أحدث الأخبارالعراق

العراق في دائرة آثار المواجهة بين الشرق والغرب

محمد حسين راضي

تشهد الساحة الدولية توتراً ملحوظاً بسبب تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية، التي استعر فتيلها مؤخراً للتتجاوز الحدود المسموح بها دولياً لأي تأزم ناتج عن تعارض مصالح دولتين، وذلك بسبب التوجهات المختلفة والمتعارضة بين الدولتين الجارتين، خصوصاً وأن أحد أطراف هذا النزاع هي (جمهورية روسيا الاتحادية) التي تمثل ثاني الدول العظمى عسكرياً ونفوذاُ، ولاعباً أساسياً في النظام العالمي.
بينما نجد أن الطرف الثاني يمثل دولة من الدول النامية، لا ترقى في أي حال من الأحوال إلى مجاراة جارتها الكبرى في أي مجال من مجالات التطور والتنمية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، أو العسكري.
لذلك نجد أن الكفة تميل بكل ثقلها لصالح الطرف الأول، فضلاً عن أن الطرف الثاني يعتمد اعتماداً شبه كلياً على الواردات الخارجية، سواء في الطاقة أو المدخلات الصناعية أو العسكرية، بعكس الطرف الأول المكتفي ذاتياً، من النفط والغاز والتكنلوجيا والأسلحة العسكرية.
فبعد أن كانت أوكرانيا أحدى الجمهوريات المنضوية تحت حكم الاتحاد السوفييتي الذي تقوده مركزياً روسيا الاتحادية، حيث نالت الأولى استقلالها عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، أتجه نظامها السياسي الجديد نحو الغرب، متطلعاً للانضمام إلى الاتحاد الأوربي سياسيا واقتصاديا، وللانضمام إلى حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً، ليتخلص من نفوذ وضغط الجارة الكبرى، خصوصاً وأن الثانية سبق أن اجتاحت الأراضي الأوكرانية لتضم لها شبه جزيرة القرم عام 2014.
من جانبها فأن روسيا الاتحادية تشعر بتهديد أمنها القومي، زاعمة أن التأزم في العلاقات التي تربطها بالجارة (أوكرانيا) سببه سياسة النظام السياسي للأخيرة، إذ تعتبر انضمام أوكرانيا لحلف الناتو يهدد الأمن القومي الروسي بشكل مباشر، إذ يجعل كامل الأراضي الروسية تحت سيطرة القواعد الصاروخية الأمريكية وقواعد طيرانها، اذا ما كان لها موقع قدم على الأراضي الأوكرانية، ومن جهة أخرى أن الأراضي الحدودية لأوكرانيا يقطنها أغلبية روسية، وهم يدعون الى الانفصال من أوكرانيا والانضمام إلى روسيا الاتحادية.
وإذا أفضت هذه الأزمة إلى اندلاع حرب متوقعة، واجتياح روسي للأراضي الأوكرانية، فمن المحتمل أن يكون واعز لتحرك قوات حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة للتصدي للقوات الروسية وإيقافها، وهذا أمر محتمل بنسبة كبيرة.
ومما يضعف هذه الاحتمالية هو: اصطفاف الدول المتضررة من جراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا الاتحادية، مثل: الصين وكوريا الشمالية والجهورية الإسلامية الإيرانية.
وكون إن هذا التحالف سيمثل قطباً عملاقاً لا يستهان به، فهو من جانب سيقلل من أحتمالية نشوب حرب على نطاق واسع تشترك فيه أقطاب النظام العالمي، ومن جانب آخر قد يؤدي نشوب الحرب الى اشتعالها في أصقاع المعمورة، ولا تنجو من آثارها المدمرة دولة من الدول، خصوصاً إذا لزم الأمر استخدام الأسلحة النووية وغيرها من الأسلحة المدمرة، لأنها ستكون حرب وجود.
ومع وجود مثل هذا الاحتمال مهما كانت نسبته، لابد من دراسة الواقع العراقي في حال حدوثه، وموقف العراق من اطراف النزاع، خصوصاً وأن النظام السياسي العراقي بحكومته الحالية يعيش أزمة ارتباطه بالاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، ووجود القواعد الجوية الأمريكية على الأراضي العراقية، وسماء العراق المستباحة من قبل القوات الأمريكية دون أن يكون للإرادة العراقية أي تدخل بها أو في رسم سياستها وخطوطها، فضلاً عن التبعية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالمنطقة.
ووفق ما تقدم ستكون كامل الأراضي العراقية معرضة لان تكون ساحة حرب مستباحة من قبل القوة الجوية والصاروخية الروسية وحلفائها، إذا لم تكن ساحة حرب حقيقية بين الأطراف المدعومة من طرفي الحرب، أو التي تميل الى أحد أطرافها، أو تربطه به روابط عقيدية أو سياسية أو مصلحية، خصوصاً وأن احتمالية دخول الدول الخليجية ضمن دائرة الصراع المسلح حتمية.
فضلا على ذلك فالعراق يعتمد السياسة الريعية اقتصادياً، من خلال تصدير النفط الخام، ويعتمد اعتماد كامل على الاستيراد الخارجي لسد احتياجاته الأساسية، مثل الوقود والمواد الغذائية والكهرباء وبقية الاحتياجات المجتمعية، مما ينذر بوقوع مجاعة كبرى وتوقف للحياة الطبيعية في كافة نواحي الحياة في العراق إذا ما وقعت هذه الحرب، وذلك بسبب الانهيار الاقتصادي وانقطاع شرياني الحياة (التيار الكهربائي والماء)، وتوقف الكثير من المؤسسات الإنتاجية والخدمية، والفوضى العارمة التي ستنتج بسبب المعطيات الأنفة الذكر.
وهذا ما يضع النظام السياسي الحالي أمام أزمة فعلية متوقعة يجب الالتفات لها قبل وقوعها، واخذ ما يلزم من تدابير ووضع الخطط الاستراتيجية والتنفيذية الكفيلة بمعالجة الوضع، على المدى البعيد والقريب، لتقليل المخاطر المحتملة، ولتجنب المآسي المتوقعة، سواء اندلعت الحرب بين الشرق والغرب أو لم تندلع، فليس في كل مرة تسلم الجرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى