة وجزئية.

لا يمكن فصل مشكلة الكهرباء عن سائر الأزمات التي تفاقمت تراكميًا منذ تسعينيات القرن الماضي. وبالتالي لا يمكن الحديث عن حلول سحرية الآن، ولا يمكن تحميل وزر الأزمة إلى حكومة تسلّمت الأزمات المتراكمة وتتردّد في الذهاب إلى الشرق كي تتجنّب الإصطدام بالمكوّنات اللبنانية المتمسّكة بدورها كأداة يستخدمها الأميركي ويحرّكها بناء على “بنك أهداف” يحدّدها بنفسه، عبر عوكر.

وللمفارقة، هذه الأدوات نفسها تحاول تحميل مسؤولية التأزّم الشديد على الفريق الذي يدعو إلى التحرّر من الحصار الإقتصادي، وتدعو إلى الخضوع للإرادة الأميركية كحلّ سحريّ لكلّ الأزمات.

بل وينظّر هؤلاء بالسيادة وبالحرية أثناء دعوتهم للإستسلام بشكل يسقطون فيه كلّ أوراق التوت عن ارتهانهم المطلق للأميركي.
لا تستطيع الكلمات حلّ الأزمة، والنقاش حولها لن يصل إلى نقاط التقاء منتجة طالما يتعاطى المتأمركون من ارتهانهم كضرورة يجب على جميع الأطراف القبول بها، بل الخضوع لها بكلّ شروطها التي على رأسها نزع سلاح المقاومة وضمّ لبنان إلى خارطة الدّول التي ارتضت على نفسها وشعوبها ذلّ “السلام مع إسرائيل”.

لكن على الأقل لم يعد من المقبول على أي مستوى أن نتخذ دور المتهّم أو المسؤول عن الأزمة كمجتمع متمسّك بسلاح المقاومة وبالعداء الوجودي للكيان الصهيوني.. على العكس تمامًا، فهذا المجتمع المتحلّي بالصبر وبالبصيرة يعرف تمامًا أن مسؤولية الأزمة تقع حصرًا على السياسات الخاضعة للأميركي والتي رهنت الإقتصاد وكلّ مقوّماته للإرادة الأميركية. وبالتالي، فإن كان لا بد من محاكمات افتراضية، فهذا المجتمع بكلّ مكوّناته لن يكون يومًا في موضع المتهّم مهما حاول المرتكبون إظهاره كذلك. بل ويعي جيّدًا أنّ لا حلّ إلا بخوض معركة التحرّر الإقتصادي عبر فكّ الإرتباط بالأميركي والتوجّه شرقًا. ببساطة، لسنا في موقع الدفاع أبدًا. ولسنا في دائرة أي اتهام تحاول عوكر التسويق له.

يحكي التراث الشعبي حكاية قرية حاصرها الأعداء وأرادوا اغتصاب نسائها.. وكان من بين النساء سيّدة حرّة قتلت من أراد اغتصابها.. يُحكى أنّ نساء القرية المغتصبات حاولن خنق الحرّة وقتلها كي لا يقال يومًا أن الحفاظ على الشّرف كان متاحًا بدليل محافظتها على شرفها. أرادوا خنق الشّرف ببساطة كي يشرّعوا لأنفسهم فقده بلا مقاومة، وربّما التخلّي عنه وتقديمه طواعيةً نكاية بالأشراف!

تختصر هذه الحكاية واقع الحال في لبنان. عمليًا انتهكت أميركا شرف الكثيرين، وسلّم الكثيرون لها شرفهم طوعًا.. فيما تصرّ بيئة سيّدة وحرّة على المقاومة من أجل شرفها بل من أجل شرف الجميع.. ولا عجب أن يقوم أهل اللاشرف بمحاولة تمكين الأميركي من الجميع لتشريع الذلّ الذي اعتادوه.

العتمة قادمة ما دام في البلاد متسلّط خاضع للإرادة الأميركية، حتى ولو تمّ تأجيلها بضعة أشهر أو سنين.. والعتمة واقع سيظلّ الأميركي يحاول التلويح به بهدف الضغط على عهد يحمي المقاومة، وسيظل يسعى لفرضه ويمنع أيّ حلّ يحرّر الطاقة، كلّ طاقة، من الإرتهان له.. ولهذا، بكلّ ما أوتينا من صبر وحبّ، يمكننا أن نشير بأصابع الإتهام المدعّم بملفات متعاقبة من الأدلة والبراهين إلى كلّ أداة أميركية عاملة في لبنان ومحاكمتها ولو افتراضيًا بجرم تنفيذ الحصار الأميركي على كلّ مقوّمات البلد.. لسنا متهّمين.. نحن أنقى مَن يمكنه توجيه الإتهامات وإبداء الإشمئزاز من المرتكبين، كلّ المرتكبين. ونحن أشرف من تجهّز للقتال من أجل التحرّر الإقتصادي رغم كثرة المستَعبدين أميريكيًا في بلادنا.. نحن “أشرف الناس” الذين ردّدنا بيقين تام “لبّيك” حين قال سيّدنا الأمين للأميركي “نحنا حنقتلك”..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى